الأحد ٣١ آذار (مارس) ٢٠٢٤
بقلم محمد سمير عبد السلام

جرافيك هوائي

تجلس الآن في ذلك الفراغ المعتم على أريكة بنفسجية في الفراغ، تتأمل بعض الأصوات التي تتلاحق في تأملاتك اليومية، كل منها يقول مقطعا مبتورا، أو يروي لك جزءا من سيرتك الجرافيكية السردية الأخرى وسط طبقات الفراغ المجازي التجريدي الكثيف، أكاد أميز بعضهم أو بعضهن بصور متداخلة لا توحي بمعنى مستقر، هام لبيكيت، أنتيجوني، إيفيجينيا، إلكترا، بطل الغثيان، أو موتي بلا قبور لسارتر، ستيفن لجويس، سوزان رمزي لفرجينيا وولف، تبدو الأصوات كثيفة، أو تتولد من فجوات هوائية خلفها جبل يبدو ورقيا أو مرسوما، وقد تم تقسيمه إلى مجموعة من المكعبات والمربعات التي تبدو منفصلة ومتصلة في الوقت نفسه، يخرج من أحد المربعات ثعبان طيفي لونه بني، يبدو هوائيا ومتجسدا، ويرمقني بنظرات متقطعة، ثم أجده يخرج من داخلي، ويتصاعد مثل نغمة داخلية عميقة لا مرئية، وأجد في مكعب آخر رجلا ناريا غير محدد الملامح يتشكل مثل لهب، أو مثل شعلة ضخمة ويغوص في حقرة مظلمة ثم يخرج، ويطير في فراغه الخاص، يحترق وتخرج منه أسراب من الفراشات الزرقاء الداكنة باتجاهي، تعبرني، وتعبر المياه المظلمة التي تتحرك في تموجات بطيئة أسفل الأريكة المعلقة في الفراغ.

يتشكل الآن أمامك ذلك الرجل أو الكيان الذي يبدو افتراضيا، تكوينه يشبه الرجل، أهو ممثل؟ أم أنه يخرج من حلمي وتأملاتي؟

تكوينه مائي ملون، تتداخل فيه الدماء الخضراء، والحمراء الداكنة، والاسطوانات البنية المتحركة، وجهه مائي لا تثبت ملامحه أبدا، يبدو أولا صاحب وجه بشري وله ذلك المنقار الصلب المعقوف، أهو موت افتراضي في مسرحية؟ أم يذكرني بوجوه الفنان فرانسيس بيكون الدينامية المحتملة التي كانت تلتهم جزءا من تكويني الافتراضي فيما وراء فضاء المشاهدة، أو الحلم.

فوق يديه ورجليه تتشكل شاشات حاسوب مربعاتها منحنيات منبعجة وتميل إلى ولوج مساحات تجريدية مظلمة، ودينامية، وداخل تلك الفجوات المظلمة تستمع إلى أصوات متداخلة تكاد تتجسد في وعيك مثل أصوات الأشجار التي تمتزج بأصوات حلبة لمصارعة الثيران، وأصوات متقطعة تذكرني بوجودي في أحد أحلامي ضمن لوحة سوق العبيد ومقطع جانبي لرأس فولتير لدالي، بينما تدخل المشهد عاصفة رملية كثيفة محملة بالجماجم الصغيرة، والضحكات، والصرخات المتتابعة، بينما تنفتح فجوة هوائية أمامي الآن أجد فيها نفسي ضمن كهف قديم ويحيط بي دخان بينما أبحث عن مجموعة من الكتب، واللوحات في فراغ يقع أسفل الكهف، تجذبني الآن قوة مغناطيسية أو فجوة مظلمة في جسده الافتراضي، فأبدو طائرا، ثم أذوب في الفراغ، وأشعر بكينونتي في حلق غراب ضخم، أو أطير وسط نغمات بنفسجية داكنة تتراقص، وتتداخل، وتنسحب إلى عمق مظلم أو غرفة مضيئة ولكن إضاءتها حلمية خافتة بها رجل له نابان يمتدان إلى ما أسفل قدميه، ويصلان إلى غرفة أخرى تحت الغرفة التي نقبع فيها، وبين النابين مجموعة من النسوة، يرتدين زيا أسود، ويتحدثن بأصوات عميقة تكاد تبلغ أقصى درجات طبقة الألتو، تنشرخ الأصوات، ووتتلاحق ببطء ويتجسد فيها تنغيم مجرد مظلم، ومركب يتصل بي عبر موجات صفراء داكنة.

أطير نحو فراغ آخر، ومعي امرأة من ذوات الصوت العميق المظلم، أهو صوتي؟

نمر على فتاة ترقص حول مقبرة وتقول إنها تقوم الآن بتمثيل مس جولي في مسرحية مس جولي لسترندبيرغ، أتمثل وحدها وتدور هكذا حول القبر؟ ترقص رقصة قوطية أمامك، بداخلك، في اسطوانة برتقالية سوداء أمامك، تتصاعد صرخات مس جولى الأخرى في تكوينك الهوائي، في فجواتك الهوائية أو مياهك المظلمة، أكاد أسمع صوت الممثلة تقول:

 اخرج من مقبرتي

 اخرجي من تكويني

وتخاطب مجموعة من النسوة والغربان في مرايا تعبث أمامنا في الهواء.

أصطحب معي الممثلة في مجال مائي طويل في الفراغ، ونمر بمعبر مظلم تتجاور فيه الأزياء القوطية، وأقنعة الرعب، وأكواب شاي ضخمة أكبر من مجالنا، ونعاين من بعيد لافتة كتب عليها إلى سداسية بابل لبورخيس، نتجه نحوها وننزلق ببطء، وتتصاعد بداخلنا الأصوات المجردة العميقة، والعتيقة، والوجوه المائية غير المحددة.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى