 الجمعة ٣١ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٢٥
الجمعة ٣١ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٢٥ بقلم
 بقلم  
			التصحيف والتحريف
بصراحة وصدق أول مرة أطالع وأقرأ أن لفظة التصحيف هي مأخوذة من كلمة صحيفة، ومعنى التصحيف هو الخطأ في قراءة الصحيفة، ومما زاد في دهشتي أن الصحفي هو من لا يقرأ الصحيفة كما يجب أن تقرأ فتكون قراءته لها تشوبها الأخطاء نحوا أو إملاء أو لحنا.
والتحريف يقع في الكلام ويتم عن طريقين،إما عن طريق القراءة أو عن طريق الكتابة أو عن طريقيهما معا، وكلا الطريقين يؤدي كل واحد منهما على حدة أو هما مجتمعان إلى تغيير في المعنى.
ومن هذا القبيل ما سمعته شخصيا من الأديب المغربي المعروف المرحوم عبد الكريم غلاب لما كان مديرا لجريدة "العلم" المغربية في حوار إذاعي وطلب منه المذيع أن يحكي للمستمعين عن بعض الطرائف التي وقعت له أثناء مزاولته للعمل في الجريدة، فقال أنه مرة توصل بنعي لشخصية من الشخصيات ومواد الجريدة تقريبا جاهزة إلى تسليمها للمطبعة ،فكتب غلاب تحت خبر النعي تحت الورقة المكتوب فيها النعي عبارة:
إن وجد له مكان
يعني بذلك إن كان ما زال هناك مكان شاغر على صفحات الجريدة لنشر النعي،لكن الراقن لما تسلم الخبر من الرسول قام برقن الخبر وسلمه للطبع.
وفي اليوم التالي ظهر النعي بالصيغة التالية:
علمنا بمزيد من الأسى والألم وفاة السيد فلان الفلاني
نرجو الله أن يتغمده برحمته ويسكنه فسيح جناته إن وُجد له مكان.
هكذا بنص العبارة التي كتبها غلاب في آخر الورقة التي وصلته مكتوبا فيها النعي.
ولما بويع أحمد شوقي بإمارة الشعر كتب حافظ إبراهيم قصيدة في ذلك فيها البيت الشهير الذي خاطب حافظ به شوقي وهو:
أمير القـــوافي قد أتــيــــت مبايعا
وهذي وفود الشرق قد بايعت معي
فظهر البيت في بعض الصحف كالتالي:
أمير القـــوافي قد أتــيــــت مبايعا
وهذي وفود الشـــر قد بايعت معي
فذهب الظن بشوقي إلى أن الأمر مقصود وربما هو دسيسة من العقاد والمازني.
وفي صحيفة "الوادي " التي كان يحررها طه حسين ظهر خبر يقول بأن نقابة العمال أوفدت بعض أعضائها ليبلغوا رئيس الوزراء تأييدهم لهم ،فكان الخبر كما ورد في الجريدة كالتالي:
إن النقابة أوفدت بعض أعضائها ليلعنوا دولة رئيس الوزراء.
وفي إحدى الصحف نشر خبران متجاوران،الأول عن عروسين ختمته الصحيفة كالتالي:
فندعو لهما بالسعادة والهناء والتوفيق.
والثاني عن لصين قاما بالسطو على أحد المتاجر،وختمته الصحيفة كالتالي:
وسيقا إلى السجن جراء ما ارتكبا.
لكن مرتب الأعمدة في الصحيفة وضع كل خاتمة مكان الأخرى،فظهر في خاتمة خبر العروسين:
وسيقا إلى السجن جزاء ما ارتكبا.
وظهر في خاتمة خبر اللصين:
فندعو لهما بالسعادة والهناء والتوفيق.
والتصحيف والتحريف وقع في كتب التراث،ومن هنا نرى أن مهمة المحقق له ـ التراث ـ مهمة شاقة وعسيرة،ولا ننسى أن اللغة العربية كانت تكتب حروفها بادئ الأمر بدون نقط فكثر التصحيف والتحريف حتى انبرى يوسف بن الحجاج الثقفي في عهد الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان لذلك وطلب من كتّابه أن يضعوا للحروف المتشابهة في الرسم علامات تميز بعضها عن بعض، ومن أولئك الكتّاب الذين كلفوا بهذه المهمة رجل اسمه نصر بن عصام الليثي وهو من تلامذة أبي الأسود الدؤلي، ولما رأوا أن حتى استعمال النقط في الحروف يقع فيه التصحيف، أحدثوا الإعجام. ويقال أن الرائد الأول في التعديل في الكتابة هو أبو الأسود الدؤلي.
أما من كتب في مسألة التصحيف فهو أبو أحمد الحسن بن عبد الله العسكري من علماء القرن الرابع الهجري، وهو خال أبي هلال العسكري صاحب كتاب الصناعتين.
نسأل الله أن يلهمنا إلى ما فيه الخير والصلاح، إنه نعم المجيب.

 
				
				
			 
				
				
			 
				
				
			 
				
				
			 
				
				
			 
				
				
			 
				
				
			 
				
				
			 
							 
						
				
				 
						
				
				 
						
				
				 
				
				
				 
						
				
				