تمسَّكوا بالمصاعد
هكذا هي الحياة، مليئة بالمفارقات التي لا يلتفت إليها إلا صاحب الهمة. المصاعد التي أتحدث عنها هنا، ليست تلك الآلة الصامتة التي ترفع الأجساد بين الطوابق في المباني؛ بل هي الرجال الأكفاء، القامات الموهوبة، الذين يرقونك ويدفعونك للأعلى. إنهم المصعد الحقيقي الذي يختصر عليك مسافات الأعوام بلمسة زر واحدة، لذا أقول لك: تمسَّك بالمصعد الذي يرفعك، فالصاحب ساحب.
في أي مكان تجلس؟
كثير منا يقضي أعمارًا طويلة في المكان الخطأ، ولهذا يخسر ولا يتميز، يهبط مستواه دون شعور. لهذا أقول لك: عندما تجلس في مجلس ما، توقّف لحظة واسأل نفسك هذا السؤال المصيري: هل أنا في المكان الصحيح أم في المكان الخطأ؟ هل أنا مع الشخص الصح أم مع الشخص الغلط؟ فأنت لا تطلب علاج عينيك من السمكري، ولا توضّب سيارتك عند الدهان؛ أنت تبحث عن الشخص المناسب في كل حاجياتك. فلماذا لا تختار الرجل الذي ينقلك إلى الطابق الذي تطمح إليه في مسيرتك؟ إنها عملية انتقال واعية، فتمسّك بالمصعد الصحيح ولا تهبط في المصعد الخطأ. لا تقل "مجرد دقيقة أو ساعة"؛ فكلمة الإفاقة لا تحتاج إلا لشطر دقيقة لتعيد ترتيب وعيك، والكلمة الناسفة لا تحتاج إلا لأجزاء من الثانية لترديك، فتنبه!
إنّ مجالسة المرء في وقت قصير كفيلة بغرس بذرة النور أو بث جمرة الخيبة. وإليك الحكاية ينقل أنّ أحدهم كان يعشق القراءة، وكان يختار أحد المقاهي يقضي فيه وقت قراءته، غير أنّ هذا المقهى كان يطفئ الهمم، فتخبو شعلة القراءة. غيّر هذا الرجل مكانه إلى مكتبة هادئة، يجلس فيها رجل أعمال يعمل بصمت وانضباط. لم يتبادلا الكثير من الأحاديث، غير أنّ الهمة تسربت إليه من خلال جلوسه معه فقط، فلا تستصغر هذه المفارقات، فإنّ لها عميق الأثر.
كيف تنتخب مصعدك؟
في البداية لا شك بأنك تتطلع للأدوار العليا، فمن هو رفيقك؟ هنا تكمن الحكمة. إن اخترت الشخص الخطأ، فقد اخترت نافخ الكير الذي يحرق ثيابك بجمر خيباته. وإن اخترت الرجل الصح، فقد التزمت مع حامل المسك الذي سيهديك قارورة عطره، وستشم منه الرائحة الطيبة على أقل تقدير. لهذا ننصحك بأمانة انتخب لك الرفقة الحسنة، وتخير من يضيف لرصيدك. ليس الرصيد بالضرورة رصيد أموال؛ فقد يكون علمًا أو جاهًا أو خلقًا وأدبًا، أو أي إضافة من إضافات الحياة. فإذا لمحت رجلاً متميزًا، فاقترب منه؛ فإنه إن لم يهدك قارورة عطره، فستجد منه رائحة طيبة. وإذا رأيت من هو دون ذلك، فابتعد عنه حتى لا يحرق ثيابك. إذا جلست مع المفلس، فقد ينقل إليك عدواه؛ فلِمَ لا تنتقي الناجحين لتتعلم منهم؟
يحكى أنّ طالبًا كان يجالس صديقًا لا يجيد إلا الشكوى، فأدرك مع الوقت أنّ همّته بدأت تنطفئ دون شعور. ابتعد عنه، واختار زميلًا يشبه شغفه، فارتفعت إنتاجيته وازدادت يقظته. إنّ هذا الطالب لم يتغيّر؛ فقط غيّر المصعد ليدعم أهدافه!
ارتدي كمامة الأفكار
أليس من الحمق ألا يجالس بعضُ الناس إلا المترديةَ والنطيحة؟ لهذا تنتشر بينهم الأمراض الفكرية وتنتقل أوبئة الأفكار السلبية، مهما غُلِّفت بعبارات قدسية، مثل قوله تعالى: "قُلْ لَنْ يُصِيبَنا إِلاَّ ما كَتَبَ اللَّـهُ لَنا". والسؤال: لماذا لا تضع على وجهك كمامة وأنت تجلس مع المدخنين؟ لماذا لا نغسل الأيدي بعد مصافحة ذي الوباء؟ لماذا لا نرفع شعار "النظافة من الإيمان" لا للنظافة البيئية فقط، بل لنظافة الأفكار وسلامة التفكير؟ إنّ العقول والقلوب أولى بالوقاية من الجساد.
تعلق بالمصعد النجم
وحتى لا نطيل الحديث نقول: تمسكوا بالمصاعد، لا لتهبطوا بل لترتفعوا. ولكن احذر، فقد يكون ذلك الرجل النجم (المصعد) في وقت هبوط همته أو إخفاق مسيرته؛ هنا أوقف المصعد عند أقرب طابق، وتخير مصعدًا آخر يتجه للأعلى، من الحكايات التي طالعتها أنّ ناسكًا سأل تاجرًا عن سرّ ازدهاره، فأشار التاجر إلى شريكه؛ قائلاً: “هذا هو الرجل الذي لحقته”. لم يكن الشريك يملك المال، لكنه كان يمتلك الهمة التي تصعد به وبمن حوله. لقد أغتنى هذا التاجر باقتفاء اجتهاد صاحبه، لا بماله.
ببساطة نقول: ابحث عن غصن شجرة الفاصولياء، واتبع خطوات البطل جاك لتصل إلى جرة الذهب. تمسّك بمن تراه ينمو، وتشبث بالمتسلقين إلى القمة. إنّ كل ما تحتاجه لحظة صفاء فقط؛ لتكتشف أي المصاعد يقودك للأعلى. فإذا عزمت، فتوكل. هل هذا المنهج خطأ؟ لا، بل يوجّهنا القرآن الكريم في سورة الكهف بقوله: "وَ اصْبِرْ نَفْسَكَ… وَ لا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ…". هنا نحتاج فقط لقرار: هل نُبادر صعود هذا المصعد أم نهرب منه؟ قرار في ثانية. ثم أي المصاعد هو الأوفق؟ قرار في ثانية. ثم أي الطوابق نختار؟ قرار في ثانية. قراراتنا في ثوانٍ، لكنها تحكم مسيرتنا بالكامل. فلماذا لا نتمسّك بالمصاعد؟ ولماذا نبقى في الطابق الأرضي، ونحن خُلقنا للصعود؟ فإذا أردت أن ترى مستقبلك، فانظر فقط إلى المصعد الذي تقف الآن أمامه.
