الثلاثاء ٢٢ تموز (يوليو) ٢٠٢٥

حِينَ قَالوا لِي: لا حَظَّ لَكِ!

فاطمة محمد قطيط

حِينَمَا قَالَ لِي تِلْكَ الكَلِمَة، كأنَّ حُروفها تَسَاقَطَتْ فِي مُخَيِّلَتي رُوَيْداً رُوَيْداً، رَافِضَة العَوْدَة حَيْثُ كَانَتْ، فَتَرَسَّبَتْ ثُمَّ انْتَصَبَتْ فِي زَوَايا عَقْلي وَكَأَنَّهَا تَتَحَدَّى فِي شَيْءٍ مَجْهُول لَمْ أُدْرِكْهُ بَعْدْ، فِي ذَلِكَ الوَقْت، لَمْ أَفْعَلْ شَيْء، لَكِنَّني ابْتَسَمْتُ مِنْ داخِلِ أَعْمَاقِ قَلْبِي، وَكَانَتْ إِجابَتي مَرْسومَة بِرَضاً لا نِهَايَةَ لَهْ؛ لِأَنَّني أَعْلَمُ بِصُعوبَةِ الطَّريق الَّذي مَرَرْتُ بِه وَحْدي، فَمَا كَانَ مَسِيرُه إِلَّا كَشَخْص تَعَوَّدَ أَنْ يَعْبُرَ عَلى زُجاجٍ مَكْسور مَليء بِالشَّوَائِبْ وَالعَوَاقِبْ دُونَ أَنْ يَتَأَلَّمْ، فَلَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَحَمَّلَ السَّيْر فِي ذَلِكَ الطَّريق سِوايْ.

حِينَمَا ابْتَسَمْتُ مَرَةً أُخْرى، أَدْرَكْتُ الكَثير، لِأَنَّني أَعْلَم أَنَّني لَمْ أَنْتَظِرْ يَوْماً دَعْوَة مِنَ الحَظ لِيَطْرُق بَابي، بَلْ كُنْتُ أَنَا فِي كُلِّ مَرَةٍ أَتَجَرَأُ فِيها عَلَى طَرْقِ كُلّ الأَبْواب وَاحِداً تِلْوَ الآخَرْ، حَتَّى تِلْكَ الَّتي كُتِبَ عَلَيْها بِلَوْنٍ أَحْمَر (مُغْلَقَة حَالِياً) انْتَظَرْتُها حَتَّى أَذِنَ اللهُ لَهَا وَحَانَ وَقْتُها، وَفُتِحَتْ خِصيصاً لِي، ابْتَسَمْتُ لِأَنَّنِي فِي كُلِّ مَرَةٍ أُقابِلُ بَِها انْساناً أَعْلَمُ مَدَى الجَّهْل الَّذي نَعِيشُهْ بِسَبب تَفْكِيرهِمْ الَّذي يَأْخُذ بِهِمْ إِلى أَدْنى نُقْطَة فِي بَحْرٍ عَمِيق، أَوْ حَتَّى أَنَّهُمْ لَا يُفَكِّرون قَبْلَ التَّفَوُهِ فِي حَرْفٍ قَدْ يودي بِالمُسْتَمِع إلى هَاوية لا فِرارَ مِنْها، فَتُصَبُّ عَلَيْكَ كَلِماتهم كَمَا لَوْ أَنَّها ذَراتٍ مِنْ مَطَرٍ خَفيٍ عَتيق، وَتَسْمَعُ أَصُواتهم حِينَ تَعْلو كَلِمَةُ حَق نَطَقْتَ أَنْتَ بِهَا وَلَمْ تَلْفُظَ نَفَسَكَ الأَخِير، فَتُدْرِكُ نِهَايَتك لِأَنَّ قَوْلُ الحَقيقَة كَانَ فِي ذَاتِ مَرَةٍ مُرٌعَتِيد، لَا يَتَحَمَّلُ الإِنْسان مَذاقه، فَبَدَلاً أَنْ يَمُوت هُوَ! يَقْتُلُكَ أَنْت فِي أَرْضٍ وَدَدْتَ أَنْ تَزْرَع فِيها الوُرود، وَتَرَى اليَنَابِيعْ.

أَتَسائَلُ فِي نَفْسِي وَأَبْقَى عَلى ذَاتِ الحِيرَة: مَا هُوَ الحَظْ!

مَا هِيَ تِلْكَ الصُّدْفَة الَّتي يَنْتَظِرُهَا البَعْض كَسُقوطِ نَجْمٍ بَديعٍ مِنَ السَّماءِ فَيَلْتَقِطُونَهُ وَيُخَبِؤُونَهُ تَحْتَ الوِسَادَة! أَينْسَبُ لِلْحَظِّ النَّجَاح حِينَ يَنْدَهِشُ النَّاسُ مِنْ قَفْزَةٍ غَيْر مُتَوَقَّعة! أَمْ يَحْمِلُ وِزْرَ الفَشَل حِينَ نَعْجَزُ عَن تَفْسير الخَيْبة! أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ الحَظَّ فِي حَقيقَتِه مَا هُوَ إِلَّا عُذْر الكَسالى لا مِقْياسَ لِلْناجِحين!أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ الحَظ لَيْسَ إِلَّا أَنْتَ حِينَمَا تَنْهَضُ بَعْدَ الهَزِيمَة! وَتُعيد تَرْتِيب نَفْسك فَتَطْرُقُ باب الحَياة مِنْ جَديد! وَإِنْ لَمْ تَفْتَحْهُ لَك تَطْرُقُهُ مَرَّةً أُخْرى وَكَأَنَّكَ تَتَحَدَّى الظُّروفُ بِمَا فِيها مِنَ الوَعِيدْ؛ لِأَنَّكَ تَعْلَمُ جَيِّداً أَنَّ لَا مُسْتَحِيلَ مَعَ رَبٍّ عَظِيمْ!

أَلا يَعْلَموا أَنَّ الحَظ لا يَطْرُقُ أَبْوابَ الجَّميع، لَكِنَّهُ لا يُغْلِقُهَا أَيْضاً! وَأَنَّ مَا ذَهَبَ لِخَيْرٍ وَمَا عَادَ لَنا فَلَمْ يَعُدْ إِلَّا لِأَنَّهُ مِنْ نَصيبنا! أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ مَا يَرونَهُ حَظ بِنَظَرِهِمْ هُوَ بِنَظَرنا لا وُجودَ لَه أَمَامَ اخْتِيارات الله لِدُروبِنا!

قلْ لي:

كَيْفَ أَنْ يُتَرْجَمُ الحَظّ لِيَكونَ مَوْقِعاً حَصْرِياً لِمَصيرِ إِنْسانٍ تَرَعْرَعَ فِي أَرْضٍ لَا تُنَاسِبُه!
وَكَيْفَ أَنْ يَكُونَ الحَظّ بِمَثابَةِ إِنْسانٍ لا سَبيلَ لَهْ إِلَّا نَحْوَ قِمَّة أَبَدِيَّة يَقَعُ مِنْها وَلَوْ بَعْدَ حِين!
وَكَيْفَ لِهَذِهِ الكَلِمَة أَنْ تُتْعِبُ قَلب الإِنْسانْ لِهَذِه الدَّرَجَة؟ لِدَرَجَة أَنْ يَأْكُلَ التَّفْكيرعَقْله!

نَعَمْ، مِنَ المُمْكِن أَنَّهُمْ قَالوا لَا حَظَّ لَكِ، وَمِنَ المُمْكِن أَنَّهُمْ يُؤْمِنونَ بِهَذِهِ الكَلِمَة لِدَرَجةِ التَّمَسُكِ بِها وَتَرَدُدِها عَلى مَسَامِعك مَرّة ثَانِية وَثَالِتة ثَابِتة، لَكِنَّهُمْ لَمْ يُشَاهِدوا مَا وَراء الكَواليس، وَلَمْ يُدْرِكوا لِلْكَوابيسِ الَّتي رَأَيْنَاها عَنْ قُرْبِ عَتِيد، لَمْ يَسْمَعُوا صَوْتَ القَلْب وَهُوَ يَخْفُقُ يُوَدُّ لِلْحَظِّ أَنْ يَزُورَهُ مَرَّةً، فَلا يَتَوَقَّفُ القَلْب عَنِ الخَفْق مرةً، وَلَا يَزُورهُ الحَظّ وَهْلَةً، فَيُحَاوِل الإِنسانُ جَاهِداً أَنْ يَنْهَضَ مِنْ تَحْتِ الرَّمادِ فِي كُلِّ لَحظةٍ وَحينْ، حَتَّى أَدْرَكْتُ وَأَخِيراً أَنَّ الحَظَّ فِي حَقِيقَتِه لَيْسَ أَكْثَرُ مِنْ نَظْرَةِ النَّاس عَلى إِنْجازاتِنا حِينَ لَا يَعْلَمونَ كَمْ دَمْعَة ذُرِفَتٌ فِي الخَفاءِ، وَكَمْ خُطْوَة عَرْقَلَت طَرِيقنا الطَّويل الَّذي ظَننَّا أَنَّ لَا نِهايَةَ لَه، وَكَمْ أَخْفَقْنَا حَتَّى أَصْبَحْنَا فِي النِّهايَة لَا نَشْعُرُ بِشَيءٍ فِي قَلْبِنا، وَلَكِن فِي النِّهايَة كَانَ ربُنا شَاهِداً عَلى مُحاوَلَاتنا أَجْمَعُها.
لَمْ تَكُنْ المُحَاوَلَة مَرَّةً وَاحِدَة بَلْ تَعَدَّتْ اللانِهايَّة.

فَعَبَثاً يَقُولونَ لا حَظَّ لكِ، الحَظُّ لَيْسَ بِالنَّجاح، لأَنَّ النَّجاح الحَقيقي أَنْ تُدْرِك فِي واحِدة مِنَ الدَّقائِق أَنَّ لا وُجودَ لِلْحَظ، وَإِنَّمَا هِيَ مَشِيئَة الله، وَقَدَرٌ مِنَ الله، أَنْ يَتَّكِئ الإِنْسان فِي هَذِهِ الحَياة عَلى أَقْدارِ اللهِ المَكْتوبَة لَهْ، وَيَنْعَمُ فِي تَقَبُلِها، وَالحَمْدُ عَلَيْهَا، فَإِنْ رَضَيْتَ يَا إِنْسان مَا كُتِبَ لَكْ! أَرْضاك رَبُّ العَرْشِ العَظيم بِشَيْءٍ سَيُدْهِشُكَ وَلَوْ بَعَدَ حِينْ.

فَحِينَ قال لِي: لا حَظَّ لَكِ!

(انْبَثَقَ ضُوءً مِنْ عُمْقِ الظَّلام، وابْتَسَمْتُ مِنْ داخِلِ الأَعْماق؛ لِأَنَّني كُنْتُ عَلى عِلْمٍ أَنَّ لَا وُجُودَ لِلْحَظِّ وَلَوْ عَلى بُعْدِ أَمْيال، بَلْ كَانَ كُلَّ ذَلِكَ مِنْ إِرادَةِ اللهِ وَمُرادِهِ وَقَدَرِه)

فاطمة محمد قطيط

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى