الأحد ٢٤ آب (أغسطس) ٢٠١٤
بقلم إبتسام أبو شرار

لروح القاسم من المهد إلى اللّحد مسك السّلام

...نغضب، نسخط، نحرّك مقبض الجدل، نمارس الاحتجاج بشهوة،... إلاّ أمام القدر فإنّنا نقف عاجزين، صامتين، مكبّلين بقيود الضّعف والانكسار، مذهَلين لا نقوى على ممارسة ذواتنا في موقعها الطّبيعيّ...

لرحيل الشّاعر الكبير سميح القاسم وقع ثقيل، لا يفقد هذا الوقع شيئًا من ثقله...فحينما تهبط أنباء الموت على القلب، نصاب بصمت طويل، ينقطع معه اللّسان عن التّعبير، ويتوقّف الخيال عن الإنتاج، تتصلّب الحروف في حناجرنا، ثمّ تخرج ثكلى، مصابة بأوجاع القدر، ...الّتي لا يشفيها شيء في حزنها المديد، ولكن تُسَكِّنها جرعة النّسيان...

الشّاعران الكبيران، سميح القاسم، ومحمود درويش اسمان سارا على درب واحد، اقترنا بالقضيّة الفلسطينيّة والمقاومة، تعلّمنا منهما كيف يصير اللّحن رصاصة، ويصير الحبّ أغنية، كيف يصير الفنّ وردة في شعلة من نار، كيف يتّحد صوت الشّاعر فينا، وكيف يؤاخي الهدف بين نفسين؛ لتتّحدا في صوت واحد، كيف يصير البعيد شقيقًا من أجل الحلم الأسمى. على إيقاعات حروفهما طربنا، وفي حنجرتيهما صُقلت آذاننا، وبأدائهما الرّائع شنّفنا مسامعنا، بحروفهما الأبيّة أتقنّا الدّرس الوطنيّ، بأنغام أصواتهما عشقنا تغاريد الشّعر، مع كلّ حدث وطنيّ كنّا ننتظر إطلالتهما الفاعلة بتوق الحالم العاشق، نحاكي ألحانهما، ونردّدها، ونرسمها في الذّاكرة أغنية لمفاتن الوطن، تطلّ علينا في لحظات الشّوق الوطنيّ، أحببناهما في هذا الوطن الاستثنائيّ حبًّا استثنائيًّا، كنّا نسافر في صوتيهما الصّادحين، نُحمَل على أكفّ مدننا، وأمكنتنا المسافرة فينا بجماليّات الفرح والحزن الّذي تجمّله الإرادة، تغرّد ألحانهما في أفضية الوطن. لم يرحل الإنسان في القاسم، ولا في درويش، بل رحلت برحيل كلّ منهما واجهة من واجهات التّاريخ، ووجه من وجوه الدّهر، ولكنّ هذا الرّحيل لم يحمل معه الذّاكرة الخالدة في بنيان التّاريخ، لم ترحل معه مساند سفر تكويننا في لحظاتنا التّاريخيّة المثيرة، بقيت الكلمة الطّلقة، والفنّ الرّصاصة بساط دربنا الأحمر، رحلت روحك، وبقيت ألحانك تصدح في صوت البلابل والحساسين، والعنادل...رحلت وأنت الحيّ الخالد في الأحياء، وقد قالها (أخ لك لم تلده أمّك) كما وصفته: "هزمتك يا موت الفنون كلّها".
تخلد الأرواح عند بارئها، ويبقى الفنّ فينا خالدًا في رحلته الوجوديّة المتفرّدة.نم قرير العين يا قاسم الحبّ بين القلوب، نم على وسادة إيقاعات العشق الوطنيّ الّتي تسكن روحك المتحدّية لعداة ماهيّة المنطق. سلام على الكون المغنّي فيك،سلام على العاشقين في أنفاس الثّرى، سلام على من عاش حارسًا لأحلامه الطّاهرة السّليبة، ولم ينثنِ عن دربه الشّقيّ النّقيّ ،سلام عليك، لروحك من المهد إلى اللّحد مسك السّلام ، وفي قلوبنا شجن لحن الختام. سلام، سلام، سلام...


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى