السبت ١٨ أيلول (سبتمبر) ٢٠٢١
بقلم رندة زريق صباغ

ما أصغرنا أمامكم

أقف خجولة -اليوم تحديداً- أمام هدايا محبة وطيب أخلاق الأصدقاء من خير بلادنا … خجولة أمام ما اعتبرته عادياً ومفهوماً ضمناّ

أقف خجولة أمام:-
 زيتون وتين عيلبون
 رطب وموز أريحا
 تفاح وعسل الجولان
 خبز صاج حرفيش
 بندورة البطوف
 كعك القدس
 خيار طمرة
 عنب الخليل
 قهوة رام الله
 كبة يركا
 لوز أم الفحم
 صبر دير عمّار
 عسل مرج بن عامر
جوافة قلقيلية
- ملوخية صندلة
 فقع وبيض أراضي ترشيحا
 دوالي الفريديس
 رمًان كفر كنا
 خرفيش وشومر طبرياِ

ما أصغرنا أمامكم

أقف خجولة امام حوض النعنع، أمام حبقات أمي وفلّة أبي، امام شمعة تبكي امامي فتذوب، أمام قطعة أثاث مللتها فاستغنيت عن خدماتها،

كتاب قراته فتركته جانباً،

أقف خجولة أمام أمِّ من غزة تنتظر موعد علاج ابنها في مستشفى رمبام لأعطيها حقيبة ثياب، أدعوها للغذاء والسير بمحاذاة البحر،

أقف خجولة أمام رجل ستيني بكى في رام الله حين قدّم لي كوزين من الصبر:- "ذوكي يا عمّي أطيب من العسل هذا صبر لفتة، بلدتنا لفتة بتعرفيها؟

أقف خجولة أمام أرجلي اللتين تتخدّران احياناً من كثرة التعب أو قلّة المشي فأخضع لغنجهما وأنام.

أقف خجولة أمام سماء عيلبون وأمام بحر حيفا،

أخجل من عصفور يزقزق فجراً فيوقظني ومن نملة تجرّ طعامها فوق ظهرها،

أخجل اليوم من مواء قطة وعواء كلب، من قطار وحافلة أزعجتني أصواتها،

اخجل من أشعة شمس حارقة أو لفحة ريح قويّة هربت منها،

أقف خجولة أمام هواء بلادي، شمسها وقمرها، أمام مطرها ومياهها…

أقف خجولة أمام قهوة وخبز أمي، أمام عينيها اللامعة شمماّ ومحبة، أقف خجولة من كل مرة لم أطمئنها على صحتي،

وعلى كل موقف لم أقل فيه لأبي "لا تقلق أنا بخير"،

أقف فخورة أمام عظمة بناتي، دعم أخي ورباطة جأش زوجي.

أقف خجولة امام حرّيتي المطلقة التي قيّدتُها أنا أحياناً فأعتقتني هي مراراّ….

أقف خجولة أمام نفسي، أشعر صغيرة قصيرة الهامة - رغم طول قامتي-

أقف خجولة وأطأطئ رأسي أمام الأسرى الذين تملأ قلوبهم وأفكارهم الحرية الحقيقية.

أفهم اليوم أكثر عشق والدي لطبيعة البلاد بسهولها، جبالها ووديانها، أدرك الاّن أعمق حبّه لمأكولاتها التراثيّة وأعي اليوم تقديره لكل كوز صبر، رمان وتين ولكل صحن مجدّرة،
أبي الذي تهجّر عن قريته في الثامنة من طفولة لم تكتمل، وقتل والده وسار مع أمه، أخوته وأهل عيلبون حتى لبنان تحت المطر والبرد، أمام وابل من الرصاص والجند.

كم أنت عظيم يا أبي، وكم نحن صغار أمامكم يا أسرى الجسد متحررو الفكر والفكرة.

ما أعظمكم وما أصغرنا أمامكم


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى