الجمعة ١١ آب (أغسطس) ٢٠٠٦
بقلم صبري هاشم

ثلاث قصائد شامية

1 ـ حكاية من أرضِ الشآم

مررنا مصادفةً بعرسِ حمام ، كنّا على مسافةِ بَحْرَين من أرضِ الشام .
خُذي نَفَساً آخرَ من تبغِ الليلِ
فأرض السوادِ مخيفة و واسط منذ ليال تركناها
فوجدنا، على سريرٍ غامضٍ، هديلاً يتنفس وقتاً مرّاً
وورقةَ توتٍ سوداء يُحرّكها الهواءُ
خُذي جرعةً أخرى من خمورِ الشام
حينما مررنا مصادفةً بعرسِ حمام ووجدنا، في الغرفِ الفارغة
إلاّ من أسرّة مهجورةٍ وستائر ملونة ، طيفَ رئات
ولم نرَ جالساً يُحاكي الليلَ وينشد طلعةَ الفجرِ
أكْرَمَنا الحفلُ
وزقّنا من خموره زقاً
خذي معنا جرعتين
واقنعي القمرَ
أن يقصّ علينا زمانَه في ليلةِ صيف
سكرْنا وبنا على الأسرّة التي لم نشمّ منها رائحةَ العرسِ طاف الحمامُ
خذي نشقةً من عنق حبيب
وبادليه الحريق
فنحن ما زلنا ضمن جيش عبدالملك بن مروان
ما بين الشآم و واسط
يطوف بنا الحمامُ
وبالطريق نمرّ مصادفةً
 
2 ـ قيثارة صيدا
 
مرّةً وأنا أبحثُ عن شمائلِ السوسن
رأيتُ في أُفقِنا ناراً
تُطلقُ الأسماءَ الحسنى
وبعضاً من رؤىً
تلامسُ وجدَ
قيثارةٍ صغيرةٍ سوداء ، صُنِعت
من بهجةِ الصندل
أو من جَفْلةِ الأبْنوس
وشئٍ من لوعةِ وطنٍ مأسور
كلما انعتقَ في محاجرِنا
استعبدته دمعةُ امرأةٍ
هي قيثارة صغيرةٌ .. صغيرة
تُحفةٌ أثريةٌ
انسلت من سفينةٍ غارقةٍ في مياهِ نهرٍ
كأنه السراب
ودخلت ليلاً بحريّاً مدهشاً أزرق
لا ندري
لأيٍّ منهما تنتمي الزرقةُ
صنعها جارُنا أثناءَ استراحةِ المحاربين
على مشارفِ صيدا
في حربِ الأُرزِ
أو على أبوابِ تبريز
في حربِ الأهواء
قيثارة تُدندنُ مرّةً وتصمتُ مرّاتٍ
لكنها وبكلِّ أناقتِها صُممت للصخبِ .. للصمتِ .. وللصدمةِ
تئنُّ .. جعلها الصانعُ .. تئنُّ
وفي غيابِنا مرّاتٍ تئنُّ
هكذا أخبرتنا البابلية القاطنة طبقاتِ الشوقِ
من مسرحِ أوهامِنا السامقِ
قالت : تسترقُ السمعَ لهمسِ الصلاةِ ،
ثم في وحدتِها تُردد ، على أُذنِ الخميلةِ ، الهمسَ
قيثارة تَنسجُ ، في دفءِ الحانةِ ، أنفاسَنا
وتنزفُ
في كأسِ النهايةِ
وهمَنا الجميل
 
3 ـ هي الشام
 
تأرجحت على جسد الفرات فاتنةٌ
وفتك بلوعةِ النهدِ ماءُ
فانحنِ دهشةً يا بجعَ الرخامِ
وتمايل عزّةً يا نخل الجزيرة
فنحن بالنسيمِ ابتهجنا وصرنا على أبوابِ شام
ولمّا كنّا بالبيارق نلهجُ وبالسيوفِ كلما زأرت في التخومِ
عاصفةٌ نُلوِّح ، بعثنا مِنِ السراة من يجتلي أمرَ وهج ، توّسط الباديةَ وحيرنا.
نحن أبناء الفراتِ
وهمس الصلاة
نحن القادمين مِن ديارِ سادةٍ لا دار ندخل غابَ كبيرُها
وبها لن نختلي حين تخلو
هي الشام جوهرة المسافر
هي الشام حانة للعابر
هي الشام سكرة العاشق ولذّة المغامر
تُخَضِّب وجدَ المُيَمَّمِ بهمس ندائها وتطوف برأس الدليل إنْ أغفى على شام
هي الشام
يعابثنا سجعُ اليمام إنْ طوينا لها الخلاء
وإنْ هجست بنا شام
لم يعد سراةٌ منا غادروا
إنما بالوهج أعلمنا سار
هي الشام

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى