الأحد ١٥ حزيران (يونيو) ٢٠٢٥
بقلم سمير بية

يا ليتنا كنّا ترابا

اجتاحتْ روحه لهفة الأمكنة واخترقتْ هشاشة الأزمنة، حلّقتْ سيرتها بعيدة عن منال النّسيان كحديقة خلود لا شيء يمنع شموخها وإن كان تطبيعا مع مصبّ فضلات، أو بوْل بعير برائحة البترول. أراد ثلجُ العالم غزوها، لكنّ حرارتها تأجّجتْ بعد أن قبّل رأس أمّه وودّع أخواته وغادر على أصوات الزّغاريد، منذ يوميْن استشهد أخوه وأبوه في يوم واحد، ليس من سبيل آخر أمامه فهذا واجبه، وهذا وطنه يناديه كما نادى أباه وأخاه وآلاف الشّهداء. اليوم ألبّي النّداء، اليوم يا فلسطين أزفّك عروسا في قلبي، اليوم تعود إليّ روحي وتعود إليْكِ، اليوم قدسكِ وأقصاكِ أراهما يشعّان في قلب الظّلمة وفي قلبي كسيرتهما الأولى. تقدّم نحو مجموعة من الخنازير مدجّجين بالأسلحة والخوف والمذلّة، رفع يده، لمع الحجر، ارتفع إيقاع النّبضات، ازداد تدفّق الدّم في الشّرايين، فتراجعوا إلى الوراء وخنفروا وتغوّطوا، فاحت رائحة نتنة ثمّ أطلقوا النّار.

اخترقت رصاصات العدوّ الغادرة صدورنا وقلوبنا وضمائرنا قبل أن تخترق صدره وقلبه، سقطنا ولم يسقط، جمعنا كلّ الحجارة لبناء منازل صالحة للتّكاثر. حَمَلَ هو حجره الأخير بيده اليمنى ليشقّ به دربا جديدا نحو المجد، ورفرف علم فلسطين في يده اليسرى بمساحة حلمه بحجم الوطن العربيّ، فأظلّنا بظلّه، وحلّق دمه من الخليج إلى المحيط، اخضرّ حجره، ارتجّ نجم ذو رؤوس ستّة، وسقط في حظيرة خنازير سمينة. ابتسم محمّد الدّرّة ومحمّد الزّواري وعزّ الدّين القسّام وصاحت دماؤنا صيحة واحدة:" يا ليتنا كنّا ترابا لندفّئ روحك قبل ولادتها حديقة نور من قلب الظّلمة"


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى