

ترنيمة الماء والبارود
بوْحٌ تحدَّرَ مِن عَلْيائِهِ فَعَلَا
لَم تُدرِك الشَّمسُ أَنَّ الليلَ قد أَفلَا
تتلوه فاتنة صلى الزمان لها
مَن يُقنِع النَّايَ أَنْ يَستنكِف الْقُبَلَا
كَم سامَرت أَرقًا واستَجوبت طَللا
واستأنستْ كُتبٌ قد شُيِّبت جدَلا
صفراءُ مثل رُؤى لم تَنقلِب ذهبا
وَالقمحُ حنطته تستنجِِد البطلَا
سَبعٌ عجاف عصرن الدمعَ فانفطرت
سُحْبُ السماء وبعضُ الشُّهْبِ لن تَصِلا
في رعشةٍ مَسَخَت وجْه السماءِ فلا
يأْتيكَ يوسُفُها إلّا ليَرتحِلَا
لَقَّنت أَبْجَدياتِ الحُبِّ أَنَّ دَمِي
حِبْْرٌ نُبُوءَتُه تَعْلُو بمن سَفلَا
أَنِّي ارْتَوَيْتُ بِقُدَّاسٍ يَبِضُّ تُقى
ولستُ أبذُله إلا لمن بَذَلَا
أَوْحَيتُ في خَلَدِ الأمطارِ أُحجِيتي:
ما حُجَّةُ الغيثِ للأمواتِ إذ هَطَلَا
أَكتافيَ اتَّسَعتْ للأرض فانتظمتْ
في مَتنها كخيالٍ بُثَّ فاختُزِلَا
لي نزعة لبلاد ما سَتَسْكُنني
هروَلتُ أعبرُها كَي أطْوِيَ الحِيلَا
اِعزِف بِزَنبقَةِ البارُود ملتحفا
قلبًا بِجُبَّتِه قد طوَّق الزَّللَا
أُكتُبْ على عُنقِ التاريخِ أن فتى
للقُدس قد صلبَ الإحجامَ وانتَبلَا
قُمْ وانْحت الرَّملَ واخبِزْ دمعنا أمَلا
حدِّق بدهشتكَ الأُولى وَكُن جبلَا
غَازِل رُفات طَحين كُنت فَاتِلَه
أُنثر بضاحية الآتين من رَحلا
وَارْشُف دُموعَك إن الخَطب ملتهِب
مَنْ يُقنِعُ الدمعَ ألَّا يَفْرُكَ الْمُقَلَا
اِنسَ الدُّموعَ وَبِعْ وَاكْتلْ بِهَا أَلقًا
نِسيَانُ دَمْعِكَ كَم ذَا يُدْهِشُ الأَزَلَا
جَدِّف بناصيةِ الآهاتِ، خُضْ لُجَجًا
غُصْ، أَقنِعِ البَحْرَ ألَّا يَلْعَنَ البَلَلَا
أَحيِي الظَّلَامَ، تَوضَّأْ بِالضِّياءِ، وَطِرْ
عَكسَ الرياحِ وأَخرِسْ بَعدَكَ الْمِلَلَا
إِكسيرُ بَحَّتِكُم فَلتعْجِنُوهُ دَما
مَن للسَّلَامِ أَقَامَ النَّصَّ مُرْتِجِلَا
كُلُّ الذِينَ عَلَى رَايَاتِهِ انتَصَبُوا
لَمْ يَنْحَنُوا لِيَرَوْا نَارا تَقولُ "هَلاَ"
آنسْت فِي ظَعَنِي طُورًا بِوَادِ طوَى
تِلْمُودُهُم خَدَعَ التَّارِيخَ كَيْ يَصِلَا
مُوسى تَجَشَّمَ وَجهَ النّارِ فَابتُعِثَتْ
مَاءً وَلَمْ يَرِدُوا، وَالطُودُ قَدْ رَفَلَا
لَقَّنتُ بِضْعَ أَسَايَ اليومَ حِكْمتَه
وَصُغْتُ مِن عَبثِ الوَاشِينَ بِي رُسُلَا
هُنَا البَلَاءُ حَكَى لِلعُشْبِ قِصَّتَهُ
وَالغَيمُ أَجْهَشَ دَمْعًا نَزْفُهُ أُكِلَا
فَأَعْشبَتْ بِصَحَارٍ كَمْ طَوتْ عَطَشًا
والسِّندِيَانُ تَقصَّى الْموْت وَاحْتفَلَا
هُنَا نَبَتُّ وَكُنتُ الزَّرْعَ مُنْتَشِيًا
هنا تُوارِي تُرَابِي زَرعَها أمَلَا
ورقلة، فيفري 2025