الأربعاء ٢٦ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٠٧
بقلم جمال غلاب

قراءة نقدية في (رسول المطر) لعبد العزيز غرمول

الهروب الى الله

(رسول المطر) هو عنوان القصة الذي استهل به الأديب و الكاتب الاستاذ عبد العزيز غرمول . مجموعته القصصية . الصادرة عن دار الغد ـ القصبة الجزائرـ . و على الرغم من بساطتها ، إلا أنها تحمل في طياتها . جملة من التناقضات . سردها القاص قصد اختبار مدى تمكن القارىء من قدرته على التفريق بين ماهو علمي يستند الى العقل و المنطق و ماهو غيبي ، و ما هو خرافي ؟ .

و قبل الغوص في تحليل ما حفل به مضمون النص من مفارقات . يجدر بنا تصنيف النص القصصي لمعرفة القوالب الفنية ، التي اختارها القاص في بناء نصه . الذي هو عبارة عن قطعة صوفية . تفصح عن عمل فني خالص يسمو بالنفس البشرية . و يعلو بها فوق أدران هذه الحياة المملة ، و المتعبة و المشحونة بألآلام و المواجع ...و حسب تقديري من أجل ذلك أتجه القاص نحو الأسطورة ، و تحديدا الأسطورة الدينية ، و نحو تصوير روح الريفي التي تزيده البيئة الريفية في الجزائر فتنة على فتنة و سحرا فوق سحر . نعم الإتجاه الذي اتجهه القاص جد حساس ، و يكتنفه الغموض و التعقيد .

مما انجر عنه صعوية تحديد معالم مذهبه الجمالي ، و مرد ذلك دائما حسب تفسيري لكون موضوع القصة خليطا من جملة من المذاهب الجمالية ـ الرومنسية ، السريالية ، ـ و لكن بالرجوع الى كتاب المدرسة الإرلندية . التي تأسست في مطلع القرن العشرين ، و التي حاولت شق طريق الفردانية و التميز عن المدرسة الإنجليزية التي تعتنق المذهب الرومنسي .مثل هذه المقارنة تجعلنا نميل بدون تردد الى تنصيف نص " رسول المطر " الى المذهب الصوفي . بحكم ما تضمنته من بساطة في التفكير ، و الشاعرية في التصوير ... نص القصة كما أسلفنا بسيط متناه في البساطة ، و وقع الطهر الديني واضح فيه وما ينطوي عليه النص القصصي من قيم نبيلة راقية يدفع بالقارىء الى حب الخير و التضحية من أجله و الإ تصال في سبيله بالسماء .

أما الخامة التي عمل عليها القاص . فهي عبارة عن مجموعة ، من المعتقدات حفظها بعض من أفراد مجتمعنا . عن ظهر القلب ، بدون مناقشة و لا تحليل ، ولا تمحيص . ظلت الى عهد قريب ملجأهم الوحيد في كل ما يلم بهم من ضعف و يمسهم من خوف و يتضح لنا ذلك أكثر عند تشريحنا لنص القصة لاحقا .

علميا كما يصفح عنه القاص . المطر هو عبارة عن بخار ، و طبقات الجو العليا الباردة ، هي التي تحول البخار الساخن ، الى ما يجعل كل شيء مغسولا و حيا ....لكن ما هو سائد عند العامة يتناقض كلية مع هذا المفهوم العلمي ، بدليل أن القاص و من خلال سرده لما حفظه في أسرته و خارجها ، لا يحتاج الى تخصص و معرف صعبة المنافذ ....فهو تعلم عن والدته بأ ن مطر الصيف شيطاني . و من علامات سقوطه أن المرأ حينما يرى في نومه يأكل عنبا حامضا يسقط المطر . . و قرأ في مخطوطات قديمة أن أولياء الصوفيين الذين عاشوا في منطقته كانوا اذا اغتسلوا أو بللوا أجنحة برانسيهم أو ذروا على رؤوسهم تمطر السماء ....و تعلم أيضا من والده ـ القاص ـ الذي يصنفه من فريق الصوفيين حيث يصفه قائلا ـ إنه من أولئك الرجال الذين أبعدوا دنياهم و صنعوا عالمهم الشخصي الذي لايأخذ من عالمنا هذا سوى ما يتقوت به .. الى أن يقول عنه بأن وجوده كان شفافا الى حد الغياب ـ كل من خف شف ـ . و هيبة حضوره تطغى على ما حوله . وكان كل من عرف والد القاص يوقره لذلك كانوا يعتمدون عليه في اقامة صلاة الاستسقاء . و أما م هذا السيل من الأخبار الذي يسرده القاص بسرعة البرق ، و الذي يتناقض مع العلم . القاص يتعجب من أمر أمته التي أخذت بأسباب الحضار ، و قطعت لذلك أشواطا بعيدة . و هو ما يؤكده تفرجها على التلفزيون و حرثها للأرض بالجرار ، و ترصده للجو بالأقمار الصناعية . الا أنها مازالت تصدق أن الدعوات كافية لصناعة ضغط منخفض ينهمر به المطر . و يتمادى القاص في زرع الشك بين ما هو غيبي و بين ما هو علمي و كأنه بذلك يريد أن يرقى بعقل القارىء الى القلق و الحيرة و دفعه الى التدبر و هو ما يقابله في الجانب الفني بما يسمى بعقدة النص . و فنيا المراحل النفسية التي بما بها شعور القارىء الذي له بداية و قمة و نهاية على ما يبدو متوفرة بالنص القصصي . و هو ما يشفع للنص على توفر مواصفات القصة الحديثة .

و فيما يتعلق بحل العقدة القاص يلخصه في هذا المقطع ـ كثير من المعتقدات لم تأ ت من فراغ ، و انما تحققت في شكل معجزات ، و هو ما يبدو واضحا من خلال جهده في ختام القصة ، غير أن كل هذه الحكايات تعتبر قديمة اذا ما قورنت بهذه الحادثة التي رأيتها رؤية العين بل و عا نيت منها عناء لا يطاق ... كون أن الحياة فيها من المعجزات ما يبقى بعد كل العلوم و التجارب " ـ أنظر بقية التفاصيل بنص القصة بالمجموعةالقصصية ـ

ان سلك القاص لطريق الشك و من ثم العودة الى جوهر الحقيقة يكمن في المنهجية التي أبدع فيها و التي من خلالها وصل الى الحقيقة التي لا مراء فيها بدليل أن ما وصل اليه القاص دلت عليه الكثير من الآيات و الآحاديث ومنه الآية الكريمة ـ و إن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا ـ و الحديث القدسي الذي يقول فيما معناه ـ لا يزال عبدي يتقرب مني بالنوافل حتى أحبه فاذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به و بصره الذي يبصر به و يده التي يبطش بها "

ختاما موضوع القصة يحتوي على مسحة صوفية في أصدق معانيها السامية التي مضمونها التآخي و التراحم و تعويد النفس على الصبر في تحمل الشدائد و تطهيرها من تركمات العنف و الحقد و الكراهية و عنوان القصة ـ قصة ـ رسول المطر ـ يعني بالمختصر المفيد ربط المخلوق بالخالق و الدعاء المستجاب هو خلاصة الخلاصات لموضوع القصة .

الهروب الى الله

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى