

وجه أمّي
الليل بين جوانحي غَسقٌ ثقيل بالسوادْ
يمتدّ في حبق المعاني حاملاً حُزنَ المِداد
والحرف متّكئٌ على وتر القصيدة عاشقاً ينسابُ في قَوس الرُّباب
وكأنّ وجهاً مشرقيَّ الحزن والغضبِ الحليم يمرّ بي مرّ السَّحابِ على اليَبابْ
قمحاً وأغنيةً وأصواتاً تدورْ
ورَحَىً كأنّ نشيجَها وعدٌ تبتّل في خصيبِ دمائنا كي لا تبورْ
وجهٌ جميلٌ حزنهُ هو وجهُ أمّي في الحِداد
ينضو من السَّحَر المُدمّى أيكةً تطوي المدى أعرافُها ومن الرّمادِ إلى الرّمادْ.
هُدبٌ يصارع صخرةً، فتهزّهُ ويهزّها فيُزيحها يرقى بها للجلجلهْ
وتعود ثانية فترفعُها يداهُ وتستمرُّ المسألهْ
هدبٌ يقاومُ صخرةً، والكحل شحرورٌ لغزةَ والخليلْ
عينٌ تقاومُ مخرزاً وتفوز بالصبر الجميلْ
سِحرٌ هو الموت الذي يجري هنا ما أجملَهْ!
في الكون لن تجد المثيلْ!
عينٌ تقاتل كلّ أعداء الحياةِ فلا تنامُ ولا تقيلْ
يا عين أمّي دثّريني وازرعيني في الجليلْ!
قلبٌ لغزةَ مقفلٌ برسائلِ الموت الشهيِّ على الترابْ
قلب يطلّ بوجه أمّ
ويدٌ تحاول أنْ تَلُمّ
كفّ محنّاة بطينٍ راعفٍ، بالزعفرانْ
ودمِ الصّحابْ
يا بحرها الغزيَّ هل من عودةٍ للسندباد ْ؟
يا وجهَ أمّي مقبلاً خبزاً وزادْ
يا وجهَ غزّة كم تُبادُ فلا تُبادْ
وجهٌ أعارَ الصُّبحَ ماءَ وضوئِهِ
ومضى على عَجَل ليضفُرَ غُرّة (الشِّعرى) على تاج السّماءْ
والرّيحُ راعفةٌ ترتّلُ ما تيسّر من ملاحم كربُلاءْ
وترشُّ نارَ الوقت فوقَ جراحنا مِلحاً وماءْ.
ما بين زنبقتينِ ظِلُّهما خُزام
نام الغزالُ مضرّجاً بالمسك
أهدى الأيائل بَسمةً جَذلى ونامْ
هُوَ لم يَنَمْ!
فالأرضُ أحْنَتْ صدرها خوفاً عليهْ
قَذَف (العَصَاةَ) على (العُصاة) وقام
هو لم يقُمْ!
سَبعُ السّماوات الطّباق نزلْن كُرمى مُقلَتَيهْ
ومَضَيْنَ في الكون الفسيح بِهِ
صار المدى الكحليَّ، والضوءَ المسافرَ غِبطةَ الميلادْ
وعلى امتدادِ الجمرِ من شَغف الفؤادِ إلى الفؤادِ
في الحرب أحملُ وجهكِ النبويَّ مِشكاةً وأمضي في البلادْ
وألمّ سمرته البهيّة من عَبيق القمحِ في فرح الحصادْ
أودعتُهُ قلبيْ لينهضَ في دمي ورداً كعَنقاءِ الرّمادْ
طوبى لوجهٍ صار أحجيةً وما زالتْ يداهُ على الزِّنادْ
يمضي كأنّ صَهيلهُ فَرَسٌ وألفُ يُنبوعٍ تفجّرَ في الوهادْ
فيَشيلُنا من قاع هذا المَهْل من عَفَن الرُّقادْ
نحو الربيع المُشتهى للمُنتهى
ومن البلادِ الضارعاتِ إلى البلادْ