الأحد ٨ حزيران (يونيو) ٢٠٢٥
بقلم أسامه محمد علي محمد

الْحُلْم وَشَجَرَةُ الزَّيْتُونِ

انْهِي دِرَاسَتَهُ الْجَامِعِيَّةَ، فَرِحًا ًوَمُغْتَبِطًاً, حَامِلًاً مَعَهُ أَدَاوَتَهُ الْهَنْدَسِيَّةَ، تَأَمَّلُ جُدْرَانَ الْجَامِعَةِ، مَرَرْتُ أَمَامَ عَيْنِيَّه أَحْلَامِهِ وَطُمُوحَاتِهِ الْكَبِيرَةِ الَّتِي كَانَتْ تَزْدَادُ يَوْمًا بَعْدَ يَوْمٍ, وَمَعَ نِهَايَةِ كُلِّ عَامٍ دِرَاسِيٍّ، كَانَ يُكَلِّلُ بِالنَّجَاحِ وَالتَّفَوُّقِ، يَشْعُرُ بِدِفْءِ أَحْضَانِ أُمِّهِ وَأَخَوَاتِهِ عِنْدَمَا يَعُودُ إِلَيْهِمْ يَحْمِلُ بَشَرِيَّاتِ التَّفَوُّقِ وَالنَّجَاحِ تُقَدِّمُ خُطُوَاتِ إِلَيَّ الْأمَامِ, شَاهَدَ صَوْتَهُ فِي لَوْحَةِ الشَّرَفِ، حَمَلَ حَقِيبَتَهُ الصَّغِيرَةَ وَالَّتِي أَعَدَّهَا لَيْلًا لِكَيْ يَتَأَهَّبَ لِلسَّفَرِ، وَالرُّجُوعِ إِلَيَّ بَلَدِهِ الْحَبِيبِ، حَيْثُ شَجَرَةُ الزَّيْتُونِ الَّتِي زَرَعَهَا أَمَامَ بَيْتِهِ مُنْذُ نُعُومَةِ أَظَافِرِهِ، وَالَّذِي هُدَمَ وَبَنِيَ أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ, بِفِعْلِ صَوَارِيخِ وَدَبَّابَاتِ الْعَدُوِّ الْمُحْتَلِّ, وَفِي كُلِّ مَرَّةٍ كَانُوا يَهْدِمُونَهُ كَانَ يَقْطَعُ دِرَاسَتَهُ لِكَيْ يَعُودَ إِلَيَّ أَهْلُهُ كَيْ يُسَاعِدَهُمْ فِي بِنَاءِهِ، وَالْغَرِيبُ انَّهُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ يَتِمُّ بِنَاءَهُ كَانَ يَعُودُ بِالْبَيْتِ خُطْوَتَيْنِ إِلَيَّ الْوَرَاءِ, إِذْ عَسِيَ تُخْطِيءُ الصَّوَارِيخِ فِي تَحْدِيدِ مَكَانِهِ، حَتِّي أَنَّهُ فِي أَخَرِ مَرَّةٍ شَعَرَ أَنَّ الْبَيْتَ قَدْ ضَاقَ عَلَيْهِمْ، فَلَمْ يَعُدْ هُنَاكَ مُتَّسَعٌ لِأَحْلَامِهِ وَطُمُوحَاتِهِ, لَكِنَّهُ لَمْ يُفَكِّرْ مَرَّهُ فِي تَغْيِيرِ مَكَانِهِ خَاصَّةً وَأنَ فِي كُلِّ مَرَّةٍ يَتِمُّ فِيهَا هَدْمُ الْمَنْزِلِ كَانَ يُلَاحَظُ أَنَّ شَجَرَةَ الزَّيْتُونِ تُورَقُ أَكْثَرَ وَتَخْضَرُ برَاعُهُمَا وَضْعُ يَدِهِ فِي جَيْبِهِ تَحَسُّسُ حَافِظَةُ نُقُودِهِ كَانَتْ قَلِيلَةً جِدًّا تَكْفِي بِالْكَادِ رِحْلَةَ السَّفَرِ، رَاعَهُ صُورَةُ بِنْتِ عَمِّهِ الَّتِي اخْتَطَفَهَا مِنْهَا عَنْوَةً وَهِيَ تُشَاكِسُهُ بِقَصَائِدِهَا الَّتِي تَكْتُبُهَا فِي بَلَدِهِ الْمُحْتَلَّةِ، وَكَثِيرًاً مَا كَانَ يَطْلُبُ مِنْهَا أَنْ تُكْتَبَ فِيهِ قَصِيدَةُ غَزْلِيهِ لَكِنَّهَا فِي كُلِّ مَرَّةٍ كَانَتْ تَرْفَضُ وَكَانَتْ تَقُولُ لَا وَقْتَ لِلْحُبِّ طَالَمَا بَلَدِي تُحِيطُهُ الْأَسْوَارُ الشَّائِكَةُ، وَأَصْوَاتُ الرَّصَاصِ الَّتِي تَنْزِلُ عَلَيْهِ كَزُخَاتِ الْمَطَرِ, وَطَالَمَا أَنَّنَا فِي كُلِّ يَوْمٍ نَلَمْلِمُ أَشْلَاءَ بَعْضِنَا الْبَعْضِ وَذَاتَ مَرَّةٍ غَضِبَ مِنْهَا لِأَنَّهَا لَمْ تَحْضُرْ لِاسْتِقْبَالِهِ حِينَ عَادَ مِنْ السَّفَرِ, فَأَرْسَلَتْ لِي مَعَ أَخِيهَا الصَّغِيرِ رِسَالَةً مَكْتُوبٌ فِيهَا احْبِكَ يَا ابْنَ عَمِّي لَكِنَّهَا كَانَتْ مَمْهُورَةً بِطَابَعٍ لِعِلْمِ فِلَسْطِينَ بَلَدِي وَقَبْلَ خُرُوجِهِ مِنَ الْجَامِعَةِ قَابَلَهُ احْدُ أَصْدِقَائِهِ وَسَأَلَهُ عَنْ وُجْهَتِهِ وَمَاذَا سَيُفْعَلُ بِبَكَالُورْيُوسِ الْهَنْدَسَةِ الَّتِي حَصَلَ عَلَيْهِ بِتَفوَقٍّ، وَقَبْلَ أَنْ يُجِيبَهُ عَاجِلُهُ قَالَ لَهُ لِمَاذَا لَا تُقَدِّمُ عَلَيَّ هِجْرَةٌ إِلَيَّ كَنَدَا، خَاصَّةً وَانَ تُخَصُّصُهُ نَادِرٌ وَمَطْلُوبٌ هُنَاكَ وَسَيَجِدُ فُرَصَهُ لِلْعَيْشِ الرَّغَدَ وَالْمَسْكَنَ الْمُرِيحِ وَالزَّوْجَةَ الْأَجْنَبِيَّةَ وَالَّتِي سَتَمْنَحُهُ الْجِنْسِيَّةُ الْكَنَدِيَّةُ, وَيَبْعُدُ عَنْ صَوْتِ الرَّصَاصِ وَمَشْهَدِ الدِّمَاءِ الْمُتَكَرِّرِ لَيْلَ نَهَارٍ، وَعَنْ صَرَخَاتِ الشَّجْبِ وَالتَّنْدِيدِ الَّتِي يُطْلِقُهَا مَنْ يُهِمُّهُ الْأَمْرُ وَمَنْ لَا يُهِمُّهُ، دُونَ جَدْوَى وَدُونَ صَدْيِ طُرُقٍ مَلِيًّاً فِي كَلَامِهِ لَكِنْ سُرْعَانَ مَا عَاوَدَتْهُ صُورَةُ أُمِّهِ وحضنها الدافئ وَالْفَرْحَةُ الَّتِي تَرْقُصُ فِي عُيُونِهَا حَالَ رُجُوعِهِ إِلَيْهَا وَشَجَرَةِ الزَّيْتُونِ الَّتِي تَتَعَهَّدُهَا ابْنَةُ عَمِّهِ وَزَوْجَتُهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، حِيَالَ غِيَابِهِ إِبَّانَ دِرَاسَتِهِ فِي الْجَامِعَةِ، تَرَجَّلَ قَدَمَيْهِ وَسَارَ نَحْوَ الطَّرِيقِ الْمُؤَدِّي إِلَيَّ الْحَافِلَةِ الَّتِي سَيُقِلُّهَا إِلَيَّ بَلْدَةِ غَزَّةَ الْمُحَاصَرَةِ لَمْ يَكْتَرِثْ كَثِيرًاً بِنُقَطِ التَّفْتِيشِ الْمَوْجُودَةِ عَلَيَّ طُولَ الطَّرِيقِ فَهَذَا الْأَمْرُ قَدْ اعْتَادَ عَلَيْهِ إِبَّانَ ذَهَابِهِ وَعَوْدَةً مِنْ الْجَامِعَةِ، وَأَخِيرًاً وَصَلَ إِلَيَّ بَلْدَةٌ كَانَتْ الشَّمْسُ تَحْزِمُ حَقَائِبَهَا وَتَنْوِي الرَّحِيلَ وَاللَّيْلَ يَفْرِشُ غِطَاءَهُ بالْمُتَشَحِّ السَّوَادُ عَلِيَّ الْقَرْيَةُ وَأَصْوَاتُ الرَّصَاصِ الْفَارِغَةُ, تُلَاعِبُ قَدَمَيْهِ فِي الطَّرِيقِ فَيَرْكُلُ وَاحِدُهُ هُنَا وَوَاحِدَةً هُنَاكَ وَأَخِيرًاً امْسِكْ بِوَاحِدَةٍ مِنْهَا تَفَحِّصُهَا جَيِّدًاً, وَاطْلُ فِي رَأْسِهِ سُؤَالٌ عَفْوِيٌّ طَالَمَا لَمْ يَجِدْ لَهُ إِجَابَةَ مَا الَّذِي جَاءَ بِكَ إِلَيَّ هُنَا؟

مَنْ دَفَعَ فِيكَ أَمْوَالًا؟ وَلِمَاذَا؟ وَمَنْ أَصَبْتَ وَمَنْ يَتَمَتَّ ؟ وَمَنْ مِنْ الشَّبَابِ وَمِنْ الْأَطْفَالِ قَضَيْتُ عَلَيَّ أَمَالُهُمْ وَأَحْلَامُهُمْ؟ أَ

مَّا لِهَذَا الرَّصَاصِ الْفَارِغِ أَنْ يَنْتَهِيَ بَعْدُ، وَأَفَاقَ مِنْ شُرُودِهِ، عَلَيَّ صَوْتُ أَخِيهِ الْأَصْغَرِ وَهُوَ يَرْكُضُ نَحْوَهُ مُبْتَسِمًاً وَهُوَ يُزْعِقُ عَلَيَّ أُمَّهُ بِأَعْلَي صَوْتِهِ وَالَّتِي كَانَتْ تَصْنَعُ الْخُبْزَ بِالدَّاخِلِ، وَكَانَ الطِّفْلُ يَرْكُضُ بِسُرْعَةٍ كَبِيرَةٍ لَكِنَّهُ هُيِّئَ إِلَيْهِ انْهُ يَرْكُضُ إِلَيَّ الْوَرَاءَ فَكُلُّ خُطْوَةٍ يَخْطُوهَا كَانَتْ تَتَعَثَّرُ أَقْدَامُهُ بِشُئٍّ مَا رُبَّمَا كَانَ هَذَا مِنْ فِعْلِ السَّفَرِ شَعَرَ أَنَّ أَقْدَامَ أَخِيهِ اسْتَطَالَتْ بَلْ وَتَعَدَّدَتْ إِلَيَّ أَكْثَرُ مِنْ سَاقٍ، كَأَنَّهَا أَشْجَارٌ غَرْقَدٍ زُرِعَتْ تُوًّاً وَاسْتَجَارَ بِظِلِّهَا جِيرَانُهُ الْقَرِيبَيْنِ وَالْبَعِيدَيْنِ رَغْمَ أَنَّ الْمَسَافَةَ بَيْنَ الْبَيْتِ وَبَيْنَ حَضِّ أُمِّهِ وَأَخَوَاتِهِ لَمْ تَكُنْ كَبِيرَةً, لَكِنَّهُ شَعَرَ بِبَعْضِ الْغُصَّةِ فِي حَلْقِهِ وَنَغْزِهِ خَفِيفَةً فِي صَدْرِهِ، وَشَعَرَ أَنَّ أَقْدَامَهُ لَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تَحْمِلَاهُ حِينَمَا رَأْيُ شَجَرَةِ الزَّيْتُونِ الَّتِي أَمَامَ بَيْتِهِ قَدْ ذَبِلَتْ أَوْرَاقُهَا وَجَفَتْ أَغْصَانُهَا فَتَسْأَلُ عَنِ السَّبَبِ قَالُوا إِنَّ مَنْ كَانَتْ تَرْعَاهَا مَرِيضَةً مُنْذُ فَتْرَةٍ وَهِيَ تُعَانِي سُعَالٌ مِلْحًاً وَحُمْرَةً فِي عَيْنَيْهَا وَذَلِكَ حِينَمَا اشْتَبَكَتْ مَعَ الْعَدُوِّ حِينَ خُرُوجِهَا فِي مُظَاهَرَةٍ مَعَ أَصْدِقَائِهَا فَأَصَابَهَا مَا يُصِيبُ أَقْرَانَهَا مِنْ الْغَازِ الْمُسِيلِ لِلدُّمُوعِ، وَهِيَ الْآنَ حَبِيسَةُ الْفِرَاشِ فيَ الْمَنْزِلِ, لَكِنَّ الْغَرِيبَ أَنَّ رُفَقَاءَهَا انْتَهَوْا مِنْ وَعْكَتِهِمْ الصِّحِّيَّةِ, وَهِيَ مَازَالَتْ عَلَيَّ حَالُهَا فَقَالَ لَهُمْ الْمُ تَعَرَّضُوهَا عَلَيَّ طَبِيبٌ أَجَابَتْ أُمُّهُ حَدَثَ وَلَكِنَّهَا لَمْ تَسْتَجِبْ لِلْعِلَاجِ وَانْتُمْ لِمَاذَا تَرَكْتُمُ الشَّجَرَةَ هَكَذَا دُونَ رِعَايَةٍ قَالُوا لَمْ نَنْسَاهَا لَكِنَّهَا كُلَّمَا رَوَيْنَاهَا بِمَائِنَا ذَبِلَتْ أَكْثَرَ وَأَكْثَرَ فَتَوَقَّفْنَا عَنْ رَيّهَا حَتِّي لَا تَمُوتَ, دَلَفَ إِلَي الْمَنْزِلُ شَعْرَ أَنَّ الْمَنْزِلَ قَدْ ضَاقَ هَذِهِ الْمَرَّةَ أَكْثَرَ وَأَكْثَرَ عَنْ السَّابِقِ، وَشَعَرَ أَنَّ الْحَوَائِطَ قَدْ طَالَهَا التَّصَدُّعُ، رَغْمَ أَنَّ الْبِنَاءَ فِي ظَاهِرَةٍ جَدِيدٍ كَأَنَّهُ يُخْفِي جِرَاحًا لَازْمَنْهُ من ازمنة بَعِيدَةً تُرِيدُ أَنْ تَنْفَجِرَ بِالْبُكَاءِ تَأْمُلُ الْبُرْوَازَ الْفَارِغَ ذِي الشَّرِيطِ الْأَسْوَدِ وَتَسْأَلُ لِمَاذَا لَمْ تَضَعُوا فِيهِ صُورَةَ وَالِدِهِ الرَّاحِلِ فِي احْدَيِّ اشْتِبَاكَاتِهِ مَعَ الْعَدُوِّ كَانَ يَوْمًا مَهِيبًا ً,مَازَالَتْ صُورَةُ وَالِدِهِ تُطِلُّ بِرَأْسِهَا مِنْ ذَاكِرَته الصَّلْدَةِ حِينَ كَانَ عَائِدًا مِنْ عَمَلِهِ, وَاسْتَوْقَفَتْهُ شُرْطَةُ التَّفْتِيشِ وَسَأَلُوهُ عَنْ هُوِيَّتِهِ وَعَنْ مَكَانِ عَمَلِهِ ثُمَّ أَمَرُوهُ أَنْ يُخْرِجَ كُلَّ مَا فِي جَيْبِهِ مِنْ أَمْوَالٍ، فَلَمَّا رَفَضَ إِعْطَائَهُمْ إِيَّاهَا, انْهَالُوا عَلَيْهِ بِالضَّرْبِ الْمُبَرِّحِ حَتِّي فَقِدَ وَعْيَهُ، وَعِنْدَمَا أَفَاقَ وَجَدَ نَفْسَهُ أَمَامَ بَيْتُهُ مُضَرَّجًا فِي دِمَائِهِ وَأُمِّي تَبْكِي وَتَنُوحُ عَلَيْهِ وَمَا أَنْ اسْتَعَادَ عَافِيَتَهُ حَتِّي عَادَ إِلَيَّ عَمَلُهُ وَفِي أَثْنَاءِ الْعَوْدَةِ, كَانَ قَدْ هَيَّئَ نَفْسَهُ لِمُحَاسِبِهِ مَنْ هَانْوُوهُ وَكَالُوا لَهُ السِّبَابُ وَأَوْجَعُوهُ ضَرْبًا وَفِي نَفْسِ نُقْطَةِ التَّفْتِيشِ الْمُعْتَادَةِ انْزِلْهُ الضَّابِطُ كَيْ يَسْأَلَهُ عَنْ هُوِيَّتِهِ وَعَنْ مَاذَا يَحْمِلُ فِي هَذَا الْكِيسِ الْأَسْوَدِ, وَقَبْلَ أَنْ يَضَعَ يَدَهُ فِي الْكِيسِ كَانَ قَدْ احْتَضَنَ الضَّابِطُ لِيَنْفَجِرَا مَعًا، وَيَكُونُ الْمَشْهَدُ مُرَوِّعًا تَنَاقَلُهُ وَسَائِلُ الْإِعْلَامِ الْمَرْئِيَّةُ وَالْمَسْمُوعَةُ عَنْ انْتِحَارِ عَامِلٍ وَمُوَاطِنٍ فِلَسْطِينِيٍّ ضَاقَ ذَرْعًا مِنْ رَفَاهِيَةِ الْعَيْشِ فِي بَلَدِهِ فَأرّادَ أنْ يُجَرِّبُ بَلَدَهُ أُخْرَي يُسَمُّونَهَا الْمُسْلِمِينَ وَالْعَرَبَ الْجَنَّةَ, أَفَاقَ مِنْ شُرُودِهِ عَلَيَّ صَوْتُ أَقْدَامٍ تُجَرْجِرُ فِي الْأَرْضِ كَانَتْ بِنْتَ عَمِّهِ رَآهَا مَرِيضُهُ ذَابِلَةً مِثْلُهَا مِثْلِ الشَّجَرَةِ تماماً. اسْمَعْهَا احْدَي قَصَائِدِهَا الَّتِي يَحْفَظُهَا عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ عَنْ وَطَنِنَا الْجَمِيلِ الْمُحْتَلِّ وَعَنِ الْأَمَلِ فِي الْغَدِ وَالشَّمْسِ الَّتِي تَمْسَحُ دَمْعَةَ اللَّيْلِ وَعَنِ الْقَمَرِ الَّذِي كَانَ يَغَارُ مِنْ جَلْسَتِهِمَا تَحْتَ شَجَرَةِ الزَّيْتُونِ. وَرَغْمَ صَوْتِ الْمَدَافِعِ وَصَوْتِ الرَّصَاصِ كَانَ جَرَسَ مُوسِيقَى قَصِيدَتِهَا يَعْلُو وَيُطْلَقُ بِخُورِ النَّشْوَةِ فِي أَعْضَائِنَا كَأَنَّ الْكَوْنَ لَيْسَ فِيهِ سِوَانًا, لَيْسَ فِيهِ نِفْطُ تَفْتِيشٍ وَلَا أَسْوَارٌ شَائِكَةٌ, وَلَا عَدُوٌّ مُغْتَصَبٍ ، وَلَا قَنَوَاتٍ وَلَا شَاشَاتٌ تَزُورُ التَّارِيخَ لِصَالِحِ الْمُغْتَصَبِ, صَوْتَ الْآذَانِ الْمُتَهَدِّجِ الْقَادِمُ مِنْ الْمَسْجِدِ الْأَقْصِيِّ قَطْعُ دِفْئِ الْكَلَامِ وَالذِّكْرَيَاتِ، الْأُمُّ تَجْذِبُ أَطْرَافَ الْحَدِيثِ نَحْوَهَا ذَقْ يَا بَنِي طَعْمٍ الْخُبْزُ الطَّازِجُ الْخَارِجُ تُواً مِنْ تَنُّورِ الْفُرْنِ وَحَدَّثَنِي مَاذَا سَوْفَ تَفْعَلُ فِي الْغَدِ؟ وَفِي مُسْتَقْبَلِكَ ؟لَكِنَّ صَوْتَ الرَّصَاصِ وَ ضَجِيجَ الْمِرْوَحِيَّاتِ يَحُولُ دُونَ سَمَاعِ الْأُمِّ لِحَدِيثِ وَلَدِهَا وَكُلَّمَا حَاوَلَتْ الْأُمُّ رَفْعَ صَوْتِهَا كَيْ تَسْمِعَ ابْنَهَا ازْدَادَ صَوْتُ ازِيزِ الطَّائِرَاتِ وَالْمِدْفَعِيَّاتِ حَتَّي بُحَ صَوْتُهَا دُونَ جَدَوِي


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى