الجمعة ٢٧ حزيران (يونيو) ٢٠٠٨
بقلم حسن توفيق

من مقامات مجنون العرب

عنترة بن شداد.. يواجه أسراب الجراد.. بكل ثقة واعتداد

لولا انه يحب ان يترك الدموع للنساء.. لكان عنترة قد أجهش بالبكاء.. بعد ان ادرك ان عصره الذي ولد فيه.. اجمل الف مرة من هذا العصر الكريه.. فقد كان الانسان العربي يسعى لنجدة اخيه.. واذا وقع في مكروه فانه كان يحميه.. لان الناس كانوا يهبون لنصرة المظلوم.. واغاثة الضعيف والمحروم.. اما هذا الزمان الذي يراه عنترة.. فهو زمان الهوان والمسخرة.. وكل انسان.. يحاول ان ينقذ نفسه من الطوفان.. ولا يمد يده لمساعدة غريق.. حتى لوكان أعز صديق! على الرغم من اعجابه بتقدم التكنولوجيا والعلوم.. أحس عنترة انه يحمل جبالا من الهموم.. وفجأة سمع هو والمجنون موسيقى ضحكات.. فتطلعا حولهما ليجدا عدة فتيات.. كلهن بيضاوات وشقراوات.. وكلهن أجنبيات يرتدين بنطلونات.. بعضها ضيق ومزخرف.. وبعضها واسع ولامع ومهفهف.. وبرشاقة الغزال.. اندفعت إحداهن في الحال.. وفتحت ذراعيها لتحتضن المجنون.. بينما اندفعت فتاة بغير
جفون.. وتهيأت لتقبيل عنترة.. فدفعها بعيدا وهو يصرخ: ما هذه المسخرة؟!

طرقعت الفتاة قطعة من اللادن او اللبان.. وقالت وهي تجز على الاسنان:

 يا مستر «أنتر».. ما هذا الذي به تتبختر..؟

 انه سيفي ايتها الغانية.. وهو رفيقي في مواجهة القوى الباغية.

 إذا لم اكن قد وقعت في خطأ او سهو.. فإن ما اعرفه جيدا ان السيف الآن للهو.. فاذا كنت تحمله للهو فأنعم بالأمان.. ومن حقك طبعا ان ترقص به مثلما يفعل الفرسان الآن!

 اغربي عن وجهي.. حتى لا يزداد لك كرهي.. ان السيف لنصرة الجار.. وحماية الأرض والدار.

هزت وسطها احدى الفتيات الشقراوات.. وقالت ان ما يقوله عنترة مجرد «عنتريات».. فزمجر عنترة وقال بغضب: ان سيفي ليس من ذهب.. لكنه يقاتل دفاعا عن ارض العرب.. وجذب عنترة المجنون بشدة.. وقال له أتعرف لماذا كل هذه الحدة؟..

سأقول لك ما اعرفه بكل وضوح.. وهو امر لا يحتاج لشروح.. ولن اقول لك سوى احذر كيدهن.. فكلهن جميعهن.. يعملن مع الأعداء.. حيث يقمن بالتجسس علينا بكل دهاء.

فجأة أحس عنترة بالشوق لعبلة.. وتذكر كيف كان يشتاق لها كل ليلة.. فانطلق الى الشعر.. ليداوي به قلبه بعد طول صبر:

أرنو لعبلة لا أحب سواها

وإذا اندفعتُ إلى الوغى.. ففداها

«وأغض طرفي ما بدتْ لي جارتي

حتى يواري جارتي مأواها»

والسيف في كفي يبارك خطوتي

ويعيد لي حقي اذا ما تاها

السيف جسر لاستعادة مجدنا

إن ضاقت الدنيا بمن يحياها

والحرب ليست نزهة خلوية

لكننا إن أقبلتْ نغشاها

ما أجبن الفرسان إن لم يُقبلوا

أو أقبلوا متجنبين لظاها

حرية الانسان ليستْ منحة

تُهدَى لمن يتصاغرون جباها

«ولئن سألت بذاك عبلة أخبرتْ

أن لا أريد من الحقوق سواها»

حاول المجنون ان يخفف عن عنترة ما اعتراه.. فقال له: لو سمعتْك منظمات حقوق الانسان لقالت: الله.. الله.. فأنت بالفعل تحب الإنسان.. وتحثه على رفض الذل والهوان.. ولم يهتم عنترة بالمديح.. بعد ان تغلغل ببصره في الافق الفسيح.. فوجد أسرابا من الجراد.. تتشبث بالزرع بكل عناد.. وتنقض على الحصاد.. كأنها والشيطان على ميعاد.

حمل الهواء صرخات مذعورة.. اطلقتها حناجر مقهورة.. فانطلق عنترة بكل قوة.. وحاول المجنون ان يستعيد بعض ما كان من الفتوة.. فانطلق هو أيضا معه.. حريصا كل الحرص أن يتبعه.. وصاح عنترة بأعلى الصوت.. فليسقط حائط الصمت:

«لما رأيتُ القوم أقبل جمعهم

يتذامرون كررتُ غير مذممِ»

يدعون عنتر.. والجرادُ بحقده

يلقَى مواسم خصبنا بتجهمِ

هيا انهضوا.. أنتم من الأرض التي

لم تنكسر يوماً ولم تستسلمِ

هذا الجراد خرافة وهمية

سيزيحها الفرسان عند المقدمِ

عنترة بن شداد.. يواجه أسراب الجراد.. بكل ثقة واعتداد

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى