الثلاثاء ٢٩ تموز (يوليو) ٢٠٢٥
بقلم حنان جبيلي عابد

فيروز، الحاضرة بصمتها

نرثي زياد الرحباني لكننا في العمق نرثي ذواتنا. نشدّ على قلب فيروز، كما لو أننا نحتضن أمًّا تخصّنا جميعًا.

فيروز صوتٌ واحد جمع كل الفئات، غنّت للطفولة كما غنّت للكهولة، وسارت بصوتها عبر الزمن حاملة رايات القيم، الشرف، والكرامة. احترمت الفن، فغابت حين كان الغياب موقفًا، وظهرت حين كان الظهور ضرورة.

لا أريد أن أُحلّل سبب تعاطفنا مع أرزة لبنان، السيدة فيروز، ولا أن أفسّر وقع غياب زياد، الذي أتحفنا بفنه العميق وكوميديته السوداء. ما نمرّ به اليوم أعمق من الرثاء، وأصدق من الحزن.

نحن في الحقيقة لا نبكي المبدع زياد الرحباني وحده، بل نبكي أنفسنا من حيث لا ندري. كل مشاركة، كل كلمة مواساة، ليست فقط لأرزة لبنان، بل هي طقوس تطهير داخلي، تفريغ لحزن شخصيّ مؤجّل، لوجع لم يجد له مكانًا حتى الآن.

فيروز ليست مجرد صوتٍ يسكن الذاكرة فينا،
إنها فردٌ من عائلتنا. أعطتنا عشق الصباحات، واستنشقنا رائحة صوتها مع القهوة، كأنها نافذة تطلّ على الضوء كل يوم. عاشت معنا في تفاصيلنا الصغيرة، على الشرفات في الطريق إلى العمل، في الحنين، وفي الحب.

والمصاب حين يأتي من هذا العمق، لا يُقاس بحجم الخسارة فقط، بل بما يفتحه فينا من نوافذ مغلقة، نحو الحنين، نحو ما خسرناه فينا، نحو تقديرنا العميق لـ “أرزة” لبنان وابنها.

المبدع زياد الرحباني لم يكن مجرد فنان، كان ناسخًا بارعًا لواقعنا اليومي. كلماته هي ما نقوله نحن، ما نعيشه ونتألمه، لكنه صاغها بشكل تعبيري مفصّل على قياسنا تمامًا. التقط مشاعرنا، خيباتنا، تساؤلاتنا، وأعادها إلينا بلغة أكثر وضوحًا، وجرأة، وصدقًا.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى