الأحد ٣ شباط (فبراير) ٢٠٠٨
بقلم حسن أحمد عمر

التعليق من حق القارىء

هذه السلسلة التى أكتبها عن الكتاب وأقلامهم وأنواع الكتاب وأنواع القراء لا اقصد بها كاتبا أو قارئا معينين وإنما كتاباتى عامة أرجو منها النفع لى وللجميع فى إلقاء بعض الشعاع الضوئى على هذا الموضوع العسير وارجو ان يؤتى ثماره وأن ينبه كل كاتب ويعلم أن كتابته إجتهاد بشرى ورأى إنسانى ، ومن حق الآخرين رفضه أو قبوله حسب ثقافة كل منهم وليس من حق أى كاتب أن يظن نفسه فوق النقد ولكن المؤكد أن التجريح والإهانة والتعرض لشخص الكاتب وخصوصياته من أقبح الأمور التى قد يقع فيها معلق متهور أو حتى كاتب آخر يعلق على نفس المقال بتعليق أو بمقال .

أيها الكاتب الهمام المتعدد المقالات والكتب والكلام ، يا من تكتب فى كل مكان وتريد أن تسيطر على العقول وتأسر الافهام ، وتحب أن تطوى القلوب وتستميل الأقلام ، أو لست بشرأ يشرب الماء ويأكل الطعام ويستيقظ وينام ويعمل جاهدأ لكى يشتهر بين الأنام ؟؟ أم أنك من شىء آخر غير الطين الصلصال والماء الزلال ؟ هل ظننت نفسك نبياً يأتيه وحى السماء ؟ ام أنك متأله على الناس تتعالى فى سماء أحلامك وخرائب أوهامك ؟.

قلنا وسنكرر أن كلامك كلام بشر يمكن لكل إنسان أن يرفضه بأدب فإذا صممت على فرض وجهة نظرك بالقوة فمن حق الآخر أن يتركك ويتركها فأى مخلوق أنت ؟ وكيف تعتقد أن وجهة نظرك قد وصلت لدرجة الوحى الإلهى وغير قابلة للمناقشة والرفض والدحض والإلقاء أحيانأ فى سلة المهملات ، نعم يا هذا ، يا كل من يكتب ويظن نفسه نبيأ أو رسولأ يأتيه خبر السماء ، يا من تؤله نفسك دون أن تدرى ، لا تتحمس بكل هذه القوة لما كتبت ولا تدافع باستماتة عن ما سطرت بل عد بهدوء إلى نفسك وقلمك واقرأ تعليقات الذين فندوا رأيك وأبطلوا زعمك ، راجعها بحب وسمو وكرامة لو كنت تؤمن بأنك تسعى لخير الإنسان فى كل مكان ، لا لأنانياتك الخاصة وطموحاتك فى شهرة مريضة تفرضها على الناس فرضاً ، والناس بصراحة ملُت من كل شىء فإذا كتبت وأحب الناس كتاباتك فحبأ وكرامة وإذا إكتشفت شذوذ فكرك وانحراف رأيك ورأيت قلمك مرفوضأ فما المانع من الإنسحاب بشرف ؟ ، لأن القائد الذكى هو الذى يستشعر قرب الهزيمة فينجو بجلده من المعركة وينجى معه مئات الألوف من جنوده المغلوبين على أمرهم ، فما المانع أن ينسحب الكاتب لو شعر بهزيمة رأيه ودحض فكره ، وفرغ جرابه من أى سلاح حقيقى يدافع به عن رأيه ، فلا يلجأ للقمع والقهر والتهديد بالويل والثبور وعظائم الأمور ، إذ من هو حتى يفعل ذلك وماذا يمتلك حتى يصل لهذا المأرب البعيد المنال؟.

مصيبتنا الكبرى فى عالمنا العربى أن كلاً منا متفوق فى شحذ لسانه فإذا قال رأياً لم يعجب الآخر ولاحظ رفضاً أو امتعاضاً من رأيه سلق الآخر بلسان حاد كحد السيف أو أمضى ، وإذا وافقه الرأى عانقه وتفاخر به وصعد به إلى السماء فإذا خالفه ذلك المرضى عنه فى رأى جديد حقره ونهره وهبط به من أعلى سماء إلى أسفل أرض ، فأى عقول هذه ؟ وهل تمت للعلم والثقافة والأدب والتسامح بصلة ؟ وأى تحجر ذلك الذى يعشش فى تلك العقول المريضة ؟

منذ متى ورأينا قاطع لا يرد ؟ ومن أعطانا حق الكلام الذى لا يراجع ولا يستثنى ولا يرفض ولا يلغى ؟ قل ما شئت وتكلم وابحث واجتهد واعرض رأيك على الناس فإن وافقوك فمرحباً وإن خالفوك فراجع نفسك فقد تكون متسرعاً أو معتمداً على مصادر غير صادقة أو نظريات ليست علمية ، راجع رأيك واجتهد من جديد فلن تخسر شيئأ بل ستكسب كل شىء وأولها نفسك التى بين جنبيك لأنك لو تركت نفسك للغرور والكبر والتعالى والإيحاء الشيطانى بأنك لا يدانيك أحد فى فكرك ولا يجاريك مخلوق فى وجهة نظرك فقد ضعت ضياعأ أبدياً وسقطت سقوطاً سرمدياً .

من عادة البشر أن يتفكروا فيما يقال لهم ويبحثوه ويتدبروه ويزنوه ويثمنوه ويقدروه فلا يقع القول على آذانهم بلا اثر فإذا فقهوه وعلموا أنه حق ولا غبار عليه قبلوه وإلا رفضوه وذلك حقهم ، حتى لو رفضوا الإيمان وصمموا على الكفر أو رفضوا الكفر وصمموا على الإيمان فلكل عقله ولكل فكره ولكل رأيه ومن منا لم يدرك حقيقته وكنهه ؟ ومن منا لم ير طفلأ يولد او إنسانأ يموت ؟ ومن منا لم ير آيات الكون العظيمة فى الأرض والسماء ، والماء والهواء ، والجبال والصحراء ، فمن كفر بعد ذلك فعليه كفره ومن آمن برب الكون فله إيمانه ولا تزر وازرة وزر اخرى ، وليس من حق مخلوق فرض رأيه على الآخرين حتى لو كان نبيأ مرسلأ فقد منح الله الحرية لعباده فى رفض كل شىء أو التصديق بأى شىء ومقابل ما حصل عليه الإنسان من حرية وعقل فإنه يدان أمام الواحد الأحد الديان فى يوم لا يهرب منه إنس ولا جان فالكل محاسب وكل إنسان سيلقى جزاء ما قدمت يداه فى دنيا النزاع واللعب واللهو الجدال.

أيها الكاتب المغتر بكتاباته ، من حقك أن يكون لك رأى طبعأ وأن تكتب عنه وتدعو له بأدب وسمو وتسامح وتواضع لكن الذى ليس من حقك هو أن تفرضه فرضأ او توحى للقارىء أنك لا تنطق عن الهوى وأن ما تكتبه هو وحى يوحى فحاشا لله تعالى فقد ختم بالقرآن كتبه السماوية وبمحمد عليه السلام أنبياءه ، إذاً انت مثلى ومثله ومثلهم جميعأ ، كلنا يفكر ويتدبر سواءً فى أمر دينى أو دنيوى ، خلقى أو خلقى ( بضم وكسر الخاء) ، صناعى أو زراعى ، فلسفى أو واقعى ، جهرى أو سرى ، صعب أو يسير ، جديد أو قديم ، مكرر أومبتكر ، كلنا له حق التفكر والكلام والكتابة والتأليف طالما لديه المعطيات والمقومات التى تؤهله لذلك ، وكلنا له حق القبول والإقتناع أو الرفض الجزئى أو الرفض التام لما يقال أمامه أو لما يقرؤه فى كتاب أو مقال أو قصة أو قصيدة .

جميل جداً أن نفكر فبغير التفكير لا كرامة لنا ولا كينونة ، لكن الأجمل أن نعرض فكرنا عرض التلميذ على الأستاذ وليس عرض الأستاذ على التلميذ لأن المؤلف أو الكاتب الذى يجعل من نفسه أستاذاً للناس هو كاتب فاشل فاشل فاشل اكررها ثلاثا لأنه لن ينصلح له حال ولن يتقدم نحو الأمام ونهايته هو وكتاباته صناديق المهملات طبعا ، أما الكاتب الذى يعرض رأيه وكتابته كأنه تلميذ وعموم العقول أستاذ له فهو فى طريق التقدم والرقى والعلو لا محالة ، فسوف يستفيد من كل رأى ويستثمر كل فكر ، ويدخر آراء الذين نقدوه كأنها ذهب خالص فعن طريقها سيعرف رأسه من قدميه ويصلح من نفسه ويهذب وجهة نظره ، وبالطبع لن يكون الكاتب منافقا مرائياً يكتب ما يرضى الناس حتى يكسب تصفيقهم ولكنه سيكتب ما يقتنع به ويستفيد من خبرات القراء والكتاب الآخرين فى الترقى بكلماته والإرتفاع بكتاباته إلى أعلى عليين.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى