الكلمة في مواجهة آلة البطش الصهيونية
لم يعرفِ الأدبُ العربيُّ والعالميُّ قضيةً شغلت اهتمام الأدباء والمثقفين والمبدعين، كما هو حال القضية الفلسطينية، ذلك أنها نجحت في الاستحواذ على عقولهم وقلوبهم، حتى غدت بطولات الشعب الفلسطيني مسيطرة على مداد أقلامهم ونزيف قلوبهم، وهذا إن دلَّ على شيء فإنما يدل على المظلومية الكبيرة التي يواجهها هذا الشعب المقاوم؛ منذ ما يقرب من مئة عام، لا بل إن معظم الكتابات والإبداعات العربية تكاد لا تخلو من التطيب بعطر هذه القضية، وبطولات أهلها من الأطفال والنساء والشباب والشيوخ، بل إن أسرى الحرية في سجون القمع والاضطهاد الصهيونية غدوا أبطالاً؛ يستلهم المبدعون رواياتِهم ونصوصَهم من صبرهم وثباتهم على الموقف، وتمسّكهم بالدفاع عن عدالة القضية الفلسطينية في أحلك الظروف، وتحت كل أشكال الضغط والتعذيب الصهيوني الممارس بحقهم، ولأن المقاوم الفلسطيني هو الأقدر على الإبداع وابتكار كل ما هو جديد في سبيل بناء الفكر المقاوم وتحصينه، فقد غدت سجون المحتل مدرسةً لتخريج المبدعين والمناضلين الفلسطينيين، كما غدت زنزاناتُ العدوِّ بكل ما فيها من ظلم وبطش، مشغلاً للثقافة والوعي، وتعزيز الهوية الوطنية الفلسطينية، التي أراد المحتلُّ الصهيونيُّ تدميرَها وتشويهَها من خلال اشتغاله على تزييف الوعي وتزوير الحقائق، إلا إِنَّ الأبطال الكماة من أبناء الشعب الفلسطيني، كانوا أكثرَ إصراراً على التصدي للمحتل ومحاولاته في تثبيت السردية الصهيونية الزائفة.
وإيماناً من الخُلَّص من أبناء الأمة والعالم بعدالة القضية الفلسطينية ومظلومية شعبها، فقد تضافرت جهود الأدباء والمبدعين والباحثين لصون بطولات الشعب الفلسطيني، والتأريخ لها ثقافياً وأدبياً وتاريخياً وحضارياً وتراثياً، إيماناً من الجميع بأن هذا التوثيق جزء أساسي، وواجب إنساني يهدف إلى الدفاع عن الهوية الوطنية الفلسطينية، ويحميها من المحاولات الصهيونية للقضاء عليها، وإحلال ثقافة قائمة على القتل والتدمير والتشريد مكان ثقافة المحبة والتسامح التي نشأ عليها أهلنا في فلسطين المحتلة.
وأمامَ مجازر العدو الصهيونيّ تحوَّل الأديبُ من مبدعٍ ينشرُ الحبَّ إلى مقاوم يتسلَّح بقلمه مدافعاً عن قضيته وقضية شعبه تماماً كمقاتل في ميدان المعركة، لا بل إن الأديبَ والمبدعَ الفلسطينيَّ والعربيَّ المقاومَ، غدا مطارداً ومطلوباً لقوات الاحتلال؛ التي اغتالت عدداً منهم، لعلمها بخطورة هذه القامات على مشروعها الاستيطاني، ولما يحمله هذا النوع من الأدب الملتزم من رسالة قادرة على الوقوف في وجه المخطَّطات الصهيونية وإفشالها.
لقد أعاد العدوان الصهيوني من حيث لا يدري إلى الفلسطيني في غزة خصوصاً وفلسطين عموماً، حضورَ قضيَّتهم وبهاءَها إلى الحقول الأدبية والإبداعية كافة، وما الحرب التي يشنها المحتل على الكتاب والمثقفين والإعلاميين الفلسطينيين والمتضامنين معهم، إلا تأكيدٌ على حضور الكلمة وقوتها في مواجهة آلة البطش والموت الصهيونية التي أثبتت فشلها في مواجهة أصحاب الحق، كما أن وحدة الساحات العسكرية والإبداعية المقاومة دليل ساطع على أن فوهة البندقية والقلم واحدة في معركة وحدة الانتماء والإخلاص للقضية الفلسطينية، وسنبقى صفاً واحداً خلف أحرار فلسطين، نردد ما قاله شاعرنا المقاوم نزار قباني:
حيث كنتم أيها الأحرار..
تقدّموا..
تقدّموا..
فقصَّةُ السَّلامِ مسرحيَّهْ..
والعدلُ مسرحيَّهْ..
إلى فلسطين طريقٌ واحدٌ
يمرُّ من فوَّهةِ بندقيَّهْ..
وإذا كان التاريخ يشهد على أن أوّلَ سيدةٍ تخرَّجت في كلية الحقوق في جامعة دمشق عام ١٩٢٩ هي الفلسطينية فاطمة مراد، بنت نائب غزة في المؤتمر السوري سعيد مراد، فإن التاريخ سيشهد أيضاً أن الكاتبَ والمبدعَ السُّوريَّ كان الأكثرَ انحيازاً للقضية الفلسطينية، وسوريَّة كانت الأكثرَ تماهياً مع عدالة القضية الفلسطينية، والأشدَّ دفاعاً عنها، حتى في أحلك الظروف وأصعب الأحداث التي مرت بها عبر تاريخها الزاخرِ بالتضحية والفداء.