نوستالجيا الفأس
(رجْع حديث الراعي)
وأنا كانتْ لي شجرةْ،
صيَّر مجلسَها الحطابون سِهامًا فاتكةً في القلبِ وأبوابًا تدخل منها الريحُ
ونِبَالًا تَصْطَادُ عصافيري
وأنا يومًا لعصافيري ما قلتُ لها طِيري
"قدِّسْني إن شئتَ فإني متهمٌ فيك"
قالها الغصنُ إذ غضَّ عن تلكمُ النظرةْ
سرَّ أدمعِه المختمرةْ
هذه الشجرةْ
قُطعتْ من أرض الحطَّابين
ومازالت في قلبي تنمو زاهيةً
وتَرُشُّ على صهدِ الأنفاسِ بروحي
عطرَ المطرةْ
الشجرة وارفةٌ
لكنَّ الغصن الحيران سرحْ
ماذا يبقيكَ على الحائط رَفًا تحملُ أوزارَ الكُتّاب؟
كيف تُقَدِّسُ كَفًا تقطعُ جِيْدَا؟
أيَّةُ أغنيةٍ أَغْرَتْكَ فخَلَّيْتَ الفرعَ وَهِمْتَ بعيدا؟
وإلى أي زمانٍ ستظل وحيدا؟
يا غصنُ تَعَقَّلْ
عُدْ للشجرةِ ثانيةً
فعيالُ الأغصانِ يكادون يطيرون وراءكَ مذ غبتَ
الورقُ اسَّاقط...
والقلبُ المفطورُ نبحْ
نظراتُ الوردةِ ما زالتْ هائمةً تتقصَّى عنك الأخبارَ
وآثار النظرات على الأرض سلال من نارْ
والشوق المكبوتُ... على الأوراق جَمحْ
دائرٌ دائرٌ،
ساهرٌ حائرٌ،
أحدبُ في المدى حُلُمُ الوردِ؟
سَاقَاهُ مبتورتان يُحلِّقُ
أم أن ذلك قوسُ قُزَحْ؟!
(وفاء الفأس و مكر الحطّاب)
يمشيان معًا
هو في هدءةِ الصقرِ كان يوزعُ نظراتِه
يقنُصُ القامةَ الوارفةْ
وهي خاضعةٌ مثل جيشٍ يقطعُ أوصالَهُ
ثم يبكي قيامتَه النازفةْ
محضُ ضدين
يأتلفانِ ويختلفانْ
ينفضان معًا عن نهارهما غَبَراتِ الدُّخانْ
وصروفَ الزَّمانْ
في المساءِ يُدَلِّلُها ويريحُ تثاؤبَها كي تنامْ
في الصباح يُمَرِّرُها في رقابِ الصِّغارْ
وهي أمٌّ لَهُمْ
لا تُجيدُ الهُروبَ
تُشيرُ لهم خِلسةً أن تَوارُوا
ولكنَّ فِطرتَهم لا تُجيدُ الفرارْ
فيفرون منها إليها
فتبكي هراوتُها الراجفةْ
وتثورُ تثورُ
اتخذني إذا شئتَ أرجوحةً للعبْ
أو مواقدَ تُشعلُ فيها اللَّهبْ
قد رشقتَ بمثلي حياتي قبلَ خريفٍ ودمعٍ بِعَينْ
هؤلاء صغاري... حنانيكَ لا تَفْطُر القلبَ يا قاتلي مرتينْ
ثم ينحسرُ الوقتُ عنها وعنهُ
وتَصمدُ من خلفِها الفاتناتُ الصغيراتُ واثقةً هاتفةْ
إنَّها صَحوةُ القلب يا صاحبي
قبل أن يُصبحَ الأخضرُ المتفاخِرُ في لحظةٍ حَطَبا
نبضةٌ هَربَتْ من بَيَاضِك للفأسِ تَقْصِدُ في قلبِها الخَشَبا
حينَ رقَّ ظننتَ الجميلاتِ غافلنَ حطَّابَهُنَّ
انتبهْ
بل وفاءٌ بفأسِ الخلودِ أَبَى
فهي تحفظُ تاريخَ قاتلِها المرِّ
تعرفُ خطوتَهُ في الظَّلامِ وتَذكُرُهُ
مثلما يَذكُرُ الوردُ في مَوتِهِ قاطِفَهْ