مدح شاعر العربية الكبير أبي الطيب المتنبي
((في مدح شاعر العربية الكبير أبي الطيب المتنبي))
بَدِيْعٌ مِنَ القَولِ الَّذِي هُوَ أَفْصَحُ
سَقَى خَاطِرَ الدُّنْيَا بِمَا هُوَ أَسْمَحُ
هُوَ الفِكْرُ مَحفُوظاً بِنَظْمٍ مُؤَثَّلٍ
لَهُ طَبْعُ صِدْقٍ بِالبَيَانِ مُوَشَّحُ
أبُو الطَّيِّبِ المَوهُوبُ إِنَّكَ شَاعِرٌ
كَأَنَّكَ غَوَّاصٌ وفي الغَيبِ سَابِحُ
أَمِيرُ قَوَافٍ لَمْ تَزَلْ مُتَفَرِّداً
بِهَا يَعْرِفُ الطُّلَّابُ مَا هُوَ أَرْجَحُ
فَهَلْ مِنْ فَتَىً يَبْنِي كَشِعرِكَ صَرْحَهُ
بِهِ رَبَّةُ الإلْهَامِ دَومَاً تُلَوِّحُ
إِذَا ما غَفَوْنَا أَيْقَظَتْنا قَصَائِدٌ
وَإنْ سَكَتَتْ أَفْكَارُنَا فَهْوَ صَادِحُ
فَكَمْ مِنْ مَعَانٍ قَدْ سَرَتْ مِنْ جَوَاهِرٍ
فَفِي كُلِّ بَيْتٍ مِنْ مَبَانِيكَ ضَابِحُ
نَرَى فِي ثَنَايَا القَولِ إِطْرَاقَةَ الحِجَا
لِأَنَّكَ فِيْهَا بِالحَقِيقَةِ تَصْدَحُ
فَلِلضَّادِ نَظْمٌ مِنْ قَوَافِيكَ مُرْهَفٌ
يَقُودُ إِلَى بَابِ الْبَيَانِ فَيفتَحُ
فَدِيوانُهُ صَرْحٌ مِنَ القَولِ شَامِخٌ
لَهُ فِي قَوَافِي الشِّعرِ سَيْفٌ وَنَاصِحُ
تَبَارَى لِسَيفِ الدَّولَةِ الشِّعرُ وَالرَّدَى
فَكُلٌّ لَهُ فِي حَوْمَةِ المَجدِ صَائِحُ
فَمَا زَالَ يَرْوِي عَنْ كَرِيمِ فَعَالِهِ
وَمِنْ نَبْعِهِ الصَّافِي القَصَائِدُ تُفْصِحُ
تَمُرُّ اللَّيَالِي الغَابِرَاتُ، وَشِعْرُهُ
عَلَى جَبْهَةِ التَّارِيخِ جَمْرٌ وَقَادِحُ
إِذَا ما سَرَى لَحنُ القَوَافِي بِقَفْرَةٍ
فَثَمَّ البُحُورُ الجَارِيَاتُ المَوَاتِحُ
يُضِيءُ لَنَا دَرْبَ الحَيَاةِ بِحِكْمَةٍ
فَفِي شِعْرِهِ لَحْبٌ قَوِيمٌٍ وَوَاضِحُ
هُوَ المَعْجِزَاتُ العَالِيَاتُ بِحَرْفِهِ
وَعَنْ ثَوْرَةِ الأَفْكَارِ دَوْمًا يُنَافِحُ
فَهَلْ عَرَفَتْ أَرضُ الكِتَابَةِ شَاعِراً
يَرُدُّ عَلَى الدُّنْيَا بِشِعْرٍ ويَنْصَحُ
جَرَى مَنطِقُ الفِكْرِ العَمِيقِ بِرَأْسِهِ
فَلَمْ يُبْقِ لِلأَوهَامِ شَيئًا يُقَدِّحُ
تَرَوَّى فَأَبْدَى كُلَّ صَعْبٍ بِمَنْطِقٍ
لَهُ في عُلُوِّ القَولِ طَبْعٌ مُصَارِحُ
تُحِسُّ قُوَى الأَفْكَارِ فِي كُلِّ لَمْحَةٍ
وَتَشْهَدُ أَنَّ القَولَ حَقٌّ وَصَالِحُ
يَشُدُّ عُرَى الأَيَّامِ فِي كُلِّ فِكْرَةٍ
فَيَبْقَى مِنَ الإِلهَامُ وحَيٌ وَطَامِحُ
فَكَمْ مِنْ مَعَانٍ لِلنُّفُوسُ تَرُوقُهَا
إِذَا أَغْرَبَ التَّفْكِيرُ وَالبَالُ سَارِحُ
وَدِيوانُهُ بَحْرٌ مِنَ العِزِّ زَاخِرٌ
بِهِ نَغْمَةُ الْإِحْسَاسِ تَسْرِي وَتَلْمَحُ
فَيَا خَيْرَ مَنْ أَلْقَى القَصِيدَ مُنَضَّداً
وَكَانَ بِهِنْدِيِّ السُّيُوفِ يُكَافِحُ
لِوَحدَةِ نَفْسِي فِيكَ عِزٌّ وَرِفْعَةٌ
وَكُلُّ فُؤادٍ لِلفَخَامَةِ يَجْنَحُ
وَإِنْ غَابَ صَحْبِي فَالْبَيَانُ جَلِيسَهَا
وَحَرْفُكَ فِي الظَّلْمَاءِ كَالنَّجْمِ وَاضِحُ
أُعَلِّلُ أَيَّامَ اغْتِرَابِي بِشِعْرِهِ
فَحَرْفُكَ لِلْقَلْبِ الحَزِينِ يُصَالِحُ
فَكُلُّ بَيَانٍ عِنْدَ شِعْرِكَ خَاضِعٌ
فَلَا كَانَ غِرٌّ فِي بَيَانِكَ يَقْدَحُ
فَيَا مَالِكَاً سِرَّ القُلُوبِ بِشِعْرِهِ
لَهُ الشِّعْرُ بَحْرٌ وَالبَلَاغَةُ مَسْرَحُ
يَظَلُّ مَقَامُ الحَرْفِ دُونَكَ سَافِلاً
فَمَا بَرِحَ الدَّهْرُ افْتِخَارَاً يُسَبِّحُ
سَلَامٌ وَإِجْلَالٌ عَلَى مَنْطِقٍ سَمَا
لَهُ كُلُّ فَخْرٍ فِي البَيَانِ وَمَمْدَحُ
وَإِنْ غَابَ عَنْ عَيْنِ الوُجُودِ فَإِنَّهُ
بِبَاقِي القَوَافِي خَالِدٌ لا يَتَصَوَّحُ
سَقَى اللهُ قَبرَاً فِيهِ شَيْخٌ وَشَاعِرٌ
لَهُ فِي فُنُونِ القَولِ سَبْحٌ وَمَمْرَحُ
