الأربعاء ٦ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠١٠
بقلم حسن توفيق

كمال نشأت .. أستاذي الأول

عرفته وأحببته منذ كان القلب وردة نضرة عطرة، تحلم أن يلتفت إليها الآخرون من الكبار، قائلين: يا لها من وردة، وكان آخر لقاء بيننا منذ ما يقرب من ثلاثة أشهر في بيته بالمعادي في القاهرة، لكني خلال جلستنا كنت أتمنى لو أنني ما قمت بزيارته، فقد رأيته أطلال جسد يوشك أن يتداعى. هذا الرجل هو أستاذي الأول الذي أسهم إسهاما مؤثرا وكبيرا في تكويني الإنساني والثقافي، وكنت – وقت أن عرفته وأحببته– أغبطه بل ربما أحسده لأنه كان من الشعراء الشباب الذي سعدوا بصداقة شاعر الحب الرقيق والكبير الدكتور إبراهيم ناجي، أما هو فكان يسعدني حين يحدثني عنه حديث تلميذ مخلص عن أستاذ جليل وجميل يدين له بالفضل.

في الإسكندرية، ولد كمال حسين فهمي نشأت سنة 1923 وهي نفس السنة التي ولد خلالها نزرا قباني في دمشق ونازك الملائكة في بغداد، وما يجمع بين هؤلاء الثلاثة أنهم كانوا من الرواد الأوائل لحركة الشعر الحر، لكن تفاوت حظوظ الشعراء فيما يتعلق بالشهرة الجماهيرية العريضة هو الذي تكفل أو تسبب في أن يركز النقد الأدبي على شعراء معينين وأن يتغافل عن آخرين ، ولما كانت المصادفات تلعب دورها في الحياة، فقد تصادف أني كنت طالبا في مدرسة روض الفرج الثانوية، وكان كمال نشأت هو أستاذ اللغة العربية، وقد قام بالتدريس لي أنا وزملائي لكنه كان يؤثرني بمعاملة خاصة، مرجعها رغبته المتحمسة في أن يأخذ بيدي ويساعدني في تحقيق ما كنت أتمناه من طموحات أدبية، وبخاصة في فن الشعر.

في سنة 1961 أهداني نسخة ما زلت أعتز بها من ديوانه الأول – رياح وشموع – والذي كان قد صدر قبل عشر سنوات أي سنة 1951، ولهذا الديوان حكاية عجيبة، فقد سلمه كمال نشأت للشاعر الذي أحبه وهو – كما قلت – إبراهيم ناجي لكي يكتب مقدمة له، لكن ناجي لم يكتب المقدمة وظلت نسخة الديوان لديه، وبعد مرور سنوات على رحيله عن عالمنا يوم 24 مارس 1953 وقعت لجنة كانت وزارة الثقافة قد شكلتها لجمع شعر ناجي في أخطاء عديدة من بينها أنها وضعت سبع عشرة قصيدة من ديوان كمال نشأت ضمن ديوان ناجي على أساس أن ناجي هو صاحبها ومبدعها، وهذا ما اعتبر فضيحة أدبية كبرى وقتها.

بعد صدور ديوان رياح وشموع لكمال نشأت توالت دواوينه الشعرية، ومنها أنشودة الطريق – ماذا يقول الربيع ؟ كلمات مهاجرة – أحلى أوقات العمر، ودواوين أخرى عديدة، ثم صدرت كل هذه الدواوين ضمن الأعمال الشعرية الكاملة في مجلدين كبيرين. هذا على الصعيد الإبداعي، أما على صعيد الدراسات النقدية فإن كمال نشأت أصدر دراسته الضخمة عن أحمد زكي أبي شادي وتأثيره في شعر جماعة أبولو، وكانت هذه الدراسة – في الأصل - هي الرسالة الأكاديمية التي تقدم بها لنيل درجة الدكتوراة من كلية آداب عين شمس سنة 1965.
من المحطات الحياتية المهمة في مسيرته، سفر كمال نشأت إلى العراق ليقوم بالتدريس في الجامعة المستنصرية ببغداد، وقد ظل هناك لمدة ما يقرب من خمس عشرة سنة، لدرجة أنه حصل وقتها على الجنسية العراقية، وحين قرر العودة إلى مصر وقعت له كارثة مؤلمة ظلت مؤثرة في حياته، حيث تمت سرقة تحويشة العمر على حد تعبيره المصري الشائع.

خلال السنوات الأخيرة من حياته كان محور حديثه معي عندما أقوم بزيارته الشكوى من الشيخوخة، وكان آخر ما صدر عنه يتمثل في كتاب توثيقي ضخم، يضم أهم الدراسات التي تناولته شاعرا وناقدا، وقد أهداني نسخة منه لكنه لم يستطع كتابة إهداء عليها نتيجة ارتعاش اليدين بفعل الشيخوخة، وها هو أستاذي الشاعر والناقد الكبير الدكتور كمال نشأت يرحل عن عالمنا يوم السبت الثاني من أكتوبر 2010 تاركا وراءه ثروة أدبية ثمينة، ومخلفا في قلوب الذين عرفوه وصادقوه أحزانا طاغية، وهذا ما أحسست به إحساسا حادا لأني فقدت الرجل الجميل الذي ساندني في مستهل حياتي الأدبية، وأدين له بالفضل ولا بد لي من ترجمة كل هذا في دراسة شاملة عنه فيما بعد.


مشاركة منتدى

  • السلام عليكم انا طالب اللغة العربية من جامعة ممبائي الهند
    أريد أن أعرف عن النثر الدكتور نشأت الصورة يعمل خصوصا حول مقالته " فرق بين الأدب و العلم من نقدك الأدب. معل السلام محمد اختر

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى