الاثنين ١٤ نيسان (أبريل) ٢٠٠٨
بقلم حسن توفيق

من مقامات مجنون العرب

ريَّال يكسر النيون.. بعد أن أحرق الدوبي البنطلون!

في الدوحة وبالتحديد.. في فريج الهتمي الجديد.. يقيم المجنون منذ زمن بعيد.. وقد خرج يوم أمس.. بعد غروب الشمس.. وذهب إلى دكان «الدوبي» البائس.. لكي يتسلم ما عنده من الملابس.. وما إن اقترب المجنون من الدكان.. حتى وجد دوائر من الدخان.. وسمع أصوات هواش - وأدرك أن صوت الدوبي قد انحاش .. وهو يواجه غضب زبون سمين .. بعد أن أحرق له الدوبي بنطلونه الغالي الثمين.. وأخذ الزبون يعدل شاربه المفتول.. وهو يهذي بما يقول:

أحرق الدوبي قماشَ البنطلونْ

فتهاوشتُ .. وكسَّرْتُ النيونْ

وتعالتْ من هواشي صرخاتٌ

كلها تعلن عن سخط الزبونْ

بنطلوني الآن قد أصبح ذكرى

كيف أحيا الآن دون البنطلونْ!

كشخةً كان.. فأضحى كَشْرَةً

وسأبكيه على مرأى العيونْ!

.. حمل المجنون ثيابه.. وترك الريَّالَ يبكي ما أصابه.. ويغني ظلموه .. وفاتوه ونسيوه.. واقتربت أقدام المجنون في المساء.. من مستشفى الولادة والنساء، واندهش تماما عندما استمع لطفلة صغيرة.. تروي حكايتها الغريبة والمثيرة.. حيث جلست في بطن أمها تسعة شهور.. ثم خرجت لكي ترى النور.. فاكتشفت أن أباها لا يحب إنجاب البنات.. خصوصا وأنه قد أنجب غيرها بنات كثيرات.. ولهذا أخذت الطفلة الصغيرة.. تتكلم بنبرات كسيرة:

جلستُ ببطنِ أمي في انحناءِ

لتسعة أشهرٍ آلتْ لانقضاءِ

وشفتُ الناس لما أخرجوني

بمستشفى الولادة والنساءِ

وحين خرجتُ قالوا: جاء BABY

بوجهٍ مشرقٍ رغم البكاءِ

وناجتني ممرضتي بصوتٍ

فليبيني.. يبرطن في الأداءِ

ولفتْني بثوب فيه خِنَّهْ

فزدتُ من البهاء على بهائي

وأمسكني الأقاربُ باهتمامٍ

وأمطرني الأحبةُ بالثناءِ

ولَمَّا قيلَ إني جئتُ بنتاً

وجدتُ أبي يولولُ كالنساءِ

وينظر لي بضيق وازدراءٍ

ويصرخُ: أََرجعوها للوراءِ

فهل يا ناسُ يِنْدَرَى بحالي

ووين الحب يا أهلَ الوفاءِ؟

وليش الأبّ يتطنزْ ويبعدْ

كأنَّ البنتَ رمز للبلاء؟!

.. حزن المجنون مرتين.. مرة حين اصبح البنطلون أثرا بعد عين.. ومرة ثانية.. حين شاهد النظرة القاسية.. يسددها أب نحو ابنته.. مؤكدا أنها سبب محنته.. وهنا أراد المجنون ان يستريح.. فقرر ان يركب بساط الريح.. لكن النزهة في الفضاء.. اضافت اليه رصيدا أكبر من الشقاء.. حيث شاهد قاعة فخمة كبيرة.. تتجاور فيها اجساد بشرية كثيرة.. فتصور المجنون ان أصحابها هم أهل الكهف .. خصوصا ان عيونهم جاحظة من رعب ومن خوف.. فادرك المجنون ان الغاز.. قد تسبب في أسوأ إنجاز.. حيث بدت وجوه الناس في القاعة.. متجمدة ومذعورة ومرتاعة.. بعد ان استنشق الجميع هذا الغاز اللعين.. فحاق بهم هذا المصير المؤلم الحزين.. ورأى المجنون رجالا آخرين.. سقطوا متجمدين وممتقعين.. وقد وضعوا أقنعة خضراء.. يؤكدون بها أنهم شهداء.. وسمع المجنون صوت رجل عاقل.. يؤكد ان ما قيل هو قولة حق يراد بها باطل .

وفجأة.. تمدد في الصمت صوت:

 ماذا تفعل هنا يامجنون؟!

وماذا تفعل انت هنا يانيرون؟!

 أريد ان اعرف نوع هذا الغاز.. وهل هو محرم دوليا أم مجاز؟

وأنا متأكد انك وراء ما جرى.. فأنت مشهور بإحراق المدن والقرى.

.. دون أي إبطاء.. وضع المجنون على رأسه طاقية الإخفاء.. حتى لا يراه نيرون.. وأخذ يبتعد ببساط الريح في هدوء وسكون.. وصرخ المجنون: نيرون في كل مكان.. وهو يتصور أنه أكبر قوة الآن!

ريَّال يكسر النيون.. بعد أن أحرق الدوبي البنطلون!

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى