الخميس ١ كانون الثاني (يناير) ٢٠٠٤
كتاب أساسي في الحضارة الأندلسية

اكتشفته السياسة.. أم النساء؟!

في تاريخ إسبانيا الإسلامية

 المؤلف: مونتغمري وات
 ترجمة: د. محمد رضا المصري

يقدم (مونتغمري وات)، في هذا الكتاب، موجزاً في تاريخ اسبانيا الاسلامية السياسي والحضاري، مع فصول في الأدب الأندلسي بقلم المستشرق بيير كاكيا. والكتاب، بقسميه، التاريخي والأدبي، لا يبدو أنه يحاول الاحاطة بكل حقب التاريخ الأندلسي وحوادثها، ولا يبدو أن يكون بديلا عن تلك التواريخ التي تتبع تفاصيل الحوادث وتطورها، وتحاول أن تعيد نسج كل ما جرى بل هو، كما يتبين من عنوانه، تاريخ معين عرض بطريقة خاصة، يضاف إلى التواريخ العديدة التي خصصت لزمن المسلمين في اسبانيا، والتي وصفها القدامى والمحدثون، مثل ابن عذارى، وابن الخطيب، ودوزي، وليفي بروفنسال، ومحمد عبد الله عنان، وسواهم لكنه يقدم لمحة تشمل الحقب الممتدة من الفتح حتى نهاية الوجود الإسلامي بطرد الموريسكيين منها، وتقتصر على الأساسي من الحوادث، والظواهر، والخصائص التي تكشف عن حقائق هامة، ونواميس تحكمت بمصير الدولة الأندلسيّة بخاصة، والدولة العربية الاسلامية بعامة.

يحلل المؤلف طبيعة الدولة العربية، ناظراً في الأفكار والمفاهيم التي قامت عليها، مُوليا التاريخ الاجتماعي اهتماماً خاصاً من دون أن يهمل التحقيق في الحوادث التاريخية الكبرى وتواريخها وأسبابها ونتائجها ولذلك، فإن الذي يميز هذه الدراسة بصفة خاصة: أنها دراسة غير وصفية تصور من الخارج وتقف عند حدود السرد والرواية، بل هي دراسة في العمق رائدها التحليل والتفسير والتعليل، أي الكشف عن النواميس والعلل الكامنة وراء الحوادث والظواهر. وإيجازها لا يحصرها ضمن دائرة اهتمام القارئ العادي، بل تتجاوز هذه الدائرة لتثير اهتمام المختصين بالدراسات العربية ـ الاسلامية والأندلسية بنوع خاص.

يرى وات أن الدولة العربية كانت عبارة عن قبيلة، أو حلف يضم مجموعة من القبائل، وأنها، في علاقاتها مع الدول الأخرى المعاصرة، لم تستطع، في جوهرها، أن تتجاوز كثيراً العلاقات التي كانت تربط القبيلة بحلفائها أو خصومها من القبائل الأخرى. وفي أحسن الأحوال، كانت تلك العلاقات صورة مطورة من علاقات القبائل بعضها ببعض، مستوحاة، إلى حد بعيد، من الشكل الذي اتخذته تلك العلاقات، إبان نشوء الدولة الإسلامية في المدينة، أيام النبي محمد (صلى الله عليه وسلم). وانطلاقاً من هذا التصور، يحاول المؤلف أن يعلل انهيار الدولة الأندلسية التي هي، في نظره، نموذج من الدولة العربية ـ الإسلامية في خطوطها وملامحها العامة. والسبب الأساسي لهذا الانهيار، في رأيه، هو الإخفاق في تكييف الأفكار الإسلامية المتعلقة ببناء الدولة مع مشاكل العصر، وعدم وجود طبقة وسطى راسخة الأساس ومهتمة بالمحافظة على حكومة مركزية فاعلة.

غير أن وات، على الرغم من اعتباره دولة الأندلس، نموذجا من الدولة العربية ـ الاسلامية، فإنه يجهد في ابراز الطابع الخاص لهذه الدولة التي قامت على بقعة مسرفة البعد عن مهد العروبة والاسلام، لها صورة اجتماعية وسياسية وثقافية مختلفة عما عرفه الفاتحون في سائر الأقطار. وفضلاً عن ذلك، كان الفاتحون، وبخاصة العرب، حمَلة الراية وبُناة الدولة وإيديولوجيا المجتمع، أقلية بعيدة عن جذورها الجغرافية والإتنية، في ذلك البحر الغامر من البشر والعادات والتقاليد والأعراف الخ... وعلى رأس ما يميز الأندلس، أو إسبانيا الإسلامية، تبرز الأهمية التي تتبوأها هناك الروابط الاجتماعية والسياسية وأواصر الرحم والدم بين الأسر عريقة المولدة وانسبائها من مسيحيي الشمال، وأثر ذلك على العلاقات السياسية وتطور الحوادث في بعض مناطق الشمال الأندلسي المتصل بأراضي النصارى المستقلين عن الدولة الإسلامية ولعل من أبرز تلك العلاقات غير المألوفة، في الدولة والمجتمع الإسلامي، تطبيق أعراف غير إسلامية في إسبانيا الإسلامية المتزمتة، الحريصة على وحدة المذهب بين رعاياها المسلمين، مثل دخول أسر مسيحية في طاعة أسر إسلامية، وولاء أسر إسلامية لأخرى مسيحية تربطها بها أواصر القربى؛ مما يثبت، في بعض الأحوال، تقدم العامل الاجتماعي أو السياسي على العامل الديني، وعدم قدرة الدين على محو كل الروابط الأخرى التي كانت تشد الجماعات أو الأفراد بعضهم إلى بعض، قبل اعتناق بعض أفرادها للإسلام، كالتي كانت تربط بني قسي بحكام مملكة نبرة النصرانية.

وهنا لا بد من الإشارة إلى أن الكاتب دائم التنبه إلى كل وضع يرى أن الأندلس تميزت به وكان له أثر على أحوالها المادية أوالروحية. فهو، على هذا الصعيد، يرى أن للبربر وضعا خاصا وأثراً هاما في توجيه الحياة الفكرية في الأندلس، إذ ساعدوا، في نظره، على منع انتشار البدع، لأنهم اضطروا إلى التضامن مع العرب، لمواجهة قدْر من العدائية كانوا يلقونه من جانب الإسبان.

كذلك يحاول المؤلف أن يحلل الأسس الفكرية والاجتماعية للدول البربرية التي حكمت الأندلس، مثل دولتي المرابطين والموحدين وتفاعل الأندلس معها.

أما الوجه الحضاري لإسبانيا الإسلامية، فيرسم المؤلف ملامحه الفكرية والروحية والعلمية والفنية، في لمحات مأخوذة من مراحل في تاريخها، يبدو أنه يعتبرها أساسية، ويوردها على النحو التالي: الانجازات الحضارية في ظل الأمويين، العظمة الحضارية إبان الانحطاط السياسي (أواخر عصر الموحدين)؛ الأدب والفن في العصر الغرناطي (نهاية إسبانيا الإسلامية)، وأخيراً يحاول أن يصدر حكماً عاما على أهمية إسبانيا الإسلامية الخاصة ودورها في التاريخ الأوروبي مستجلياً عظمتها الذاتية.

وفي كل الفصول التي كتبها وات يهيمن عليه هاجس التفسير والتعليل فهو حريص على تعليل كل ظاهرة أو حادثة بل كل شيء، مما لا يؤدي به في بعض الأحيان إلى تكوين نظرة عامة متماسكة جلية المرتكزات والنواميس، كما أن اغفال الكثير من التفاصيل التاريخية والحوادث يزرع البلبلة أحياناً في ذهن القارئ غير المطلع والعاجز، أمام الصورة المتقطعة، عن ربط خطوطها، بعضها ببعض وكأن الكاتب هنا ينسى هذا القارئ، ويتوجه بكلامه، إلى المتخصصين الذين هم على علم بهذه التفاصيل ويرمون، من القراءة، إلى تفسير التاريخ لا الاطلاع على ما حفل به الكتاب من وقائع وظواهر.

أخيراً، فإن تاريخ إسبانيا الاسلامية، كما يراه (وات)، وعلى الرغم من إيجازه، إنما يتسم بكثير من المزايا التي قد لا تتوافر في العديد من الكتب التي تناولت الموضوع ذاته.

في تاريخ إسبانيا الإسلامية

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى