

المهرجان الدولي في المملكة المغربية «آسفي»..
نادرة هي الأيام التي نعيشها بصدق وتبقى عالقة في الجوانح بكل مابها من موالح لايمكن لها ان تدخل عالم المحو بل ستظل في سموت الحب وتأريخ المحافل. وواحدة من هذه الأيام هي الخاصة بالمهرجان الدولي في المغرب (دورة الشاعر محمد الأشعري) هذا الرجل الشهير الذي كان ذات يوم وزيرا للثقافة لما له من الرصانة والهدأة المميزة وتكاد تسمع صوته لكنه ذاك المدوّي حين يرسم كلماته على الماسورة حتى تصيب هدفها. كان مهرجانا يليق بالأمازيغ والقرطاج وموسيقاهم وغناءهم المتفرّد بأداء الشبيبة ومن هم في المدارس وبراعمها التي ستصدح في قادم الأزمنة.
بحار الوفاء لا التجافي للصديق المنسق العام للمهرجان (محمد الزين) الشاعر والباحث الجميل والمتمكن لغويا واسترسالا في الحديث وكان بارعا في اداء وظيفة عريف الحفل بمنتهى الشجاعة وكان دؤوباً بمعية رفاقه الآخرين على توفير السكن الفندقي والطعام على مدار ثلاثة وجبات في اليوم علاوة على السفرات بالبولمان لآماكن متعددة لها تأريخها المهم في المغرب العربي.
تحية النبع لا الصحراء لكل الحضور الذي جاء لطلب المعرفة والاستماع وتحية لممثلي وزارة التربية الذين حضروا بكل طاقاتهم. سلاماً للشعراء والنقاد ومن ضمنهم الشاعر الكبير صديقي الشيوعي (دريس المالياني) المعشار الخفيف الذي كان يقول لي انا شيوعي ماركسي لينيني وبدوري اقول له (انا شيوعي ماركسي لينيني ستاليني) فنبدأ بالضحك الهستيري الذي مازال يرن في اذاني ومسمعي.
كان لي وصلاً شفيفاً مع (محمد منير) الشاعر والفنان التشكيلي الذي أهداني إحدى لوحاته لتضل شمعة معلقة في بيتي.
إلتقيت بالشاعر والمترجم الأسباني الجميل (محمد العربي غجو) الذي ترجم نصوص الشاعرتين الأسبانيتين (مارينا أويز وتيريزا راموس) وكان موفقا في الترجمة الصقيلة الرصينة بمسؤوليةٍ كبرى. أما الشاعرة(مليكة ضربيبين) التي إلتقت بالشاعرالعراقي الشهير (عبد الوهاب البياتي) أثناء زيارته للمغرب وهي عمرها سبعة عشر عاماً وكان عبدالوهاب صديقا لوالدها، والشاعرة (مليكة) لها فضل عليّ وعلى بعض الشعراء المشاركين في توصيلنا بسيارتها الخاصة من الدار البيضاء الى موقع المهرجان في مدينة (آسفي) واستغرق الطريق أربعة ساعات مع الأحاديث المشوّقة ومنها حديثي الضاحك لحادثة حصلت معي في الدنمارك لايسعني شرحها هنا ولكنها تنتهي بكلمة دنماركية (ناي ناي) وتعني باللغة العربية (لالا) حتى إنتهى الطريق والجميع يلتفت لي ضاحكا ويقول (ناي ناي ناي). ثم وصلنا مبتغانا بعد شبعنا من رؤيا شواهد الطريق والميناء العريق الأقدم للمغرب(آسفي).
حصل لي التعارف الجميل مع الشاعرة المغربية (ثورية الكور) التي سلّمتني هدية المهرجان بيديها وبمعية الشاعرة (زكية المرموق) ومنسق المهرجان محمد الزين. هناك الكثير من الشعراء الذين تركوا في القلب محبة وفي الراح مصافحة عالقة ومنهم الجميل الودود الباسم والمنشرح الشاعر والروائي (عبدالرحيم الخصار) هذا الذي دلّني في آخر الليل وبعد نهاية الحفل كي أبتاع ماء الشياطين.
وهناك الشاعرة الناقدة (فاطمة) التي القت قصيدها بإسلوب مغايرٍ عن بقية الشعراء مما زادها ألقاً وبهاء. وهناك يحيى موطوال الشاعر الصموت الهاديء الطبع والذي بقي في شآبيب الروح وسيبقى. وهناك الكثير الكثير ومنهن السيدة الوقورة (دامي عمر) التي فتحت منزلها لنا وبإسلوب يناغي صالون(مي زيادة) وكانت الأحاديث لها الصدى البارق والعميق في ذات الوقت. ثم الشاعر المصري أحمد يمني وعبد الماجد المصلك والشاعرة الدكتورة جليلة الخليع الواثقة الفاخرة والقادمة من مدينة طنجة. وهناك الكثيرون القادمون من لبنان ومصر وغيرها وشعراء كثيرون من المغرب ذاتها الاّ أنني التقيتهم سريعا و لم أتذكر أسماءهم على وجه الدقة والتحديد ولكني أتذكر من الشباب (وليد سرنان) الذي أغنى الحفل برفقة الفرقة المدرسية ببعض الوصلات الغنائية وقراءته لنص شعري يليق بهكذا جيلٍ صاعد يريد التجديد والحرية.
أما مصورة الحفل الإبنةُ الشابة اليافعة (شيماء) الصاعدة تواً نحو افق الشعر والإبداع فقالت للآخريات: (هذا الرجل محترم) ثم أردفت وقالت: يعجبني أن التقط معه صورة فحصل الذي حصل ليبقى في الذكرى والتوثيق الذي سيعبر الأزمنة ولايمكن له الإندثار طالما هناك نبض وإيقاع وشعرٌ ومحافل.