الجمعة ٢٧ حزيران (يونيو) ٢٠٢٥
بقلم مريم حسين محمود عنانزة

توقيع على هامش الجرح

أهوي ثقيلًا
كالشهادةِ في فجرِ القصيدة
أعبرُ مجازَ النارِ على يقينِ الثرى
كي لا أوقظَ ما نامَ في الحروفِ من بارود.
أسيرُ
بخطوِ الضوءِ المشكوكِ في ظلاله
كي لا تنهضَ الأرضُ
على ارتباكِ النبوءةِ
في عيونِ الشهداء.
ألبسُ وجهي
كهويةٍ صامدةٍ
في وطنٍ يحاولُ الغزاةُ
محوَه من المرآة
أقفلُ ملامحي
كهويّةٍ محفورةٍ على جدارِ الزنزانة
وأخفي نبضي
كي لا يتعرّفَ عليَّ الطاغوت
أقول:
هذا أنا...
آخرُ من تبقّى من التجربةِ
في خندقِ الذاكرة.
أمشي على خرائطِ وجعي
كلُّ خطوةٍ...
احتمالُ غيمةٍ تنهمرُ على وجهِ الأسلاك.
هكذا أسير
كأنني رسالةٌ بلا ختم
تُسجَّلُ في بريدِ الحرية
ولا تصل.
اختارني الوطنُ
كما تختارُ الأمُّ طفلَها الأخير
في حضرةِ النار
وقال لي:
انهضْ...
فالصمتُ خيانة.
فناديتُ:
تعالَ يا سيّدَ الأمل
لنسقِ الأرضَ بما تبقّى من حليبِ الجدّات
ونعلّقَ نشيدَ الآباء
على مشجبِ السماء.
هنا...
انحنتْ الملائكةُ
تُقبِّلُ جبينَ صخرةٍ
فأنبتت شهيدًا
يحملُ اسمه وردةً
في جنازةِ الريح.
هنا...
انكسر ظلُّ غزالٍ
في المرصاد
وتبعتهُ بندقيتي
إلى مداخلِ الفجر.
هنا...
جهّزتُ لحلمي سرجًا
وفتحتُ نوافذَ الله
لكنّ الفجرَ تأخّر
والفرسُ تأبى أن تستريح.
قلت:
تعالَ يا شيطانَ اللغة
نحوّل الجرحَ إلى وطن
ونكتب على الرملِ:
كلُّ بيتٍ منفى...
وكلُّ قصيدةٍ طلقة.
أنا ابنُ الحكايةِ التي لم تُكتب
ابنُ حليبِ أمّي الذي كان أدفأ من التاريخ
أعرفُ الطائرَ الذي لم يُغنِّ
وأعرفُ الحمامةَ...
التي ما زالت تبحثُ عن شرفةٍ
تُسلِّمُ عليها الريح.
تعالَ، يا سيّدَ الفقراء
لننصبَ خيمةً من النشيد
ونبني معجمًا لا يعترفُ بالحذف
ونخيطُ للحنينِ رايةً
تترجمنا إلى وطن.
فلكلِّ مقاومٍ قافيةٌ لا تُنسى
ولكلِّ شهيدٍ بيتٌ في ديوانِ الحكاية
ولكلِّ أسيرٍ قمرٌ يحرسُهُ من النسيان.
فاللغةُ بارودُنا
والقصيدةُ خندقُنا
والكلماتُ شظايا تكتبُ حرّيّتنا.
يقولُ سيّدُ السجون:
هل ترى الوطنَ من زنزانتك؟
قلتُ:
أراهُ في أنفاسِ الأرض
حين تُنبتُ حلمًا
من بين قضبانِ الصمت.
قال العابر:
هل بكيت؟
قلتُ:
بكيتُ بصوتِ الذين لا صوتَ لهم
وبدمعةِ الذين لم يبكوا بعد.
قال الشهيدُ:
هل انتهيت؟
قلتُ:
أنا البداية
التي تشتعلُ في آخرِ رصاصة.
وكلّما كَتبْتُني
أنبتني الغيابُ شجرة
وكلّما صمتُّ
تكاثرَ فيّ النشيد.
أنا السطرُ الأخيرُ
في قصيدةِ التحرير
أنا التوقيعُ
على هامشِ المجد
أنا الحرفُ
الذي لم يُنسَ
أنا شهقةُ الأرضِ
حين تنجبُ شهيدًا
يعرفُ أن الوطن
يُولد من كلمةٍ
ويُحرَّرُ بطلقة.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى