

سروالُ المنامة
كان لديه منذ سنوات بعيدة ومخصصاً للمنزل والنوم. لونه كحلي، قويّ متين القماش. توسّع مطاطه الضعيف رديء النوعية من المنتصف، فظل يسحل عن خصره كلّما ارتداه. وضعه جانباً لا يدري ماذا يفعل به بعد فشل محاولاته لإصلاحه.
بقي مهمَلا لشهور حتى أنه فكّر في التخلّص منه. ولكنه كان يرى نفعاً فيه خاصة وأن قماشه من النوع المتين لم يعودوا ينتجون مثله، فأبقى عليه.
وحيداً في الطريق يمشي على بطء ويغرق في خواطره عن الناس.. الذين تصيبهم ابتلاءات بعضهم يصبر عليها يطلبون من الله الأجر، وغيرهم مستسلمون لقدرهم. البعض لا يقوى على الاحتمال فيموت أو يهرب، أو يموت وهو يحاول الهرب.
فئة من البشر في العالم، أعداء وأصدقاء ومتفرّجون وعاجزون، ينتفعون. لطالما كانت مصائب قوم عند قوم فوائد، فإكمال سحق البيوت بالجرافات، عن سابق قرار وإصرار، المنازل التي لم تجهز عليها تماماً القنابل والصواريخ، صار مهنة مستعجلة يطلبون لها علنا موظفين بل ويجزلون الأجرة..
وامتدّت البطالة المستحكمة لتطاله أيضاً، هو الذي يعيش في مدينة بعيدة.. هناك مئات الملايين من البشر مثله، في دول فقيرة خانعة أو أخرى محاصرة.. حمد الله على ما لديه ويفتقده آخرون.
كان غارقاً في خواطره: المارة يمضون في حيواتهم اليومية رغم كل شيء. قد يشعرون بالأسى والحفاظ على النفس أولى. مهما كانت الكارثة واسعة سحيقة، فالاعتياد عليها -إذا استمرت- يجعلها خبراً يوميا لغير الذي يعيشها. هذه هي الدنيا، وعلى كل امرئ أن يتدبّر نفسه، في ظروفه.
لمح على بقعة أرض تجاور حجارة متداعية لسنسلة على الرصيف، بنطالا نسائيا مرميا على الشوك ذا خاصرة عريضة. كان بحالة جيدة. خطر على باله سروال منامته مترهّل الخاصرة، فلم يفكّر فيمن يراه بل مضى اليه وانحنى ليلتقطه بسرعة. بحث عن قطعة زجاجة مكسورة. فكّ الغرز واستخرج منه المطاط.
عصراً نجحت خطته..
أكمل آخر غرز الإبرة التي آوى الخيط فيها بصعوبة.. لقد كبر وتغيّرت أفكاره، اقترب من الكهولة ولم يشعر بالحرج أو الخجل، لا يفرّط فيما لديه بسهولة.
ثم ارتدى الكهل، الذي يعيش وحده في بيته القديم، السروالَ بعد طول إهمال. مشى به فرحاً متحققاً أنه ينطبق على وسطه جيداً، ولن يتمزّق بسهولة. لقد وفّر ثمن سروال ويحتاج إلى المال أكثر من أجل الطعام.