٣-إطلالات تربوية من شبابيك الوطن
الفَدوَيان والإبراهيمان (نصر الله وطوقان) ورُهاب الشِّعر والموت
وَعْدُ الأحرار دَيْن. في إطلالتنا الأولى وَعَدَنا الأطفال قباطنة طائرات مخيّم الوحدات للّاجئين الفلسطينيّين بنقلنا عائدين من إطلالتنا الثّانية على الأخوين فدوى وإبراهيم طوقان في بيروت ونابلس إلى المخيّم، وبالتّحديد إلى طفولة إبراهيم نصر الله خلال ستّينات القرن الماضي، وها هم يفون بالوعد مشكورات ومشكورين. في روايته "طفولتي حتّى الآن" يطلعنا إبراهيم نصر الله على "قصّة عجيبة غريبة" عانى منها في طفولته في موضوعات الشِّعر والحياة والموت، ودور فدوى طوقان وأخيها إبراهيم في سيرورة الشّفاء. كما أكّدنا في إطلالتنا الأولى فإنّ الطّفل إبراهيم نصر الله عَشِقَ الحياة وكان لديه ولعٌ بكتابة الشّعر، شأنه في ذلك شأن فدوى طوقان. لكنّ هذا الإبراهيم عانى من "رُهاب الشِّعر والموت"، فقد خاف "حدّ الموت" من الموت إنْ هو كتبَ الشّعر. لماذا؟ يذكر إبراهيم أنّه بعد أن كتب الشِّعر ذات يوم استيقظ صبيحة اليوم التالي مذعورًا، وأكّد "كنتُ على يقين من أنني مُتُّ؛ فكلُّ الشّعراء الذين قرأتُ قصائدهم في كتبي المدرسية كانوا أمواتًا؛ لم يسبق لي أن سمعتُ أن هناك شاعرًا على قيد الحياة [...]". ووصل الأمر أكثر من ذلك، فبعض هؤلاء الشّعراء الذين تعلّم عنهم قد "شَبع موتًا" أو "صارتْ عظامُه مكاحِل". ويذكر إبراهيم "حين وصلتُ إلى امرئ القيس، وعرفت أنه ولد عام 500 م، توقّف قلبي عن النبض، وأدركتُ أن كلَّ فرصي في أن أكون شاعرًا حيًّا تلاشتْ تمامًا". ويستنتج هذا الطّفل أنّ "أخطر شيء في العالم، أن تكون شاعرًا". خاف هذا الطّفل على نفسه وعلى أحبّائه الّذين كتبوا شعرًا، وعندما قال جدّه "عليّ" كلامًا يشبه الشّعر هلع إبراهيم وكان على يقين بأنّ جدّه سيموت لا محالة ما دام قال شعرًا. إذًا، ماذا يفعل وكيف يحلّ هذا الصّراع بين عشقه للحياة وشغفه بكتابة الشّعر، من جهة، وبين خوفه من الموت إنْ هو فعل ذلك، من جهة أخرى؟ من سيساعده في علاج هذا الرّهاب؟ من سيساعده في تحقيق حلمه في أن يصبح "شاعرًا حيًّا"؟ مواهبه الشّعريّة الفطريّة في الانتظار فأين المُعين؟ في الحقيقة، رغم خبث هذا النّوع من الرّهاب إلّا أنّه لم تكن ثمّة حاجة إلى جلسات علاجيّة مع اختصاصيّ نفسيّ، وهل كان هناك اختصاصيّ نفسيّ في المخيّم في ذلك الوقت أصلًا؟ بالكاد كانت فيه مدرسة! الحلّ هناك، في الضّفّة الأخرى لنهر الأردنّ، في نابلس – جبل النّار. الحلّ عند "بنت الحياة" فدوى طوقان وأخيها إبراهيم. وهل أفضل من الشّاعرة "بنت الحياة" المعطاءة في دبّ الأمل بالحياة في قلب ذلك الطّفل الشّاعر؟ إليكم أيّها الأعزّاء والعزيزات الخطّة العلاجيّة الّتي ابتكرها الطّفل إبراهيم: بدأت الخطوة الأولى في التّغلّب على "رُهاب الشِّعر والموت" مع الشّاعر إبراهيم طوقان، فيكتب إبراهيم نصر الله في ذلك: "أما مَن هوّن الأمر عليّ قليلًا، وبعث الأمل فيّ، فهو الشاعر إبراهيم طوقان، فعلى الرّغم من أنه كان ميِّتًا أيضًا، إلّا أنه لم يمُتْ منذ زمن طويل، بل عام 1941، كما أنني أحببتُ قصائده كثيرًا [...]". قبل صدور "طفولتي حتّى الآن" بنحو 18 سنة كتب إبراهيم في "القدس العربي" أنّه بعد عثوره على ديوان إبراهيم طوقان "رحتُ أقرأ ما استطعتُ من قصائده، يقظاً [...] كان لتذوّق شعره خارج دفتي الكتاب المدرسي معنى آخر، حيث اكتشف الفتى أن بإمكانه قراءة ما يريد بالحرية التي يريد وأن يختار تلك القصائد التي يبدو أن كتاب القراءة لم يكن قادرا على استيعاب أجنحة حريتها بين دفتيه"، ويضيف "كان إبراهيم طوقان أول ضيوفي الشخصيين، أول صديق أفخر بوجوده في بيتي". إذًا، فالانكشاف إلى الشّاعر إبراهيم طوقان وإلى شعره كان بمثابة الخطوة العلاجيّة الأولى لكنّها لم تكن كافية، فهذا النّوع من الرّهاب عنيف وعنيد ولا بدّ من خطواتٍ أخرى في الخطّة العلاجيّة. وصلَتْه البشرى من خاله محمود الّذي أحبَّه وقدّره، ففي إحدى الجلسات بينهما أكّد له خاله أنّ هناك شاعرات وشعراء على قيد الحياة وأحصى له أسماء عشرة منهم/نّ، وأضاف: "وإذا أردتَ أيضًا فهنالك شاعرة رائعة أخرى، اسمها فدوى طوقان". وبدأ الطّفل إبراهيم يوقن أنّ الأمل وارد في أن يكون الإنسان شاعرًا حيًّا، كما كانت فرحته عارمة عندما أكّد له خاله أنّ فدوى وإبراهيم طوقان أخوان. وكان لا بدّ للطّفل إبراهيم من التّأكّد من صحّة معلومات "الخال"، ووصل به الأمر أن توجّه إلى مكتبة أمانة العاصمة عَمّان ورأى كتاب "وحدي مع الأيام" "مُضاءً باسم فدوى طوقان". قرأ إبراهيم شعر فدوى طوقان ووجد أنّه "لم يكن شِعرًا كالذي نقرؤه في كتبنا المدرسيّة، ولكنه كان مؤثرًا، حزينًا، وكلماته غير صعبة". لكنّ الوسواس ما انفكّ دائرًا في ذِهن الطّفل حتّى تجرّأ وسأل أمين المكتبة "هل صحيح أن فدوى طوقان على قيد الحياة؟". فأجابه أمين المكتبة "اطمئن، حيّة". وبهذا أصبحت فدوى طوقان الشّاهدة الأولى من ناحية الطّفل إبراهيم على وجود شعراء على قيد الحياة، وأخذ "رُهاب الشِّعر والموت" في التّقهقر، لكنّ الطّفل إبراهيم لم يستطع دحضه كلّيًّا في هذه المرحلة. نعم، حقّق تقدّمًا ملحوظًا في الخطّة العلاجيّة لكن بقي الوسواس ينخر ذهن الطّفل إبراهيم، فمن ناحية بدأ يؤمن بإمكانيّة أن يكون شاعرًا حيًّا، لكن، من ناحية أخرى، كيف سيصبح شاعرًا، فإبراهيم طوقان أصبح شاعرًا لأنّ له أختًا اسمها فدوى. عجيبٌ غريبٌ أمر هذا الطّفل! إذًا، فالحلّ واضح وضوح الشّمس. خلُص الطّفل إبراهيم إلى قناعة مفادها أنّه "لكي أصبح شاعرًا يجب أن تكون لي أخت اسمها فدوى". وكيف يكون ذلك؟ الأمر سهلٌ، فلحسنِ حظّه كانت أمّه حاملًا في ذلك الوقت، فقال إبراهيم بكلّ بساطة "أعرف أنك ستنجبين بنتا ويكون اسمها فدوى، لأنني متأكّد الآن من أنني سأكون شاعرًا، ولي أخت اسمها فدوى، مثل الشاعرة فدوى طوقان أخت الشاعر إبراهيم طوقان". كَمْ كان ساذجًا هذا الطّفل "العربيّ" إذ كانت للسيّدة عائشة (عايشة)، والدة إبراهيم، خطّة معاكسة كونها كانت على يقين في أنّها ستلد ذكرًا، "[...] وإن أنجبت توأمَ ذكور، فهذا حلم أحلامها."
والأعوص من ذلك أنّ أمّه "عايشة" كانت قد اختارت اسمًا لمولودها القادم هو "نصر الله". وهذا الأمر أدخل إبراهيم ووالدته في مواجهة حادّة ومعارك كلاميّة طاحنة، فكان يؤكّد لها "ستنجبين بنتًا" وكانت تصرّ هي "بل ولدًا". في نهاية المطاف، ولسوء طالع السّتّ "عايشة" ولحسن حظّ الطّفل إبراهيم ولدت أمّه بنتًا. انتصر إبراهيم... انتصر توأمُ الشّعر والحياة بقدوم المولودة فدوى إلى الحياة. من هذه اللحظة تعامل الوالدان "بديمقراطيّة" مع ابنهما، فعندما سأل أبوه أمّه ماذا سنسمّيها؟ ردّت الأمّ: "هذه سنتركها لإبراهيم". وعلى سؤالهم الاستنكاريّ هذا أجاب إبراهيم: "فدوى". فقال الوالد "فدوى، فدوى [...] اسم جميل، أليس كذلك يا عايشة؟". وهكذا أصبح عندنا فَدوَيان وإبراهيمان. ويكتب إبراهيم عن أخته فدوى أنّه "منذ أن أطلتْ على هذه الدنيا أصبحتُ أحس بأنني أقوى". وبهذه الخطوة اقتلع الطّفل إبراهيم نصر الله "رُهاب الشِّعر والموت" من جذوره، وأصبح أخو فدوى نصرالله "شاعرًا حيًّا" وسار ابن الحياة إبراهيم كما كتب "باحثًا عن طريقي، طريقي الذي اخترتُه: طريق فدوى".
لكنّ طريق فدوى طوقان جبليٌّ شائكٌ وشائقٌ في آن واحد. من يسير على طريقها عليه أن يكون صاحب رؤيا ويتحلّى بوجهَي العملة الّتي تبنّتها فدوى: الإرادة والعمل. يكتب إبراهيم نصر الله في هذا السّياق "[...] لم أعد أؤمن بأن هناك أبوابًا مُغلقة، آمنتُ أن هناك دائمًا فتحة خفية، مهما كانت ضيقة، ستتّسع لمرورك إن كنت تملك هدفًا". وفدوى كانت "إنسانة" ومسامحة كريمة. أتذكرون قصيدتها بعنوان "أبي" الّتي ذكرناها في إطلالتنا السّابقة. فرغم ظُلمِ أبيها لها إلّا أنّها كتبت له تلك الرّائعة بعد اعتقاله من قِبَل الإنجليز خلال الثّورة في سجن عكّا. إنّ أحدًا لم يعرف الطّفل إبراهيم نصرالله "الإنسان" مثل نور التي صارحتْه بقولها: "دائمًا أردتَ أن تعرفَ مَن أنتَ بالنسبة إليّ، والآن، أستطيع أن أقول لكَ بسلام عميق: أنتَ إنساني". وإنسانيّته جعلته يحذو حذو فدوى تجاه أستاذه ربيع. ذَكَرْنا في إطلالتنا الأولى أنّ الأستاذ ربيع تفنّن في تعنيف طالبه إبراهيم ولم يصدّق أنّ إبراهيم قد كتب تلك القصيدة الرّائعة ونعته بالكذّاب ومنحه العلامة صِفْر. بعد فعلة الأستاذ هذه هجاه إبراهيم بقصيدة. لاحقًا، استشهد الأستاذ ربيع في المواجهات بين الفدائيّين الفلسطينيّين وقوّات الجيش الأردنيّ (أيلول الأسود)، فشعر إبراهيم بضائقة، وخجلَ من نفسه لأنّه هجا معلّمه الشّهيد. انتابه هذا الشّعور رغم أنّ أستاذه لم يرَ تلك القصيدة. لكنّ تأنيب الضّمير والشعور بالخجل لم يكونا كافيَين بالنسبة إلى إبراهيم، وشعر بأنّ عليه أن يعملَ شيئًا فعليًّا آخر. وبالفعل، فتح عينيه ذات ليلة وأسند ظهره إلى "جدار العتمة"، وفعل ما فعلته فدوى طوقان تجاه والدها. كتب إبراهيم قصيدة أطلقتْ كلّ ما فيه من حزن على أستاذه، مطلعها:
سلام إلى روح كلّ شهيدْ
إلى شعلة النّور في كلّ عيد
"ربيع" وفيك الربيع تجلى
ووسّعتَ بالشمسِ حلْم القصيدْ
عاشت فدوى طوقان في فلسطين وعاشت فلسطين في إبراهيم نصر الله ولا تزال. تسلّقت فدوى الجبال في رحلتها الصّعبة وكتبت عن أطفال فلسطين وشبابها وشعبها عمومًا، وكذلك فعل إبراهيم ولا يزال. كَبرَ إبراهيم شاعرًا وروائيًّا غزير الإنتاج الإبداعيّ وأصبح رائد الملهاة الفلسطينيّة. قطع بشِعْرِه وبرواياته جبال وسهول وبراري وصحاري الوطن العربيّ الرّحبة ممتطيًا الخيول البيضاء، تحتَ أشعّة الشّمس نهارًا وعلى ضوء القناديل ليلًا، وحلّق فوق أقطاره وبلغ العالميّة على جناحي طائرته المُخيَّميَّة الصّنع وعلى "أجنحة قصائده"، مُحقِّقًا أحلامًا تفوق كثيرًا "تلك الأحلام الصغيرة التي داعبتنا ذات يوم بالوصول إلى أي مكان، أي مدينة، خارج حدود ذلك المخيم المزنّر ببحيرات الطين الأحمر الثقيل". إلى جانب هذا وذاك تسلّق جبل كليمنجارو مع أطفال فلسطين الّذين شوَّهت أجسادهم آلة الحرب الإسرائيليّة، لكنّ أرواحهم كانت كروح ذلك الجبل الشّامخ الارتفاع "الذي أَلْهَمَ القارة الإفريقية، في رحلتها إلى الحرية، حيث كانت تنزانيا التي يقع فيها كليمنجارو أول بلد إفريقي يتحرّر من الاستعمار وينال استقلاله". حظي إبراهيم وسائر المتطوّعين والمتطوّعات من العرب ومن غير العرب في تلك الرّحلة الجبليّة الأصعب بِشرفِ مرافقة يوسف من غزّة، ذلك "الولد الذي يتقافز على رِجلٍ واحدة" بعد أن بُترت ساقه وهو لم يتجاوز التّاسعة من عمره. وغسّان من الخليل الّذي انفجرت عينه اليمنى بسبب الزّجاجة الحارقة الّتي ألقتْها إحدى المستوطِنات عبر نافذة غرفته. هذا الغسّان "وتصميمه الغريب على أن يشفى مهما تحمّل من ألم". غسّان الّذي صمّم أن يذهب للعلاجات مرتديًا بدلته السّوداء "كشيخ الشّباب"، كما نقول. ونورة من نابلس (جبل النّار) الّتي فقدت رجلها وذُعِرت والدتها عندما علمت بأنّها مصمّمة على المشاركة في رحلة "كليمنجارو"، فتساءلت: "في إفريقيا، كيف يمكن لأحد أن يذهب برجليْه إلى الأُسود خاصّة لتأكله؟"، فأجابتها نور: "لا تخافي عليّ، فأنا ذاهبة برِجْل واحدة!". ما أجمل أرواح أطفال فلسطين، أرواح بنات وأبناء الحياة. خلال رحلتهم الجبليّة الأصعب نحو قمّة جبل "كليمنجارو" أحسّ إبراهيم نصر الله "[...] أن كل خطوة سيخطوها هؤلاء الفتية نحو القمة سيخطوها أطفال فلسطين نحو حرّيتهم، خارجين من واقع اليأس إلى شمس الحرية والأمل". على قمّة جبل "كليمنجارو" كان هؤلاء الفتية ومرافقوهم الأقرب إلى الشّمس، ويخالُ لي أنّهم كتبوا أسماء فلسطين وبلاد العُربِ والشّعوب المناصرة على شمس الحرّيّة والأمل تلك. في رحلتهم هذه كبرَ هؤلاء الفتية بكلّ ما للكلمة من معانٍ. كبروا أوّلًا في عيونهم هم أنفسهم، وكبروا في عيون العالم. أخالهم هم ومرافقيهم في طريق انحدارهم من قمّة الجبل، قبل وصولهم إلى السّفح، كانوا يلتثمون بالكوفيّة الرّمز، وهناك، بين أقراص عبّاد الشّمس الّتي تملأ سفح جبل "كليمنجارو"، كانت تجلس في انتظارهم/نّ شاعرة فلسطين فدوى طوقان الّتي هبّت حال وصولهم/نّ إليها، واقفة وقفة إجلال لهؤلاء الأبطال من أبناء وبنات الحياة ومرحّبةً بهم/نّ بحفاوة بأبياتٍ من أنشودة الصّيرورة، وبصوتها المُجلجل اهتزّ جبل "كليمنجارو" هو الآخر إجلالًا:
كبروا أكثر من سنوات العمر
كبروا التحموا في كلمة حب سرية
حملوا أحرفها إنجيلا، قرآنا يُتلى بالهمس!
كبروا مع شجر الحناء وحين التثموا بالكوفية
صاروا زهرة عباد الشمس
أخال شاعرة فلسطين في تلك اللحظات تُربّتُ على كَتِفَي الأديب إبراهيم نصر الله وتشكره، بتواضعها المعهود، لاختياره طريقها وطريق أخيها الشّاعر إبراهيم طوقان في بداية مشواره. وأخالها تضيف بأنّها تشعرُ بغبطة عارمة لأنّه شقّ طريقًا إبداعيّة خاصّة به.
رغم جمال ترحال إبراهيم نصر الله مع أشعاره ورواياته في بقاع مختلفة من العالم، إلّا أنّه تبقى لإطلالاته على الوطن الأمّ فلسطين نكهتها الخاصّة. أطلّ قبل شهور على رام الله وجنين وحطّ في مخيّم الصّمود هناك حيثُ التقى بالأهل الّذين وصلوا من كلّ حدبٍ وصوبٍ وانتظروه على أحرّ من الجمر. في لقائه مع الأهل كتب في صفحته على فيسبوك "أن أكون هنا في فلسـطين، يعني أنني موجود" و"معنى آخر للحياة أن تكون في جنين".
كَبرَ ونضج إبراهيم نصرالله وبقي أمينًا لطفولته، وهو يقول عن ذلك على لسان صديقته الوفيّة نور "أجل، قمّة النّضج أن نظلّ أطفالًا، لأن الطفولة قمة الحياة... ذروتها، لا بداياتها الأولى وحسب، وغير ذلك، بغيرها، لا شيء إلّا الصدأ". كَبرَ ونضج الأستاذ الشّاعر الرّوائيّ إبراهيم نصر الله وطفولته ما زالت تسكنه وهو ما زال يسكنها... حتّى الآن... وقد يكون هذا أحد أسرار روعة كِتابات هذا الإبراهيم.
للقدس سلامٌ،
للقدس سلامٌ... آتٍ... بصوت فيروز الفيروزيّ... من كلّ شبابيك الوطن، مرورًا بجنين ومخيّمها. في إطلالتنا القادمة سنحطّ الرّحال في القدس لنطمئنّ على الأستاذ المربّي خليل السّكاكيني، مدير كلّيّة النّهضة الّتي أسّسها هو ورفاقه سنة 1938، وعلى طالبيه ياسر عمرو من الخليل وعبد اللطيف العلمي من غزّة اللذين اعتقلتهما الشّرطة في إحدى ليالي سنة 1941 متّهمة إيّاهما بالسّرقة. الطّالبان في ورطة كبيرة قد تهدّد مستقبلهما، والأستاذ خليل في طريقه إلى مركز البوليس. لن نُثْقِل على أطفال مخيّم الوحدات هذه المرّة لكي ينقلونا بطائراتهم، فالمسافة قصيرة، "ضَرْبة عصا" بين جنين والقدس. سوف نسافر برًّا بالباصات والسّيّارات والخيول بشتّى ألوانها. نتجمّع في جنين تحت وحوالَي "شجرة شيرين" – شجرة الخرّوب الّتي ارتوت بدم الشّهيدة شيرين أبو عاقلة يوم اغتالها جندُ الاحتلال. للأهل القادمين من خارج فلسطين من المغرب العربيّ ومن مشرقه ومن بلاد الاغتراب اطمئنّوا، فلا حواجز لجند الاحتلال في إطلالاتنا، وسوف تجدون "شجرة شيرين" بسهولة، لأنّها أصبحت مَعْلَمًا ورمزًا والكلّ هنا يعرف الموقع، الصّغير قبل الكبير. سَيُشرّفهم استقبالكم وتقديم المساعدة، وسيرافقنا كثيرون منهم في إطلالتنا المقدسيّة. سينطلق موكبنا من هناك سالكًا الطّريق الّذي سلكه موكب الشّهيدة شيرين نحو القدس إلى مثواها الأخير. سنمرّ بالقرى والمدن والمخيّمات في طريقنا لنطمئنّ على الأهل، وسيعرّجُ وفدٌ منّا على غزّة للاطمئنان على عائلة الطّالب عبد اللطيف وعلى يوسف وعلى أهلنا في القطاع، وسوف يرافقنا إلى القدس وفدٌ من هناك.
ألقاكم/نّ بخير.