الخميس ٩ تموز (يوليو) ٢٠٠٩
بقلم جمال عبدالرحيم

العائد

وقف أمام رمسها بعد ربع قرن ولم يناجها.. فقد شعر في تلك اللحظة الوجيزة أنه تحرر من ذكريات أليمة وقروح طالما أرقت لياليه وسلاسل كانت تشده دوماً إلى ماضٍ كئيب يشوِّه حاضره بآثار كدمات الزمان..

كان قد دفن الماضي في مهجعه وبقيت هي الخيط الوحيد الذي يربطه به.

همَّ بالخروج من المقبرة تطارده توسلات المتسولين ببلاغة تقهر فصاحة خطباء المنابر والمشعوذين..

شعر أنه تحرر أخيراً من صرخات الأموات وعلا في داخله نداءات الأحياء.. نداء المنهزمين أمام الفرص.. واستغاثات الطامحين إلى إلى فرص.. وعتاب أم ّ موتورة تنادي بانتقام لن يكون .. و.. وغطرسة مثقف ضاقت به أفاق ثقافته فلم يعد يرى سوى وجه القمر أو مكبّ قمامة..

التفت خلفه ملقياً نظرة أخيرة على كراديس الأضرحة، فلم ير رماحاً مشرّعة كما تهيأ له لسنين طويلة. ولم يسمع نداء أو استغاثة.. فتبسم في سرّه.. فالأموات لا يشرعون حرباً. ولا يعنيهم ابداً ما يصنعه الأحياء..

وخرج من المقبرة..

كانت هذه أول مرة يغادر فيها المقبرة وهو منشرح البال. ركب في السيارة مع أخيه وانطلقا إلى منزل أبيه حيث كان ينتظره أبوه وشقيقته التي تكبره بسنين.. دخلا، فهمّت بالزغاريد. انتهرها العجوز، وأقبل عليه يقبله بحنان مهيب، وهو يقول:

ـ أهلاً بالعائد الغالي.

افتقدوه ربع قرن..

غاب عنهم طري العود.. وآب وهو يبتسم لعامه الأربعين..


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى