

مُعاهدة البلابل والفراش
بلبلٌ مهاجرٌ جاء من بعيد
عاد غاضبًا لقومه ليلة العيد
سأل أمَّه: أين البلابل الصغيرة؟
ومخطوبتي بلبلتي الجميلة المثيرة؟
قالت: آهٍ بُني، بلبلي أما دريت
غزتنا الغربان؛ فإلى العشِّ أويت
قال: وأين كل البلابل المقاتلة؟
ألم أحذرهم من الغربان السافلة؟
قالت: آهٍ بنيّ بلبلي أما تعلم
مفتاح مدينتنا للغربان مَلِكُنَا سلَّم؟
صار البلبلُ كحديدٍ فوق النار ينصهر
ولولا أمَّه البلبلة لمات حزينًا ينقهر!
جاب العشَّ مُحتارًا عرضًا وطولًا
مفكِّرًا لقلب أمِّه كيف يُدخل سرورًا؟
خرج وحدَّق بالغربان نظرة وعيد
وجزم بالحرب لا غيرها جبرًا ليستعيد
أرض أجداده البلابل الأوائل المُباركة
مُقسمًا أن يجعل أسطورة الغربان هالكة
طار بعد صلاة العيد غاضبًا فوق المنبر
وخطب بكلِّ البلابل وتوعَّد وأنذر
صُعق كل القادة بين مصدِّقٍ ومكذِّب
أهذا هو البلبلُ المسالم المُهذَّب؟
عمَّت الفوضى كلَّ مجلس البلابل
ومن أيَّدوه سرًّا هم بالقلائل
قال ملكهم: خرابيشُ فوق سطور الطاعة
هلمُّوا لنعقد مؤتمرًا داخل باحة القاعة
افتتحَوا الجلسة وبالإجماع أدانوه
ومن منصب البلبل الثائر أقالوه
راحت بلبلةٌ صحفيَّة تحتجُّ وتسأل
عن البلابل الثائرة ماذا تراها ستفعل؟
قال ملكهم: لطفًا يا أستاذة بلبلة
أنتِ من الشعب وهذا في المحصِّلة
أرجوكِ بلبلة لا نريدُ حديثًا جانبيًّا
فالبلبل الثائر قد تلقى تمويلًا أجنبيًّا
وقادوه إلى السجن بين البلابل مُكبَّلًا
لكنَّه لم ييأس وظلَّ شامخًا باسلًا
وشاع الخبر حتَّى وصل البلابل المتمرِّدة
فأقسموا ألَّا يجعلوه بين الأغلال المُقيِّدة
في السجن جلس البلبل يرثي مدينته
أشجارها، أعشاشها، والحسناء حبيبته
وإذ بها تدخل عليه كفراشةٍ من النافذة
فانتفض ولهانًا، وبقلبه رياح العشق عاصفة
قالت: أوَّاه بلبلي لحالك لستُ سعيدة
قال: أوّاه بلبلتي قلبي لكِ قصيدة
احمرَّ وجهها خجلًا وذرفت الدموع
فقال: لدموعكِ بلبلتي أنينٌ مسموع
ومرّت الليالي تلو الليالي ومرَّت الشهور
وفي صدور البلابل المتمرِّدة ثائرٌ يثور
قال بلبلٌ منهم: نباغتُ السجن ليلًا
وقال آخر: يا أيُّها القوم مهلًا مهلًا
نظروا إليه فأكمل قوله: نضعُ خطّة
نحررّ بلبلنا الثائر دون سقطة
نشيع في المدينة أن النمل داهم الأعشاش
وسيضطلع بتلك المهمة؛ حلفاؤنا الفراش
وفي اليوم الموعود؛ جاء زعيم الفراشات مُتبخترًا
مقسمًا ألا يذوق الرحيق والمسجون بلبلًا
وقف أمام القصر وصاح: النمل أيُّها الملك
داهم أعشاشكم وكل من فيها قد هلك
وصار سجنُ البلبل الثائر خاويًا دون حرّاس
فحررته البلابل المتمرّدة، وفرحًا دُقَّت الأجراس
وحينها علم الملك وجنده أن في الأمر حيلة
وأن معارضيه قد اتخذوا من الفراش وسيلة
في طريق العودة الطويلة تقابل كلا الطرفين
الملكُ في صفٍّ والبلابل والفراش في صفَّيْن
ثمّ هبّت الغربان لتقف في صفِّ الملك والجنود
فعزمت البلابل والفراش طردهم خارج الحدود
تقدَّم غرابٌ عسكريٌّ متغطرسٌ يحملُ رتبة عميد
قال للبلبل الثائر: إنّك في مواجهة جيشٍ عنيد
حينها وثب عليه بلبلٌ فتيٌّ بحوزته سكِّين
غرسها في قلبه: اليوم أصدقائي كيوم حطّين
نشبت المعركة فصارت المدينة للحرب ساحة
غُلبَ الملك والغربان فطلبوا الحوار مساحة
رفضت البلابل والفراش كل محاولات التفاوض
وقدَّروا الموت لمن لفكرة التحرير يعارض
حلّقت الفراشات والبلابل مبتهجة بحلاوة النصر
لكنَّهم لمحوا الفتيَّ ميِّتًا لمّا أرادوا لعددهم الحصر
في جنازةٍ للبلبل المقاتل إلى مثواه الأخير حملوه
الملك من خلفهم مكبَّلٌ مهانٌ؛ بعد أن عرُّوه
ومن خلفه تسير الغربان وكل البلابل الخائنة عارية
تندب حظَّها؛ لأنّها تعلمُ أنها تسير الآن إلى للهاوية
بعد الدفن جاءت برعبٍ مهيبٍ لحظة القصاص
طلب الخونة العفو وأقسموا على الإخلاص
وقف البلبل الثائر فوق ربوةٍ يراقبُ الشقيَّ والسعيد
ثمّ تعهد للبلابل وكل الفراش ببدء عهد جديد
نظرَ يمينًا؛ فوجد أمامه الملك الخائن فبصق!
ثمّ على رأسه كلمة خائن على ورق؛ لصق
نظرَ شمالًا؛ فوجد الغربان والبلابل الخائنة ترتجف
بخطيئتها مطأطأة الرأس؛ تُقرُّ باكية وتعترف
ثمّ سار وكلُّ البلابل والفراشات يرتّلون النشيد
سلامًا، سلامًا، في قلوبنا تحيا؛ أيُّها البلبل الشهيد