السبت ١٣ أيار (مايو) ٢٠٢٣
بقلم محمد الحوراني

تونسُ الوفاءُ تستضيفُ ثقافةَ الإباء السُّوريّ

على الرغم من طول المسافة، وعناء السفر، والتنقّل بين الحدود والمطارات، لكنَّ الرحلةَ من دمشق إلى بيروت، ومن بيروت إلى اسطنبول، تمهيداً للإقلاع إلى تونس، لم تكن مرهِقةً على الإطلاق، بل كانت ممتعةً حدَّ الشغف؛ ذلك أن الشوقَ والحنين إلى تونس الحضارة والعطاء والتاريخ والإبداع، يمنعانكَ من التفكير إلا في أصالة هذا الشعب وعروبته وانحيازه إلى القضايا المصيرية لأمته. ولا غرابةَ في ذلك، وهو ابنُ الحضارة الفينيقية العريقة وحفيدُ الملكة عليسة التي كان لها الدور الأبهى في تاريخ تونس، وقد أثبتت جدارةَ المرأة بالقيادة وإعمار البلدان وتكريس مبدأ الدولة المدنية العميقة، وهي صفاتٌ تتقاطعُ مع صفات الملكة زنوبيا؛ التي رسّخت قواعدَ الحكم الوطنيّ، وتصدّت للأعداء، وقاتلتهم قتالَ الرجال الأشدّاء، حتى أفشلت مخططاتهم، وحافظت على مملكتها. نعم، إنها مشتركاتُ التاريخ التي لا يزالُ أبناءُ تونس يحافظون عليها، ويستمسكونَ بها، وهم أهلُ الوفاء والقيم والأصالة والوطنية الباذخة، وهو ما كان جليّاً في أثناء اللقاء الذي أُقيمَ للكُتّاب السوريين في السادس من أيار ٢٠٢٣ في معرض الكتاب الدوليّ في تونس، حيث خُصِّصَ يومٌ للثقافة السورية في المعرض، للحديث عن انعكاسات الحرب على الرواية والأدب السوريّين، وعن المشاريع الغربية الإرهابية الهادفة إلى إسقاط الدولة السورية في أثناء الحرب الإرهابية؛ التي استمرّت أكثرَ من اثني عشر عاماً. وإذا كانت القاعةُ قد غصّت بالحضور وقوفاً وجلوساً، فإنها شهدت ما هو أهمُّ من ذلك بكثير، وما يجبُ أن نلتفتَ إليه، وندرُسَهُ جيّداً، وهو أنّ عدداً من الحضور اعتذر إلى الوفد السوريّ عمّا فعله بعضُ التونسيين الذين غُرِّرَ بهم، وجُلِبُوا إلى سورية، لا، بل إنّ بعضَ الحضور استذكرَ كثيراً من المواقف النبيلة لأبناء الشعب السوري في أثناء دراستهم في سورية، ولعلّ أكثرَ ما أثار حفيظةَ الحضور، واستفزّ مشاعره، كلام سيّدة من الحضور لا تزالُ مخدوعةً بمقولة (الربيع العربي)، إذ سُرعانَ ما تصدّى لها الحضور، وتكلموا بما يليقُ بسورية وثباتها وتضحياتها، بل إنّ مديرةَ معرض تونس الدولي للكتاب الباحثة الأكاديمية والمترجمة الرصينة الدكتورة زهية جويرو ردّت عليها بحكمة وعقلانية ومنطق، فجعلتها تغادرُ الجلسة بخنوع وذُلّ، بعد أن أتت مُختالةً راغبةً في إفساد اليوم الثقافي السوري في تونس وتشويه صورة أبناء هذا البلد العروبيّ الأصيل.

لقد كانت رحلةً حافلةً بالتعرّف إلى أصالةِ أبناء الشعب التونسيّ عن قُرب، وعشقهم لسورية ووقوفهم إلى جانب جيشها وشعبها ودولتها الوطنية التي ترتبطُ تاريخياً ارتباطاً وثيقاً بالثقافة والحضارة والاقتصاد، عبرَ الحضارة الفينيقية التي أسّسَ أبناؤها مدينةَ قرطاج في تونس، ومن المعروف أن الحضارةَ الفينيقية انطلقت من السواحل اللبنانية وساحل شمال سورية مهد الحضارة الفينيقية؛ التي أعطت العالمَ الأبجديةَ والعلمَ والصناعة والتجارة عبرَ ما أُنجِزَ في صور وصيدا وجبيل في لبنان، وأوغاريت ورأس شمرا وغيرهما في سورية، ولهذا لا بد من توجيه الشكر الكبير إلى صديقي وأخي الباحث الأصيل والناقد الحصيف الدكتور العادل خضر رئيس اتحاد الكُتّاب التونسيين لدوره الكبير في إقامة اليوم الثقافيّ السوريّ في معرض الكتاب الدوليّ في تونس، الذي كان فرصةً للقاءِ إخوةٍ وأصدقاء من الكُتّاب والمبدعين من تونس وموريتانيا والسنغال والإمارات والعراق وفلسطين وليبيا وسلطنة عُمان ولبنان وغيرها من الدول العربية وغير العربية، وهو ما من شأنه أن يُعزّزَ العملَ الثقافي، ويزيدَ من حضوره وتأثيره وفاعليته على المستويات كافة، والشكر موصول للزملاء أعضاء الوفد: الروائية الأديبة أنيسة عبود، والناقد الدكتور أحمد علي محمد، والروائي الدكتور حسن حميد، والفنانة المبدعة لجينة الأصيل، الذين كان لهم الدور الأبهى في نجاح اليوم الثقافي السوري وغيره من الفعاليات التي شاركوا فيها خلال أيام المعرض. شكرا لتونس قيادةً وشعباً، وهي تُطرّزُ بخيوط الحكمة ومواقف العزة والإباء والحنكة ثوبَ الكبرياء والانتماء والأصالة، وهو الثوبُ القادر على احتضان الخُلَّص من أبناء الأمة وتوحيد كلمتهم.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى