السبت ٢ حزيران (يونيو) ٢٠٠٧
بقلم محمود حمد

هل توجد بلد في الدنيا ليس بها فقراءٌ من ميسان؟!

تسألُني "حريةُ" بائعةُ الفِجْلِ بسوقِ "الميمونةِ"..

عن سِرِّ القَحْطِ المُستَشري فينا مٌنذُ ولادَتِنا..

نَنْقُلُهُ كالطاعونِ بأجسادِ المُدُنِ الأخرى..

تَستَدرِكُ:

هل توجدُ بَلدٌ في الدنيا لَيسَ بها فقراءٌ مِنْ ميسان؟!

هَلْ هذا الداءُ الكامِنُ فينا....مِنّا؟..

أمْ...مِنْ رَبِّ العَرشِ الخالقِ أرزاقاً..

وسيوفاً تَفْتِكُ فينا؟

أسألُها :

هل تعرفُ "اوروك" ..

بَلدٌ لم تَعرف ذاكرةُ الإنسانِ بلاداً قَبْلَهْ..

بَلدٌ أنشأها الأهلُ بهذا الإقليمِ من العالمِ..

هذي "ارضُ الرُزِّ الوحشيةِ برعايةِ أوتو"(1)..

أطلَقَها "انكي دو" في الألفِ الثالثِ قَبلَ الميلادِ..

واليومُ بلا رُزٍ نأكلُهُ!..

ضَحَكت "حريةُ"قائلةً:

إنّي لا اعرفُ بلداً غيرَ "الميمونةِ"..

تومِئُ لـ"الزوري"(2)المُتَنافرِ في "مشحوفِ"(3)الصيادِ اليافِعِ..

.............كصفيحِ الفِضَّةِ يَغلي..

وبِكَفَيها باقَةَ فِجلٍ يانِع..

تَهمسُ..تَتَغشى خَجَلاً:

هذي خيراتُ الميمونةِ..

أتَرَبَعُ تَعِباً بجوارِ شريعةِ أهلِ الأهوارِ..

أشربُ شاياً ممزوجاً في نعناعِ "الدفّاس" (3)..

أخبرُها عن ابنِ مَدينتِها "جلجامش"..

تسألُني :

هَلْ كانَ وَلياً عادل؟..

أَمْ مِثل لصوصِ الأكفانِ ببغداد؟

أُقَلِبُ أوراقاً كالجَمْرِ بخاصرةِ السُلطَةِ..

أقرأُ مِنها سَطراً للرَجُلِ القادمِ تَواً من "ماطورِ سليمَة"(4)..

يَجعلُها حِرْزاً بينَ"الصايَةِ"(5) والأضلاعِ..

يَصعد بـ"الماطورِ" العائدِ لـ"أم جومة"(6)

كاظم فلاحٌ من أبناءِ "الحلفايةِ"..

خَتم القرانَ بِخَمسة أشهرٍ في بيتِ "المُلاّ دراغ"..

قَدَمَ شكوى ضَدَ المَجْهولِ الـ يَقطَع رِزْقَه..

إصطَفَّ الناسُ بصمتٍ حَولَه..

قالَ طبيبُ البلدةِ:

النفطُ تفاقَمَ في جوفِ الأرضِ..

صارَ نَزَيزاً..

طَفَحاً..

يَقْتُلُ كُلَّ حياةٍ..

صاحَت زوجةُ كاظم بإبنتِها:

الدُنيا ظلامٌ يا سعدية..

تَصرخُ ابنتُها في سخطٍ:

لا توجَدُ قطرةَ نَفطٍ في فانوسِ البيتِ..

إصطَكَّ رجالُ القريةِ صَوْبَ القِبلَةِ ..

سَجَدوا..

رَفعوا أيديهِم بدعاءِ الحائرِ:

رَبِّ أنقذ أرضي من شَرِّ النفطِ.. وبلاءِ النَفطِ!

الهوامش

(1)النص مقتبس من ملحمة جلجامش ، و"اوتو" الإله الذي يحمي جلجامش.

(2)الزوري:الأسماك الصغيرة.

(3)الدفاس:سيد له قبر في أطراف مدينة العمارة.

(4)سليمة:بركة في وسط اهوار العمارة.

(5)الصاية:زي رجالي شعبي عراقي.

(6)أم جومة:منطقة في الهور.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى