الاثنين ١ آذار (مارس) ٢٠٠٤
بقلم ميساء قرعان

صور من الشيزوفرينيا العربية

على مسرح صالة الأرينا في عمان وفي عروض ليست بعيدة عن حالة الشيزوفرينيا التي استفحلت في توجهاتنا وقناعاتنا ، كان الفارق الزمني بين الترتيب لحفل المغني براين آدامز ومحاضرات الداعية عمرو خالد لا يتجاوز بضعة أيام ، فكلا الضيفين نجوم ولكليهما محبون مع فارق توظيف كل منهما لموهبته ففي حين اتجه براين نحو الغناء اتجه عمرو خالد نحو فن جديد يجمع بين الفن والدين في آن معا وباستطاعتنا القول أن لهذا الداعية الحق في ريادية فن(مسرحة الدين) غير أن الشاهد الذي قد يتعذر إثباته على أننا نحيا حالة من الانفصام هو احتمالية أن يكون جمهور الأول هو ذاته جمهور الثاني وهذا لا يفسر بتعدد الاهتمامات بل بوجود خلل متأصل في الحاجات النفسية لدى الجمهور ووسائل إشباعها أو التعبير عنها ، فتارة تتمثل بالرقص والهياج وتارة أخرى بالبكاء والتباكي إنها الشيزوفرينيا العربية والتي تكاد تشملنا جميعا ، فالتناقض على المستوى الفردي وفي ظاهرة ربما تكون فريدة من نوعها يظهر بحلة أخرى على المستوى الجماعي ، أما آثاره فهي كثيرة وليس أسوأها غياب الخط الوهمي الفاصل بين الصواب والخطأ والمقبول وغير المقبول والمبرر وغير المبرر، فكل التوجهات والظواهر قابلة للتطويع والترويض بما يكفي لإلباسها الثوب الذي نريد ، لكن محاولات تطويعها أو كسر عنقها لا يفسر بأي حال بمهارتنا في اكتساب ملكات النقد الموضوعي المبني على إنكار الأحكام المطلقة والمسبقة والمعيارية ، بل يفسر بالخواء الفكري والوجداني الذي يصلح لأن يكون بيئة ملائمة لاستنبات الكثير من الإعاقات على مستوى الفرد والجماعة وطرق التأقلم معها واستحسانها أو إدمانها لاحقا

صور كثيرة تلك التي تعبر عن حالة التخبط وانقلاب الموازين إذا ما افترضنا بأنها كانت بوضع سليم في أزمنة غابرة
إحدى صورها اتجاه أحدهم لانتاج مسلسل تلفزيوني يوثق فيه بطولاته التي لا تعني أحد سواه في رؤية ذاتية وتلفزيونية مشوهه هدفها تجميل ما لم يكن ولن يكون جميلا

إحدى تلك الصور أيضا اجتماع قناتين متطرفتين في الاتجاه الديني والانفتاح معا على القمر العربي ذاته ، أحدهما تتجه إلى هداية المرأة وإدانتها وتكبيلها استنادا إلى مقولات تتعلق بحواء العربية وأخرى أو أخريات تتجه إلى إنتاجها و تسليعها والترويج لها أو من خلالها واستنادا إلى المقولات ذاتها بدوافع مختلفة ، أما حضور إعلاميين مرموقين أو هكذا يفترض أن يكونوا ضيوفا على البرامج من النوع الثاني فهو أيضا بفعل الشيزوفرينيا العربية وإغراءاتها وإملاءاتها التي تتيح التبرير المناسب في الوقت المناسب فتجمل القبيح من الاتجاهات .

كانت آخر صورة وقعت عليها عيناي من صور الشيزوفرينيا هي اجتماع عمودين في الصفحة ذاتها لكاتبين من كتابنا أحدهما يتغلغل في عمق مآسينا السياسية والاجتماعية والآخر معني بالخوض في تشطيبات الشقق السكنية والمشكلات التي تواجه ساكنيها بدءا من المغسلة والزرفيل وانتهاءا بصلاحية الأسقف للوقاية من المطر، وثمة صور أخرى في طور الإنشاء .......


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى