

مَخَاضُ النَّكْبَةِ
1. يا سفاحًا نَتِنًا ساكنًا بُرْجًا عاجيًّا، أريكتُك رصَّعتها بجماجم شهداء بواسل جابهُوك بالسلاح والحجر والصبر، لقمتُك الآن مِن منايا الغربان، وشرابك من نزيف الأرض المغتصبة، هلّا هبطت لأهديَك كَفَنًا أسودَ اقتنيتُه لك من متجر البندقية، ومقصلةً صدئةً هرَّبتُها من متحف باريس. عذرًا إنْ باغتكَ السامريُّ ممتطيًّا عجل أسلافكَ وبشَّركَ أنَّ النسفَ آتٍ وغرقَك في نحركَ.
2. يا حفيد هامان، خدَّاك ملمسُهما نهدان بضَّان، لكنَّ جوهرَهما سَدُومْ وعمُورة غداة مطر السوء، فكل من حاد عن جبروتكَ طعنتَه أعلى الجليل وأسفل النقب وفي كَبَدِ القدس، ذقنُك صورة مشوهة لأفران (أُوشْفِيتس) وعيناكَ الحائضتَان تَركِتَا مَسٰخِ أصحاب السَّبت، يا مَنْ ابتكر مدافنَ مشيمات الأطفال الخُدَّجِ، ألا تخجل من مصيرك الذي صقلتْه يداك الملطَّختان بشلالات دماء أصحاب الأرض؟ أنت مَاضٍ لِتَحْبُوَ على نجمة الرَّماد إلى جحيم (دَانْتِي).
3. سقطتْ غابة من الأذرع والسيقان، شَلَّها ثرى الشَّام المخضَّب بالحنَّاء، دَوَّدَتْ ثم تلاشتْ، استشرى الشَّرُّ واستعرَ حِينًا من الدهر، أفنى البذور وعَبَّأَ القبور بأشلاء االقواريرَ والصبيان الفُطُمِ، انتشى الجلَّادُ باللاعقاب والثناء، دَقَّ مِسَلَّةَ شريعة حَمُورَابِي المسمارية، اعتلى تَلَّةً مَفْعَاة فنزلت به صاعقةٌ من السماء جَزَّتْ لسانه وفَقَّأَتْ عينيْه الثعلبيتيْن، فانجلى دُجى المائة عامٍ وانعتقَ من الليالي الدهماء.
4. أنا الشيخُ ياسر المُهَجَّرُ قسرًا ذات ثمانٍ وأربعين، أحملُ في تجاعيدي مفتاح العودة إلى القرية السوية، مِنْ أرض أجدادي طردتَني رضيعًا يَئِنُّ نحو براثن الاغتراب والشتات، فسقمتُ واختنقتُ وضمرتُ ثم بُعثتُ منتصرًا. يا مدائنَ الجُمِّيزِ والزعفران جَزَرَتْ عنها أوجاعها وشطائبها، ها أنا ذا أَهْفُو إلى مرابع الصبا بعد قَرْنٍ من التِّيه لأغرسَ أضلاعي فتتنفَّس الأرضُ الحبلى وتُزهر من طَلْعِ الصمود وتَدفن من نَعَاهَا بأنشودة الصَّبَّار.