لعبة شطرنج
كان الكرسي الذي جلستْ عليه، كالعرش المنمق [1]ينعكس ألقه على المرمرحيث المرآة، تحملها أعمدة نقشت فيها كروم تتدلى عناقيدهاأطل منها ملاك ذهبي [2]وآخرُ حجب عينيه بجناحه..ضاعفت المرآة شُعَلالشمعدان ذي الأغصان السبعةانصب النور منها على المائدةفتسامى بريق حليها ليلقاهتسامى منسكبا من حقائب الحريروافرَ الألق وثيرَ الاندفاق...من قواريرَ عاجيةٍ وزجاجيةٍ ملونة فاغرةِ الأفواهفاحت عطورها الممزوجةمرهمية ً، مسحوقة ً، سائلة ً، مضطربة ً ... حائرةتـُغرق الحواس في الروائح، ينشرها الهواءُإذ يهب عليلا من النافذة.تصاعدتْتنفخ شعلَ الشموع المتطاولةقذفت بدخانها إلى السقف الخشبيباعثة الحياة في أشكاله المنحوتة:أعشاب بحرية ضخمة مشبعة بالنحاسالمصهور أخضرَ وبرتقالياً .. يحفه حجر ملونوفي ذلك الضوء التعس يسبح دلفين منحوت.وفوق الرف العتيق على المدفأة ..، وكأن نافذة أشرعت على منظر في الغابة، كان مشهداغتصاب الملك البربري فيلوميلا [3]بكل فظاظته.وحتى هناك ملأ البلبل الصحراء بصوت لا ينتهك ...و..بكت وبكتويتابع العالم، لا يزال،" زق زق " لآذان قذرة.حكت الجدرانأشكالا خشبية أخرى من الزمن،أشكالا ذاوية،تحدق، تبرز عن محيطها،تميلتطبق الصمتَ على الغرفة.تـَردّدَ صدى خطى متثاقلة على السلم.تحت وهج الموقد، تحت ملمس المشطتطايرت خصلات شعرهاحبيباتِ سناتوهجت كالكلماتثم غرقت في سكون موحش.أعصابي ليست على ما يرام الليلة، نعم ليست على ما يرامابق معي. حدثني، لمَ لا تتكلم أبدا. تكلمما الذي تفكر فيه، فيمَ تفكر؟ فيم؟لا أدري ما الذي تفكر فيه أبدا، فكـِّرأظن أننا في زقاق الجرذانأين فقد الموتى عظامهم.ما هذه الضجة؟نواح الريح تحت البابما هذه الضجة الآن؟ ماذا تفعل الريح ؟لا شيء، مرة أخرى، لا شيء.ألا..تعلم شيئا، ألا ترى شيئا، ألا تذكر شيئا؟؟؟أذكرُهذه اللآلئ التي كانت عينيه.أأنت حي أم لا؟..ألا شيء في خلدك؟سوى...آه تلك المعزوفة الشيكسبيرية الحديثةأنيقة جداذكية جداماذا أفعل الآن؟ ماذا أفعلسأُهرع خارجا في هيئتي هذه، أمشي في الشارعوشعري مسدول إذن. ماذا نفعل غدا؟ماذا نفعل سائرَ الأبد؟حمام ساخن في العاشرةوإذا أمطرت، سيارة مغلقة في الرابعةسنلعب الشطرنجنغمض أعينا بلا أجفانوننتظر دقة على الباب.*عندما سُرِّح زوج ليل من الجيش، قلتُ لهالم أداهنها، قلت لها بنفسي- أسرعوا رجاء فالوقت يداهمنا_آلبرت عائد، تزيني قليلاسيود أن يعرف ماذا فعلت بالنقود التي أعطاك إياهالترّكبي طقم أسنان.قد فعل والله، كنتُ هناكقال لك "اقلعيها كلها يا ليل واتخذي طقما حسنافأنا لا أحتمل النظر إليك، أقسم على ذلك."قلتُ، ولا أنا أستطيع،فكري في آلبرت المسكينقد قضى أربع سنوات في الجيش ويريد أن يستمتع بوقتهإن لم تسعديه، أخريات سيسعدنه قلتُ لها.أخريات؟ أحقا؟لربما .. قلتُعندها سأعرف من أشكر، قالت لي، وحدجتني بنظرة صريحة- أسرعوا رجاء فالوقت يداهمنا_قلت ُ، إن لم يعجبك الأمر فسايريه،آخرون يستطيعون الانتقاء والاختيار إن لم تستطيعيإن غادرك ألبرت، فلسببٍ معلومحُقّ لك أن تخجلي من نفسك أنّك تبدين عتيقة هكذا(ولمّا تعدُ الواحدة والثلاثين)ليس في وُسعي شيء.. قالت.. وأطلت بوجه كئيبإنها الحبوب التي تناولتهالإسقاط الجنين(لديها خمسة أطفال وكادت أن تموت لدى ولادتها جورج)قال الصيدلي إنني سأكون بخير، لككني ما عدتُ نفسي.قلتُ، إنك حمقاءإن لم يشأ آلبرت أن يتركك وشأنك، فكذلك ذلك...لمَ تتزوجين إن لم تريدي أطفالا؟- أسرعوا رجاء فالوقت يداهمنا_ذاك الأحد عاد آلبرت، أعدا حساءودعياني إلى العشاء لتناوله ساخنا- أسرعوا رجاء فالوقت يداهمنا- أسرعوا رجاء فالوقت يداهمناعمتَ مساءً يا بل، عمتِ مساءً لُو. عمتِ مساء ماي.عمت مساء تاتا.عمتم مساء. عمتم مساء.عمتن مساء سيداتي. سيداتي الحسناوات. عمتن مساء [4]
يأخذ هذا الجزء عنوانه من مسرحيتين للكاتب الإنكليزي توماس ميدلتن، «لعبة شطرنج»
و«احذرن النساءَ أيتها النساء» التي يتبارى في مشهد منها رجل وامرأة في لعبة
شطرنج ويصاحب كل حركة في اللعبة نقلة نحو الإغواء.
النصف الأول من هذا الجزء يصوّر امرأة غنية تنتظر خليلها في غرفة فاخرة،
تتحول أفكارها مع مرور الوقت إلى هذيان وتستقر مخططاتها لكيفية قضاءاليوم على رحلة ولعبة شطرنج.
أما النصف الثاني فتتحدث فيه امرأتان فقيرتان عن أخرى، يتخلل حديثهما نداء النادل
أو الساقي في الحانة أسرعوا فقد حان الوقت، أي وقت الإغلاق.
الموضوع المحوري لهذا الجزء هو عقم المرأة الأوربية المثقفة والجاهلة، أو بالأحرى الأرستقراطية
والفقيرة. الأولى جافة عصبية يائسة تشبه كليوبترة التي انتحرت في آخر المطاف أو فيلوميلا التي
قطع لسانها والشبه هنا ينم ربما على عدم قدرتها على التعبير عن مشاعرها. تسائل صديقها
بإلحاح بائس عن أفكاره وهو لا يفكر إلا في الغرق (هذه اللآلئ التي كانت عينيه) وفي الفئران
فوق عظام الموتى. والثانية ولود أسرعت إليها مظاهر الكبر مع غياب الثقافة. اختتم الكلام عنها بكلمات أوفيليا قبل انتحارها (غرقها). الانتحار هنا نفي للتجدد والانبعاث