غرَق
فليباس الفينيقي، ميتٌ مذ أسبوعين..
نسيَ صياحَ النوارس، عواصفَ البحار العميقة
نسي الربحَ والخسارة.
في أغوار البحر،
يقلب التيارُ عظامَه في غمرةٍ من الهمس.
مرّ، في تقلبه بين الصعود والهبوط، بمراحل حياته
وبشبابه لما ابتلعته الدوامة.
حنيفاً كنتَ أومشركاً
أنتَ، يا من تدير الدفّة، وتنظر ناحيةَ هبوب الريح
اعتبر مصير فليباس الذي كان وسيما، فارعَ الطول مثلك.
[1]
ماذا قال الرعد
بعد وهج الشعلة الأحمر على
وجوهٍ تتصبب عرقا
بعد الصمت الصقيعي في الحدائق،
بعد تباريح الألم في البقاع الصخرية،
بعد الصراخ والعويل،
السجن والقصر
وصدى
رعود الربيع فوق الجبال البعيدة..
صار الذي كان حيا ميتا الآن
[2]
والآنَ نموت نحن الذين كنا أحياء
بقليل من الصبر
لا ماءَ هنا، لا يوجد غير الصخر
صخر ولا ماءَ ودربٌ رملي
الدربُ يلتف صعودا بين الجبال
والجبال صخور لا ماء فيها
لوكان هنا ماء لتوقفنا وشربنا
المرءُ لا يستطيع أن يتوقف أويفكر بين الصخور
قد جف العرق وغاصت الأقدام في الرمال
لوأن وسْط الصخر ماءً
وسطَ الصخرِ،
الجبل ِ الميت ذي الفم النخِرَة أسنانه الذي
لا يسطيع أن يمج ماءً
هنا لا يستطيع المرءُ أن يقف أويجلس أويتكئ
حتى الصمت غادرَ الجبال
ما من شيء سوى
رعدٍ كاذب ٍ عقيم ولا مطر
حتى الوحدة هجرت الجبال
ما من شيء سوى
وجوه عابسة محمرّة تزمجر ناظرة شزرا
من أبواب بيوت طينية متصدّعةِ الجدران
لوأن ثمة ماءً
ولا صخرَ
لوأن ثمة ماءً وصخرا
وماءً،
وعينا
وبركة وسط الصخر.
لوأن ثمة طبطبة ماء فقط
لا صريرَالجندب
وخشخشةَ الزرع اليابس،
صوتَ ماءٍ يسيل فوق الصخور
حيث يزقزق طائر الناسك المغرد بين أشجار الصنوبر
قطرةٌ قطرةْ، قطرةٌ قطرةْ، قطرةٌ قطرة
لكنْ ليس ثمة ماء.
من ذا الذي يمشي قربك دائما؟
عندما أعدّ لا أجد غيرَنا، أنا وأنت معا
لكنْ عندما أنظر قدامي إلى الطريق الأبيض
ألمح دوما شخصا آخر يمشي جنبك
يتدحرج متدثرا بمعطف أغبرَ، وهوملثم
لا أدري إن كان رجلا أوامرأة
...من ذا الذي أراه على جانبك الآخر؟
ما ذاك الصوت في السماء؟
غمغمة أمهات ينُحنَ
من أولئك الملثمون الذين تعج بحشودهم السهول المترامية
وتتعثر خطاهم بشقوق الأرض المتصدعة
لا يكتنفهم إلا الأفقُ المنبسط....
ما تلك المدينة فوق الجبال
تتصدع، تُرمّم، تنفجر متطايرة في الهواء البنفسجي
أبراج تتهاوى..
القدس أثينا الإسكندرية فيينا لندن
أوهام كلها.
انداحَت ضفائر شعرها الأسود الطويل
عزفت موسيقى هامسة على الأوتار
فهسهست وطاويطُ بوجوه الأطفال في الضوء البنفسجي، وجعلت تخفق بأجنحتها
ثم زحفت منكسة رؤوسها اتجاه حائط مُسودّ..
كانت الأبراج معلقة في السماء بالمقلوب
تقرع نواقيسَ الذكرى
التي كانت تحصي الساعات
تجاوبت بالغناء أصواتٌ انبعثت من الصهاريج الفارغة
والآبار الناشفة
في هذه الحفرة المتعفنة وسْط الجبال،
في ضوء القمر الخافت، يتغنى العشب
فوق القبور الدارسة وحول المعبد الصغير
والمعبد خاوتسكنه الرياح
ليس فيه نوافذُ
والباب يتأرجح
إنّ العظام الناخرة لا تؤذي أحدا
لم يكن هناك سوى ديك وحيد وقف على السقف صائحا
كوكوريكوكوكوريكو..
وفي لحظة
أومض البرق
اجتاحت الأرجاءَ هبة باردة
وانهمر المطر
كان الغانج غائرا، والأوراق الخائرة
تنتظر
هطول المطر، بينما كانت الغيوم السود اء
تتجمع في المدى البعيد، فوق هيمافانت..
جثت الغابة، تكوّمت تترقب في صمت.
ثمت نطق الرعد...
(عطاء):
ماذا أعطينا
أيْ صديقي، بالدم يرتجُّ قلبي
هول جسارتنا في استسلامنا للحظة مجنونة
لا يمحوه دهر من الحذر
بذا، وبذا فقط عشنا
لكن ذلك لن يُذكر في مراثينا
أويسجل في ذكرياتٍ واهية ينسجها العنكبوت المفضال
أوفي وصايانا التي سيفض ختمَها
في غرفنا المهجورة، محامٍ هزيل.
دا
(تراحم):
قد سمعتُ المفتاح
دار في الباب مرة، مرة واحدة فقط
كلّ ٌ في سجنه يفكر في المفتاح
وبالتفكير في المفتاح يعمق كلٌّ منا سجنه
عند قدوم الليل فقط، تحيي
كوريولانوسَ الكسير همساتٌ أثيرية لبرهة من الزمن،
دا
(حلم):
أجاب القاربُ بمرح
كان البحر هادئا، مطواعا ليد عارفة
بالشراع والمجداف.
لكان قلبك سيجيب مرِحا
، لدى دعوته، ويخفق طيّعا للأيادي الناصحة
جلستُ على الشاطئ أصطاد
أما عليّ أن أبثّ النظام في أراضيّ على الأقل
جسر لندن يتهاوى يتهاوى يتهاوى..
ثم غاب في اللهب المطهِّر
متى أصبحُ مثل السنونو،
أيها السنونو، أيها السنونو
أميرُ أقيطانية عند أطلال القلعة..
لقد أسندت إلى هذه الشظايا أطلالي
كما تشاءون إذن. جُن هيرونيمومرة أخرى.
[5]
عطاء، تراحم، حلم
سلامٌ يفوق إدراكَ البشر
سلامٌ يفوق إدراكَ البشر
سلامٌ يفوق إدراكَ البشر