النشاط المعجمي بين العربية والإيطالية (ج2)
القاموس الإيطالي العربي (لخليفة محمد التليسي)
يحوي قاموس الليبي التليسي حوالي 35 ألف مفردة. وعلى ما يورد صاحبه في المقدمة، أن القاموس قد أُلّف لحاجة شخصية، بعد تجربة طويلة مع ترجمة النصوص الإيطالية. فقد حمل هذا العمل رغبة كامنة في نفس صاحبه، منذ أن نشأت لديه صلة بهذه اللغة الجميلة التي أحبها وأحب ثقافتها. يحاول القاموس أن يغطي كافة فروع المعرفة واتجاهاتها، ويتضح ذلك من:
العناية بالمصطلحات، والكلمات المعبرة عن الاتجاهات السياسية والفلسفية والأدبية والفنية المعاصرة.
مراعاة الاستعمال الحديث للكلمات، والتطور الذي لحقها في الحياة الحديثة.
كما يقدّر صاحبه أن عمله يتجاوز علميا كافة القواميس الإيطالية العربية التي سبقته، بما سعى إليه في سد الحاجات المتعددة للدارس والباحث المعاصر. وقد استفاد التليسي من جملة من القواميس، بالأساس قاموس النهضة لإسماعيل مظهر، وقاموس المورد للبعلبكي، وقاموس المنهل لسهيل إدريس وجبور عبدالنور، لا سيما في مجال المصطلحات العلمية. لكن على دقة التليسي في البحث عن المرادف العربي للمفردة الإيطالية، أو في نحت نظير لها، يبقى المترجِم المستعين بهذا القاموس في حاجة إلى مراجعة قاموس إيطالي إيطالي، لا سيما في ما يتعلق بمصطلحات العلوم الإنسانية والاجتماعية حديثة المنشأ التي يفتقر إليها القاموس.
وقد أَلحقَ التليسي قاموسه بنسخة للطالب بعنوان: قاموس إيطالي عربي، وهي طبعة مختصرة من القاموس الرئيس الصادر سنة 1984. توخى فيه صاحبه الاختصار، وهو يحتوي على ما يقرب من نصف المادة اللغوية الواردة في القاموس الأول الذي ضمّ المصطلحات العلمية والثقافية التي تتصل بأغلب فروع المعرفة الحديثة. وبهذا المعنى فالقاموس وسيط، يناسب استعمال المراحل التعليمية الأولى والوسطى دون إحاطة شاملة بالمصطلحات.
الرفيق قاموس عربي إيطالي (فتحي مقبول)
لا يفي بالغرض مجرد ترصيف مفردات ومصطلحات، في مقابل مرادفاتها من اللغة المقابلة، للزعم بإنشاء قاموس ثنائي اللغة وعصري؛ لأن الصناعة المعجمية فنّ، أو بالأحرى، علم له شروطه. ولذلك توجّب الاطلاع على المحاولات السابقة والتعرف على مساوئها ومحاسنها بقصد توظيف ما بلغته من نتائج، كلما رام المرء تأليف قاموس. يبدو قاموس الرفيق العربي الإيطالي (1987) لصاحبه فتحي مقبول، أقل القواميس التزاما بهذه القاعدة، رغم أن صاحبه على ما يذكر في مقدمة عمله: "أنه بعد أعوام طويلة من البحث والتدريس في المعهد الجامعي الشرقي في نابولي أولا، وفي جامعة روما في ما بعد، فقد وفقني الله إلى إصدار هذا القاموس العملي ليساهم في خدمة الضاد العريقة، واللغة الإيطالية الأنيقة، في آن واحد، وليكون في متناول يد الباحث العربي والإيطالي على حد سواء، عله يجد فيه خير رفيق في تيسير مهمته. لقد أدرجتُ في هذا القاموس آلاف المفردات المتداولة في الأعمال اليومية في مختلف القطاعات". ومع اعتزاز صاحبه بما أسداه من خدمة، لم ينل القاموس ترحيبا يذكر في أوساط الدارسين، مردّه لعدم مراعاته أبسط تقاليد الصناعة المعجمية. قد يلبي القاموس بعض الحاجات، لكنه لا يرتقي لمصاف الاعتماد، أو حيازة ثقة الدارسين، لما تخللته من هنات في بنية تكوينه.
الكلمة: قاموس إيطالي عربي (لعصام لبنية)
يعرض عصام لبنية في مقدمة عمله الصادر سنة 1995 لمحدودية الأعمال القاموسية المنجزة من الطرفين، وهو ما دفعه إلى خوض التجربة، وما حثّه على توفير أداة لغوية مرجعية للدارسين في كلتا اللغتين. لكن أمام مواجهته اتساع الحاجة اختار لبنية في قاموسه الاقتصار على المداخل الأكثر ورودا في النصوص الدراسية وفي القراءات العامة، ما جعله يقلص من مادته. لا يبدو أن العمل قد لقي حظوة، لا سيما وأن قاموسا يزمع أن يلقى رواجا في أوساط الدارسين والمترجمين، قد ضمّ بين دفتيه خمسة آلاف مفردة لا غير.
ج- قواميس الجيب
تعرض دور النشر الإيطالية جملة من قواميس الجيب ثنائية اللغة، تلبي حاجة متواضعة لدى المهتمين بالعربية والإيطالية، لا تتعدى أعدادها حدّ الراهن خمسة قواميس، فإلى جانب قاموس العربي الصغير لإيروس بلديسيرا، الذي سبقت الإشارة إليه، نجد:
قاموس عربي إيطالي / إيطالي عربي: (لسميح خضر وميشيل لحود ووائل بلة)
وهو قاموس للجيب صغير الحجم. يعتمد جنب إيراد الكلمة، في القسم الإيطالي أو في القسم العربي، إلحاقها بكيفية النطق بالحرف اللاتيني، وقد ضم 24000 مفردة. يلبي القاموس حاجة متواضعة لدى المبتدئين في تعلم العربية أو الإيطالية، أكانوا سياحا أو تلامذة أو مسافرين أو مستعملين لغرض مشابه.
قاموس إيطالي عربي / عربي إيطالي: (لحسين سي عمور)
هو قاموس وسيط، يسعى أن يكون في منزلة وسطى بين قاموس الجيب والقاموس الشامل، أكان من حيث الحجم أو من حيث ما ضمّه من مفردات. حوى كيفية النطق بالعربية والإيطالية في القسمين. وهو موجه بالأساس للمبتدئين في دراسة اللغتين.
قاموس إيطالي عربي / عربي إيطالي: (لحسين سي عمور)
هو أصغر حجما من سابقه، وقد أُعدّ خصيصا للمبتدئين. نحا صاحبه فيه منحى الاختصار والإيجاز، أكان في إدراج الكلمات أو في إيراد ما يقابلها في اللغة الأخرى، وهو قاموس سياحي.
قاموس بليس. عربي إيطالي / إيطالي عربي (تأليف جماعي)
يحوي قاموس بليس للجيب 24000 مفردة، ويضم 480 صفحة، فضلا عن إلحاقه كافة المفردات العربية والإيطالية بكيفية النطق. القاموس ذو صبغة سياحية، فضلا عن استهدافه تلبية حاجة التلميذ في المراحل الأولى.
وجد حشر مفردات من الدارجة، في هذه القواميس، مبررا في التعلل بتضخّم مسألة الازدواجية بين الدارجة والفصحى -diglossia-، إلى حد إعطاء صورة في المخيال الإيطالي تقارب الازدواجية اللغوية بين العربية والدارجة. وهو ما يتجلى في شيوع الاتهام المجحف للعربية، كونها لغة صعبة لا تساير التطورات الحديثة ومستعصية على التعلّم.
ثالثا: القاموس الموجود والقاموس المنشود
يقول أحد الدارسين "كل حقبة من التاريخ العربي كان لها قاموسها المعتمَد بين طائفة المترجمين". هذا التوصيف قد لا ينطبق على أحوال الترجمة والمترجمين بين الإيطالية والعربية، لأننا أمام حاجة تعوزها التلبية في الواقع. تجد المترجم مترحّلا بين قاموس وغيره بغرض الظفر بمراده. فقد تبين من خلال العرض لمجمل القواميس المتوفرة بين اللغتين، أن الصناعة المعجمية بين العربية والإيطالية لا تزال في طور توفير المعاجم العامة، وتفتقر الساحة إلى المعاجم المتخصصة. وحتى في المجالات الفنية والعمرانية والسينمائية والمسرحية، وهو ما آثر العرب استلهامه بشكل أبرز من الثقافة الإيطالية، فهي تفتقر إلى قواميس في الشأن. ما يجعل المترجم، من وإلى الإيطالية، مديناً لمخزونه اللغوي الذاتي في إلمامه باللسانين، بدرجة أولى، وإلى جملة من القواميس المتاحة بين اللغتين. وهي أدوات غالبا ما لا تسعفه بالمفردة الحديثة المنشأ، فيغدو باحثا عنها في قواميس موازية. كل ذلك مع مآخذ استشارة قاموس مغاير، من هدر للوقت وعدم إصابة للمعنى بالدقة اللازمة. هذا في صورة تشابه المفردة الإيطالية مبنى ومعنى مع نظيراتها في اللغات اللاتينية. وقد يلجأ المترجم في نهاية المطاف إلى نحت مقابل عربي لها، أو مرادف إيطالي. والحال أنه لا يضير المستعمل أن تكون كلمات مهجورة مدرجة في القاموس، بل ما يحرجه عدم العثور على الكلمة التي تقصّدها بالترجمة. لذلك يبقى عمل الترجمة المتأتي من اللسان الإيطالي، في جانب هام منه، رهين إلمام المترجم بالحقل الذي يترجم منه، ولمدى حذقه للغة المنقول إليها.
وفي الوضع الحالي، لا تفي القواميس الثنائية بين العربية والإيطالية بحاجة المترجم، وهي على قدر العزم الذي دفع أصحابها لإنجازها، تبقى قواميس شخصية ناشئة بموجب سدّ حاجة أولية. فخليفة محمد التليسي من الجانب العربي وإيروس بلديسيرا من الجانب الإيطالي، صرّح كلاهما أنه أعدّ قاموسه، في مرحلة أولى، لحاجة خاصة. وإذا بهما في نهاية المطاف يلقيان بما صنّفا إلى عامة القراء. بما يجعل القواميس الإيطالية والعربية مصنفات ذاتية أكثر منها أدوات احترافية تستهدف أداء خدمة عامة. أو بشكل أدق هي قواميس خاصة، بما قد يعتري عمل الأفراد من قصور ونقص. والواقع أن قواميس معتمَدة ينبغي أن ترعاها مؤسسات، ويُفترض أن تتضافر جهود مشتركة في إنجازها. لكن جل المبادرات في الجانبين العربي والإيطالي جاءت فردية، ما جعلها مصبوغة بثقافة ورؤية صاحب القاموس، ولا سيما منها القواميس الإيطالية العربية. وكان بالإمكان تلافي نقص تلك القواميس بالاشتغال على مصنفات جماعية يعدها فريق عامل. لذلك تُلازم المترجم المحترف بين اللغتين حاجة دائمة للتعويل والاستعانة بقواميس منجزة في لغات أخرى.
من جانب آخر، يحدّ ثقل القواميس الحالية من الانتفاع بها، سواء بين الطلاب أو الدارسين أو المترجمين. ولكون القواميس العربية الإيطالية لا تجاري نسق تطور القواميس الإيطالية، أو قواميس اللغات الغربية؛ فهي ما فتئت لا تتوفر على طبعات أنيقة، ولا تصحبها أقراص مضغوطة، بما قد يسهل على مستعمليها مراجعتها. ما دفع بالبعض إلى تصويرها بالماسح الضوئي، وإدراجها بشكل غير قانوني في الشابكة للعموم. فكيف لطالب لغة عربية في الجامعة الإيطالية أن يصحب معه قاموس ترايني البالغ من الوزن 2،3 كغ كل يوم؟ لذلك غالبا ما يصطحب الطلاب معهم للدرس قاموس العربي الوجيز لبلديسيرا، وهو ما لا يفي بالغرض؛ وبالتالي يبقى المترجم الإيطالي في حاجة ماسة إلى قاموس جيب إلكتروني لتذليل مصاعب العربية التي يصادفها، وذلك بشكل آني وعصري.
فالعربية المدرَّسة في الغرب هي عربية متخلّفة الأدوات القاموسية، إذا ما قارنّا مدى توفر القاموس الإلكتروني بين الطلاب الإيطاليين -مثلا- من دارسي العربية من جانب وبين دارسي الصينية واليابانية والكورية من جانب آخر، حيث جل الطلاب في اللغات الأخيرة بحوزتهم قواميس إلكترونية في حين ينعدم مع العربية.
كما لا يمكن الحديث عن مفاضلة بين القاموس الورقي والقاموس الإلكتروني، فلكلا القاموسين مزايا، وقد أفاضت الدراسات في شرح ذلك؛ ولكن ما يتطلع إليه المترجم وهو توفر الأداتين بشكل متيسر وضاف، حتى يمتح مراده من أيهما بشكل مرن، وفق الظرف المناسب والحالة الأيسر، دون تأثير على نسق عمله.
صحيح أن أقسام تدريس اللغة الإيطالية والآداب الإيطالية في الجامعات العربية حديثة النشأة، حيث التجربة المصرية تعود إلى العام 1956 والتجربة التونسية إلى 1976؛ لكن هذا لا يبرر نقص الاشتغال على المصطلح الآتي من الإيطالية، على خلاف المصطلح الوارد من لغات أخرى، ولاسيما اللغات الشائعة الاستعمال في الوسط الثقافي العربي كالإنجليزية والفرنسية والإسبانية أو الألمانية. وصحيح أن تلك الجامعات تدرّس الترجمة، وقد رفدت الساحة الثقافية بجملة من المترجمين الجدد؛ لكن يبقى اشتغال جل هؤلاء على المادة الأدبية. في وقت يمثل فيه نص العلوم الإنسانية والعلوم الاجتماعية الغائب الأبرز، والأقل حظوة، بين المترجمين في العربية والإيطالية.
إذ غالبا ما زعم أصحاب القواميس الحديثة أن أعمالهم كافية شافية، تلبي الحاجات اللغوية المعاصرة، وتتيح للقارئ إمكانية العثور على الكلمات والمصطلحات المستجدة، ولكن الصواب أن يصدر هذا الحكم من مستعملي هذه الأدوات لا من أصحاب القواميس. وتقريبا جل القواميس الإيطالية العربية هي مصنفات متجاوَزة لا تفي بالغرض. وإن تكن القواميس الإيطالية الإيطالية المعروفة والمعتمدة تصدر سنويا في طبعات جديدة ومنقّحة، فإن القواميس العربية الإيطالية لا تعرف هذا التجدد. وبصفة معظم القواميس السالفة قد تم إنجازها لأغراض محددة، دينية، أو سياسية، أو تعليمية في نطاق ضيق، وعدم تمييزها، أو تعمّدها قصدا، دمج ألفاظ دارجة وأجنبية أو مهجورة الاستعمال. فإن التحدي الأبرز أمام مجال الترجمة بين اللغتين وهو خلق معجم إيطالي عربي يكتسي صفة المرجعية، بما يوفر المادة الشاملة في عملية التعريب. ربما يتمثل التطور القاموسي المنشود في إعفاء الباحث، أو المترجم، من الثبات والثقل الذي يرتهن إليه القاموس العربي، وتحويل هذه الأداة إلى جهاز إلكتروني يسهل استدعاؤها سواء داخل الحاسوب، أو الهاتف النقال، أو ضمن أجهزة مستقلة، أو في أقراص مضغوطة، بما يتيح بلوغ المراد بأيسر السبل وأسرعها. كما يكون هذا القاموس متوفرا على آلية بحث دقيقة وبسيطة، متاحة للمتدرب وغير المتدرب. لأن كل إنجاز ينزع نحو التعقيد من شأنه أن يفوّت الفرصة على المستعمل ليكون القاموس الورقي هو الأفضل.
وبشكل عام، يبدو القاموس الإيطالي العربي رهين تطور القاموس الإلكتروني العربي مع اللغات الأوروبية الرئيسية. وإن يكن الحديث عن المعجم الحاسوبي العربي قد مر عليه زهاء العقد، فإننا من الجانب الإيطالي لا نزال خارج مواكبة هذا التحول وما يبشر به من وعود، ولا نزال نفتقر إلى تعامل إلكتروني مبسّط مع القاموس. يقول الأستاذ عبدالمجيد بن حمادو في بحث بعنوان "المعجم الإلكتروني أهميته وطرق بنائه": "بالنسبة إلى اللغة العربية ثمة تقصير واضح في إعداد معاجم حاسوبية تلبي حاجيات المستخدم العربي، بالرغم من إتاحة أمهات المعاجم العربية على أقراص مدمجة أو على الإنترنت. فهذه الخطوة ليست كافية؛ لأن هذه المعاجم تفتقر إلى أبسط مقومات المعاجم الحاسوبية بالمعنى الحديث للكلمة. إنها مجرد "نسخ مرقمنة" لتلك المعاجم الورقية (في صيغة "Doc" أو "HTML") لا يمكن الاستفادة منها بالشكل المطلوب. بالإضافة إلى ذلك، فالأدوات المصاحبة للبحث عن المعلومة بسيطة، كما يتضح في المشاريع المعروفة مثل "عجيب" (لنظام صخر) "وكلمات" و"لسان العرب" / "القاموس المحيط"... فهذه السلبيات تعود أساسا إلى ضعف الهيكلة الحاسوبية التي بنيت عليها مداخل هذه المعاجم".