الأربعاء ٢٦ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠٠٨
بقلم حسن توفيق

من مقامات مجنون العرب

لكل زلزال توابع..ولكل زمان أفراح وفواجع

يفاجأ الناس بوقوع الزلازل.. حيث تنهار البيوت وتتصدع المنازل.. ويطل الخراب بوجهه المشؤوم.. ويلقى الضحايا مصيرهم المحتوم.. ولكل زلزال توابع.. لا يستطيع أن يردعها أي رادع.. أو يمنعها أي مانع.. وحين يفيق الناس من الصدمة.. ينطلقون بكل ما لديهم من همة.. لكي يعيدوا بناء ما تهدم.. ويساعدوا مَنْ سقط على الأرض أو تخبط وتألم.. لأن نهر الحياة لا يتوقف عن الجريان.. والأرض ذاتها لا تكف عن الدوران.. بينما تتعاقب على كل إنسان.. أفراح وأحزان.. وهي نفسها التي تتعاقب على الشعوب والأوطان.

يعرف المجنون أن المفاجآت.. يمكن أن تزلزل كل التوقعات.. وطالما أن البحر هائج.. فإنه قد يخفي ما يخفي من نتائج.. ولكن يبقى على الربان الماهر.. أن يظل يناور.. دون أن يتلهى بالمصائر.. حتى لا يبدو في هيئة مقامر.. وبالتأكيد فإن السفينة.. لابد أن تكون في أيد أمينة.. حتى يكتب الله لها السلامة.. دون أن يشرب أحد كأس الندامة.

سفينة «الأندلس» لم تكن مصنوعة من ورق.. لكن الطيش والتفرق والنزق.. أفضت بها في الخاتمة إلى الغرق.. ولم يبق من السفينة التي كانت رائعة.. إلا ما يتبقى من أية فاجعة.. صرخات مذعورة أو خائفة.. ونبرات حزن آسفة:

«لكل شيء إذا ما تم نقصانُ

فلا يغر بطيب العيش إنسانُ

هي الأمور كما شاهدتها دول

مَنْ سره زمنٌ ساءته أزمانُ

فجائع الدهر أنواعٌ منوعة

وللزمانِ مسراتٌ وأحزانُ

وللحوادثِ سلوانٌ يسهلها

وما لِمَا حلَّ بالإسلامِ سلوانُ».

.. نظر المجنون للبحر بقلب حزين.. لكنه وجد سفينة أخرى تواجه الموج ولا تستكين.. فأدرك على الفور أنها سفينة «فلسطين».. لأن ركابها أجمعين.. يبدون متضامنين..وهذا ما أغاظ «القرش» اللعين.. وهنا تردد صوت شاعر شهيد.. يؤكد
ما سبق أن قاله ويعيد:

«سأحمل روحي على راحتي

وألقي بها في مهاوي الردى

فإما حياة تسرُّ الصديقَ

وإما ممت يغيظ العِدَى

ونفس الشريف لها غايتانِ

ورود المنايا ونيل المنى

لعمرك إني أرى مصرعي

ولكنْ أغذُْ إليه الخطى

أرى مصرعي دون حقي السليب

ودون بلادي هو المبتغي»

وبينما أخذ المجنون يتأمل صراع الخير والشر.. أفاق على صوت رجل حر.. يبدو من نبرته أنه ليس من أبناء هذا العصر.. ولأن الظلام شديد.. لم يلمح سوى شبح بعيد.. ينادي وما من مجيب.. وتتداخل في صرخته العزة مع النحيب:

تحاصرني الأحزانُ والليلُ يمتدُّ

وطوفانُ هولاكو يعودُ فيشتدُّ

أبعد انتظاري للنهار مؤرَقاً

أرى الشمس لم تشرقْ بما وعَدَ الوعدُ

أرى جرحَ عشتار الأبية صامتاً

وفي صمته حزنٌ طغى ما له حدُّ

«ومن نكدِ الدنيا» على الناس أنْ يروا

عدوّاً لهم ما مِنْ إطاعته بُدُّ

ولكنني أدري بأنَّ قلوبهم

برغم المآسي سوف تصحو وتحتدُّ

سأبقى أنادي فوق أنقاض منزلي

ويأتي زمانٌ ليس يبنيه مرتدُّ

إذا كنتُ مفجوعاً فإن فجيعتي

ستحرقُ أوهام المسوخ وتمتدُّ

تنبه المجنون أن المتنبي هو الذي يصيح.. وأن صوته يتردد في الفضاء الفسيح.. لكن الصوت لم يعد ينفذ إلى القلوب.. لأن تجار المآسي والحروب.. يتاجرون بأوجاع الشعوب.. وهنا تعالى صراخ المجنون.. وقال بصوت محزون:

 أيها الشاعر العملاق.. يا من يتردد صوته في كل الآفاق.. كيف عدت من جديد؟.. ولماذا أنت شارد ووحيد؟

> لك أن تتخيل ما تشاء.. لكني في الحقيقة لم أعد إلى عالم الأحياء.. إلا لكي أقول.. إني عشت حياتي أصول وأجول.. وقد ظللت أقاتل.. ولم يكن معي أحد سوى قلبي المناضل.. وقد قتلتني عصابة الشر.. بعد أن ساندتها الخيانة وساعدها الغدر.. لكني مؤمن بقدوم يوم.. سينزاح فيه الغم والهم.

لكل زلزال توابع..ولكل زمان أفراح وفواجع

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى