

النصر المُرّ

بقلم: أوري جولدبرج
ماذا حققت إسرائيل من حربها التي استمرت 12 يومًا ضد إيران؟
توصل البلدان إلى وقف إطلاق نار هش لكن مزاعم نتنياهو بالنصر موضع شك
وسط سيل لا يتوقف من الأخبار الواردة من إسرائيل والولايات المتحدة وإيران، هل يمكننا أن ننظر إلى الحرب التي انتهت للتو بعد 12 يومًا ونحدد من كان الرابح؟ هل يمكننا التمييز بين من تم التلاعب به ومن كان يمسك بزمام المبادرة؟ هذه الفروق حاسمة لفهم ما سيحدث لاحقًا، في الشرق الأوسط وعلى الصعيد العالمي. ومع كون إسرائيل وإيران والولايات المتحدة (نعم، الولايات المتحدة أيضًا طرف في هذا الصراع الآن) على شفا اضطراب دائم، فإن التذرع بـ"تعقيد" الوضع قد يصرف الانتباه عن أي محاولات جادة لتقييم ما هو قادم. دعونا نحلل موقف الأطراف الثلاثة — إسرائيل، إيران، والولايات المتحدة — بطريقة تتجاوز حرب السرديات.
وفقًا للبيان الصادر عن مكتب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، لا شك في أن إسرائيل انتصرت. "جميع أهداف العملية قد تحققت"، كتب كاتب البيان الصحفي. ولهذا السبب، وافقت إسرائيل على وقف إطلاق النار الذي اقترحه الرئيس دونالد ترامب. لكن ما هي أهداف إسرائيل؟ هذا سؤال يصعب الإجابة عنه. في البداية، قال نتنياهو إن إسرائيل تواجه "تهديدًا وشيكًا" بسبب قدرات إيران النووية. وكان السياق هو النتائج التي وردت في تقرير صدر في مايو عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية، الجهة الرقابية النووية التابعة للأمم المتحدة، والتي وجدت أن إيران، ولأول مرة منذ عقود، في حالة خرق مادي لالتزاماتها بموجب معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية.
لكن في نفس البيان الذي تحدث فيه عن التهديد النووي الذي تمثله إيران على أمن إسرائيل، انتقل نتنياهو تقريبًا على الفور للحديث عن نوايا إيران وقدراتها المحتملة. قال إنه إذا قامت إيران بتخصيب اليورانيوم إلى مستويات لازمة لصنع قنبلة نووية، فستكون لديها كمية كافية من "المادة" لصنع تسع أو إحدى عشرة قنبلة (لا يزال من غير الواضح أي الرقمين صحيح، أو إن كان أي منهما صحيحًا) خلال "أيام معدودة". وكان هذا هو السبب الرسمي للهجوم الإسرائيلي الأحادي وغير المبرر على إيران.
لكن بما أن جميع وكالات الاستخبارات في العالم (وأبرزها مكتب مدير الاستخبارات الوطنية الأمريكية) أعلنت أن الإيرانيين على بُعد سنوات من اكتساب المعرفة والمعدات اللازمة لصنع قنبلة نووية، فإن السؤال الذي يطرح نفسه: هل كان نتنياهو صادقًا بشأن تطوير إيران الوشيك لتسع أو إحدى عشرة قنبلة نووية؟ كما أكدت هذه الوكالات أن النتائج الواردة في تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية ليست جديدة. في الواقع، إذا اتهمت الوكالة الدولية للطاقة الذرية إيران بانتهاكات جوهرية لأول مرة منذ عشرين عامًا، وإسرائيل، وهي قوة نووية غير موقعة على معاهدة حظر الانتشار النووي، تتهم إيران باستمرار بانتهاكات لالتزاماتها بموجب المعاهدة، فمن يقول الحقيقة؟
في الواقع، إذا كانت الوكالة تتهم إيران بخرق مادي لأول مرة منذ عشرين عامًا، وإسرائيل - وهي قوة نووية لكنها ليست طرفًا في معاهدة عدم الانتشار - كانت تتهم إيران بخرقات مستمرة لهذه المعاهدة، فمن هو الطرف الصادق؟
استنادًا إلى التصريحات والتقارير الصادرة عن أبرز وكالات الاستخبارات العالمية، لم تكن إيران تشكل تهديدًا وشيكًا، ما يعني أن إسرائيل لم يكن لها ما يبرر استباق هذا التهديد الوهمي بزعم الدفاع عن النفس. علاوة على ذلك، قال محللون ومعلقون، بمن فيهم إسرائيليون، إن إسرائيل لا تستطيع تدمير مخزون إيران من المواد الانشطارية بمفردها. فقد تم تخزين اليورانيوم في أعماق الأرض، وكانت إسرائيل تعتمد على الولايات المتحدة للحصول على "القنابل الخارقة للتحصينات"، المعروفة بأسماء مختلفة، ولكن اسمها الفني هو "الذخائر الخارقة للتحصينات الضخمة" (MOPs).
ومع ذلك، لم تنضم الولايات المتحدة إلى إسرائيل في قصف إيران لأكثر من أسبوع. كانت إدارة ترامب تسعى إلى إجراء محادثات مع الإيرانيين بشأن اتفاق نووي جديد، وقد بدا أن الطرفين متفائلان بحذر فكيف كانت تخطط إسرائيل لعرقلة البرنامج النووي الإيراني دون مساعدة الأميركيين؟
في البداية، استهدفت إسرائيل بشكل رئيسي مواقع الصواريخ، محاولةً ظاهريًا منع الإيرانيين من إطلاق الصواريخ ردًا على ذلك. وتماشيًا مع نهج العمل الإسرائيلي التقليدي، شكّلت ضرباتها العسكرية غطاءً وصرفًا للانتباه عن السبب الحقيقي لهذا الهجوم الأولي، وهو تنفيذ عمليات اغتيال. تؤمن إسرائيل إيمانًا راسخًا بالاغتيالات كوسيلة لإسقاط أعدائها. وقد استُخدمت هذه "العقيدة" في الغالب ضد المنظمات الفلسطينية، حيث استهدفت إسرائيل قادة فتح وحماس وجماعات أخرى أصغر حجمًا. لم تنجح هذه الاستراتيجية قط؛ إذ لطالما وجدت المنظمات الفلسطينية بدائل للقادة الذين قتلتهم إسرائيل. ولعل الاستثناء الوحيد لهذه السياسة الفاشلة هو اغتيال حسن نصر الله في 27 سبتمبر/أيلول 2024، الذي أتاح لمعارضي حزب الله المحليين فرصة المطالبة بتقييد نفوذ المنظمة في لبنان بشدة. إلا أن الواقع السياسي لحزب الله كان فريدًا، إذ عمل في دولة ضعيفة يحكمها نظام شديد الانقسام. وفي جميع الحالات الأخرى، عندما حاولت إسرائيل زعزعة استقرار المنظمات أو المؤسسات المهيمنة، فشلت. منذ 8 أكتوبر/تشرين الأول 2023، قتلت إسرائيل قادة حماس واحدا تلو الآخر، لكن المنظمة تواصل القتال ولم يتم تدميرها.
في هذه المرة، انطلقت إسرائيل بهدف اغتيال قيادات «الحرس الثوري الإيراني» (IRGC)، الذراع العسكرية المباشرة لقيادة الجمهورية الإسلامية، على أمل أن يؤدي القضاء على كبار قادته إلى إضعاف القيادة السياسية للبلاد. السبب؟ بالنسبة لإسرائيل الرسمية، كل ما يتعلق بأعدائها إما شخصي بحت أو أيديولوجي متعصب. إن افتراض أن القيادة الإيرانية قادرة على العمل والتخطيط لمستقبلها خارج قيود الأيديولوجية والمكاسب الشخصية يبدو مجرداً في أفضل الأحوال وساذجاً بشكل خطير في أسوئها. تزعم أن الاغتيالات وسيلة لردع الدوافع الشخصية، وإظهار فشل الإيمان الديني أو الثوري. يبدو أن إسرائيل كانت قد أقامت نظاماً ضخماً ومعقداً من العملاء داخل إيران لغرض تنفيذ مثل هذه الاغتيالات (إضافة إلى هجمات الطائرات المسيرة) عندما يحين الوقت. وقد حان الوقت بالفعل.
يبدو أن إسرائيل حاولت التوفيق بين أهدافها المعلنة بضرب البرنامج النووي الإيراني وعمليات الاغتيال المتعددة من خلال تبني خطاب "تغيير النظام". وقد تولى وزير الدفاع الإسرائيلي إسرائيل كاتز مسؤولية الترويج لهذا الخطاب، حيث برر قصف سجن إيفين في طهران - المشهور بتعذيبه للسجناء السياسيين - بأنه جزء من استراتيجية لتغيير النظام الإيراني بشكل شامل . لكن الحقائق على الأرض تناقض هذه المزاعم: فقد أدت الضربات الإسرائيلية إلى تفاقم أوضاع السجناء في إيفين، حيث أفادت تقارير من مركز حقوق الإنسان في إيران بنيويورك بأن السجناء لم يكن لديهم ملجأ أثناء القصف، وأصيب العديد منهم، كما تضرر المستوصف الطبي بالسجن بشكل كبير. و ذكر متحدث قضائي إيراني أنه تم نقل العديد من السجناء إلى مواقع غير محددة، مما أثار مخاوف بشأن مصيرهم. ومن ثم قوّضت هذه الحقائق ادعاء إسرائيل بأنها ملتزمة بإسقاط الجمهورية الإسلامية.
لم تكن إسرائيل تريد شيئًا من إيران، في حد ذاتها. ما أرادته حكومة نتنياهو والجيش الإسرائيلي أكثر من أي شيء آخر هو أن يُنسى العالم أمر غزة. قبل الضربات على إيران، كانت المعارضة الداخلية المتصاعدة منذ فترة طويلة ضد استمرار الحرب في غزة تبدو وكأنها على وشك الانفجار. وفي الوقت نفسه، كان الزخم العالمي يتغير.لقد كان نتنياهو بحاجة إلى إلهاء يُعيد توجيه الانتباه، لا من قِبَل المواطنين الإسرائيليين فحسب، بل من قِبَل العالم كله، نحو قيادته. إعادة تصوير إسرائيل كقوة للخير — كقوة قادرة على تدمير قدرات نظام شرير على تصنيع أسلحة نووية، بل وتدمير النظام نفسه — كانت العلاج الوحيد الذي وجده نتنياهو لمحو آثار الحملة الإسرائيلية السامة في غزة، وهي الحملة التي يعتبرها خبراء ومنظمات غير حكومية على نطاق واسع إبادة جماعية. هنا جاء دور الولايات المتحدة وترامب. اعتقد نتنياهو أنه إذا استطاع إقناع ترامب بالانحياز إلى إسرائيل في حربها الأحادية الجانب على إيران، فسيتمكن رئيس الوزراء الإسرائيلي من إطلاق عملية إعادة التوازن العالمية هذه. فهل نجح؟
على الرغم من أن الولايات المتحدة هاجمت مواقع نووية إيرانية بقنابل MOP، إلا أن الإجابة بعيدة كل البعد عن "نعم" حاسمة. فقد أكد ترامب مرارًا رغبته في التوصل إلى اتفاق مع إيران. حتى أنه كشف أن قصف إيران في 23 يونيو/حزيران لقاعدة عسكرية أمريكية في قطر كان بالتنسيق مع القطريين والأمريكيين. ويبدو أن ترامب أمر بالهجوم الأميركي على المواقع النووية الإيرانية كنوع من التحريك السياسي الذي قد يفضي إلى اتفاق بين الولايات المتحدة وطهران. أما التزامه تجاه إسرائيل فكان قائمًا على التصوّر "الترامبي" للعالم، القائم على ثنائية "الرابحين" و"الخاسرين"، ما يعني أنه كان يرغب في رؤية ما إذا كانت إسرائيل قادرة على تحقيق نصر.فإذا نجحت، ربما ينضم بشكل أوسع، ليشارك في المجد وينال قسطًا من الفضل.أما إذا فشلت، فسيبتعد عن الهجمات الإسرائيلية ويسعى إلى إبرام صفقة تُرضي أيضًا الانتقادات المتزايدة من الجناح اليميني لحركة "اجعلوا أميركا عظيمة مجددًا"، والتي ترى أن "أميركا أولًا" تعني إنهاء تورّط الولايات المتحدة في الحروب الخارجية.
طبق ترامب نفس المنطق والسياسة على حرب غزة، حيث قدم دعمًا رمزيًا لإسرائيل، لكنه أوضح أيضًا أنها ستواجه العواقب بمفردها. الضربات على المنشآت النووية الإيرانية لم تحقق هدفها المعلن بإنهاء قدرة إيران على تخصيب اليورانيوم، كما أكدت التقارير الأمريكية نفسها. لكن ترامب لا يهتم - لقد أدى ما يعتبره واجبه، وانتقل الآن لتعزيز ما يرى أنه المصالح الأمريكية. إنه لا يثق بنتنياهو، ولم يتم التلاعب به من قبل نتنياهو ليتحالف مع إسرائيل في حرب ضد إيران. وإذا اعتقدت إسرائيل خلاف ذلك، فستُفاجأ بمفاجأة غير سارة.
كيف خرجت إيران من هذه الحرب التي دامت 12 يومًا؟ لقد تعرضت للقصف وتكبدت خسائر، بلا شك، لكنها خرجت أيضًا مستقرة بشكل مفاجئ. رغم الحديث عن تغيير النظام، وادعاء إسرائيل بأنها، من خلال إضعاف النظام، تفتح المجال لانتفاضة شعبية تطيح به، فإن الجمهورية الإسلامية استطاعت — بعد الصدمة الأولى — أن تعيد ملء المناصب القيادية وتستبدل قادتها الذين قُتلوا.
ورغم الفوضى التي عمّت البلاد، لم تظهر معارضة واضحة المعالم تتزعم تمردًا. ويرجع ذلك جزئيًا إلى عدم وجود معارضة منظمة في إيران، وجزئيًا إلى أن كثيرًا من الإيرانيين، رغم انتقاداتهم الشديدة للنظام، يبدو أنهم يفضّلون "الشيطان الذي يعرفونه" على الفوضى المجهولة.
وربما الأهم من ذلك كله، أنه على الرغم من استهداف إسرائيل المستمر لمواقع الإطلاق الإيرانية، فقد اخترقت الصواريخ الإيرانية أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية الشهيرة، وتسببت بأضرار حقيقية وخطيرة في عمق الأراضي الإسرائيلية.
صحيح أن إيران سارعت إلى طلب وقف إطلاق النار، لأنها أدركت أن القصف الإسرائيلي المستمر قد يزعزع استقرار الجمهورية الإسلامية، لكن الشعب الإيراني توحّد خلف راية بلاده، واعتبر الهجمات الإسرائيلية حربًا ضد إيران ذاتها، لا ضد النظام وحده. ومن ثم لم تكن هذه حرب نصر بالنسبة لإيران، لكنها بالتأكيد لم تكن هزيمة.
لقد خاضت إسرائيل حربها ضد إيران كما خاضت حربها ضد غزة: دون اكتراث بالعواقب أو بالقوانين الدولية.وبذلك، جعلت إسرائيل نفسها رهينة لأقصر الأهداف الآنية. وهناك كل الأسباب للاعتقاد بأن هذه الحرب ضد إيران ستواصل مطاردة إسرائيل في المستقبل المنظور — سواء من خلال جولات جديدة من العداء، أو لأن إسرائيل قد تجد نفسها منبوذة إقليميًا نتيجة إشعالها حربًا مزعزعة للاستقرار لم تحقق أهدافها.
الكاتب : أوري جولدبرج / Ori Goldberg أستاذ جامعي سابق، كتب بغزارة عن إيران وإسرائيل والعلاقة بين الدين والسياسة في الشرق الأوسط .