

موت النقد الأدبي وتفاهة «القراءات»
في مقررات تخصص الأدب العربي الجامعية، لن تجد شيئاً اسمه: قراءة أدبية، أو عرض. إنها ابتكارات أوجدتها الصحافة الورقية وتاليا الرقمية خاصة مع كثرتها والحاجة لملء مساحات (ناهيك عن مواقع التواصل الاجتماعي)، في علاقتها النفعية والتجارية والشكلية (وهناك ضرورة معرفية) لمواكبة كتب صادرة من مختلف أنواع العلوم والفنون. وهذه القراءات/ العروض إما أن تكون تكليفاً من جهة، أو تطوعا، أو أوتوماتيكية.
في الحالة الأولى تكون هناك مصلحة من نوع ما للإشارة إلى كتاب بعينه، فيكلّف أحدهم بالكتابة عنه، وفي الحالة الثانية يبادر شخص من تلقاء نفسه لأسبابه وغايته في نفسه، وفي الثالثة تكون جهة النشر قد جهزت "المواد" ضمن تكتيكات الإيهام، للتسويق والدعاية الصناعية قد يشارك فيهما صاحب الكتاب نفسه، وأصحاب المساحات الفارغة لن يخسروا شيئاً من نشر المادة، طالما يوجد اسم يسندون المادة إليه ولا تعبر عن السياسة التحريرية.
عرض الكتاب يمكن القول أنه آلي يحتكم إلى موضوعية ما، كعدد النصوص/ الصفحات، والمقدمة/ الغلاف واقتباس جزء من الكتاب أو قول عنه، وصورة عن الغلاف إضافة إلى بيانات النشر كالدار ونبذة عن المؤلف والمكان وما حظي به الكتاب أو مناسبته.
أما "القراءة" فهي التفاف مبهم لا يقول شيئاً بعينه، ويمكنه زعم أي شيء.
إنه في الحقيقة مقال رأي جزئي لا يمكن مناقشته، ولأنه كذلك فغالباً ما يُدبّج فيه المديح أو الكلمات العامة التي ليس فيها ما تُسند إليه، ولا يمكن التحقق من مصداقيته، وليس له منهجية محددة. فقط ضجة من نوع ما، يفتعلها كثيرون على اعتبار أنها صدى إعلامي أفضل من وجهة نظرهم من الإهمال، ويعتزّ بها الكاتب مسارعا لعرضها على بيئته ليوهم بأهميته وأهميه كتابه ويزهو.
أما أصل "القراءة الأدبية" فهو من المقالات الانطباعية عن الكتب الأدبية، لكن لعجز عن امتلاك أدوات النقد الأدبي وعدم التخصص والرغبة في تجنّب العبء الدراسي/ البحثي المطلوب خاصة عند عدم القدرة على النقاش والإثبات، فيقوم "القارئ/ الكاتب" بفبركة نقطة أو أكثر لمقالته يسقطها على الكتاب مع شيء من الإشارة لمتنه، تتضمن انطباعاته السريعة. ولأنه لا يستطيع المحاججة النقدية فيقدمها بصيغة "قراءة" ليس فقط غير ملتزمة بشيء، بل ويمكنها التغيّر بعد مدّة، كما هو معروف نقدياً، فالذائقة/ الانطباع قابلان للتغير مع الزمن.
إنها تشبه "المنشور" أو البوست، في زمن مواقع التواصل الاجتماعي
ويمكن لأي شخص، حتى لو كان عاديا كما في الفيسبوك، أن يقدم قراءته مستعينا بالنسخ واللصق أو الذكاء الصناعي وتدبيج العبارات السهلة.
بينما النقد له أصول ثابتة ومدارس ومنهجية في العرض والإحالة والطرح والإثبات والتقييم.. الخ. لكن مَن يستطيع من القرّاء تقدير قيمة/ تحمّل موضوع محدد من 15 صفحة نقدية -كحد أدنى- عند تناول كتاب واحد؟؟ من مِن النقاد حقاً يستطيع التصادم مع ادّعاءات كتابية من السهل أن تتكالب ضده في مجتمع ثقافي ضيق أو تتواطأ أو تتسبب له بسمعة سيئة تؤثر على وظيفته ودخله وعلاقاته؟
منهجية البحث العلمي ستظل ثابتة مهما استجدت تطورات وإضافات، لكن النقد الأدبي شهد تراجعا وتناقضات ومصائب تدفعني للقول بـِ: موت النقد الأدبي.
يكفي أنه لا يجرؤ على التصدي للملامح الفنية للجنس الأدبي الذي ينتسب الكتاب إليه ويقول بعمومية: نص. الأخير ينطبق على وصفة طبية وخبر ونكتة وآية قرآنية بل على أي وحدة لغوية رأيناها مستقلة.
شاهدت (ناقدين) عربيين أصحاب درجات أكاديمية في لجنة تحكيم مسابقة أدبية بعينها فُضِح أمرهما أمام الملايين، الأول أخطأ في النحو، والثاني في البحر العروضي.
ولا أريد التطرّق لأسماء (نقدية) فلسطينية أعرفها شخصياً وأخذت موقفا منها، لكن حالها أسوأ من حال الناقدين السابقين. والخلاصة التي انتهيت أن النقد -في المؤسسات والجامعات والصحف والمواقع- يلعب دور الصحافة، بينما تورطت الصحافة المستندة على الخبر والاستقصاء في الدعاية والإعلام.
الجنس الأدبي؟؟
ليس هناك إجماع واحد عصري عليه، وهو في الغالب، الموجود منه، إسفاف وتقليد/ تأثّر وضجة مفتعلة في حيّز اجتماعي ضيق، مع عدم قدرة غالبية المتلقين على التفريق بين الحنطة والزوان.