الخميس ٢٤ آب (أغسطس) ٢٠٠٦
بقلم شهد أحمد الرفاعي

كـــــــــلام، دماء، قضبان، وشعب مهان

عندما وقفت مطربة الزمن الجميل تغنى لمحمد عبد الوهاب بالزمن الجميل ..يا ساعة بالوقت إجرى..خلى الحبيب ييجى بدرى..كنت ..أضحك كلما شاهدتها وسمعتها تقول ذلك فتلك أمنية خيالية ..فلا الوقت سيجرى ولا الحبيب سيأتى متعجلاً..ولكننى تذكرتها..عندما تم تقديم ساعتنا المباركة ساعة..وقلت لقد تحقق حلمها ..وجريت الساعة ساعة..وليت كل شىء ببلادى يتقدم هكذا تلقائياً مثل هذه الساعة الموسمية التى ننفرد بها..ولكن ومع كل هذا ظللت أردد هل سيأتى الحبيب بدرى؟؟؟ ولكن حبيبى المقصود يبدو أنه لن يأتى لأننى أنتظره مع باقى الحبايب ببلدى ..على أمل اللقاء..فقد اتضح أن الحبيب كان يركب قطار دمنهور وفجأة نام السائق وحلم أنه خرج عن القضبان فى نزهة منفردة و قرر القطار مشاركته الحلم أيضاً و يحقق حلمه هو أيضاً بالتلاحم مع المارة فى سيمفونية دموية بالميدان الكبير متخطياً سور المحطة..ولكن كيف ؟؟؟ يبدو أنه كان هو أيضاً يحلم بلقاء الحبيب وعندما تأخر قرر النزول إليه بأرض الميدان!!!!!!!

ونفس الموقف حدث من قبل فى ..أكتوبر( تشرين اول) 1998 : مقتل 50 من الحبايب وإصابة أكثر من 80 في خروج قطار عن القضبان بالقرب من الإسكندرية، فقد اخفق القطار في التوقف عند مصدات نهاية الخط الحديدي واخترق المحطة إلى سوق مزدحمة، ..ويبدو أن القطارات هذه الأيام تهوى التسوق والأوكازيونات.

وفى..نوفمبر( تشرين ثاني) 1999: اصطدام قطار بين القاهرة والإسكندرية بشاحنة وخروجه عن القضبان مما أسفر عن مقتل 10 حبايب واصابة 7 آخرين.
وفى ابريل( نيسان) 1999 : مقتل 10 من الحبايب على الأقل واصابة 50 شمالي مصر بعد اصطدام قطارين
وهاهو حبيب آخر غاب ولم يعد فقد ذاب..فى قطار فبراير (شباط) 1997 :مع11 من القتلى على الأقل بعد اصطدام قطارين شمالي أسوان بسبب خطأ بشري وخلل في أجهزة الإشارات
وحبيب آخر إحترق فى قطارالموت أو محاريق العياط..2002م ..آتتذكرونه؟؟؟ عندما قرر السائق حرمان أكثر من 600 حبيبة من حلاوة اللقاء بالحبيب..!!!!!
ولكن الحبيب هنا مختلف فقد كان سائق الغرام و كان من الحالمين والرومانسية عنده زيادة حبتين فقرر السباحة بالركاب فى شارع الضباب ..وذلك فى..ديسمبر (كانون أول) 1995: اصطدام قطار بمؤخرة آخر وسط ضباب كثيف يؤدي إلى مصرع 75 مسافرا ، وتحميل السائق الرومانسى المسؤولية لزيادة سرعة القطار عن الحد المسموح به.
وقبلها بعامين كان هناك من ينتظر عودة الغائب من على متن خط الموت فى ديسمبر( كانون اول) 1993 : مقتل 12 وإصابة 60 في تصادم قطارين على بعد 90 كيلومترا شمالي القاهرة.

قبلها بعام..فبراير( شباط) 1992: اصطدام قطارين يقتل 43 مشتاق للعودة للديار خارج القاهرة
ولكن تتبدل الأمور وينتظر هذه المرة الحبيب وليست الحبيبة..إنتظر الحبيب زوجته سهير تعود من حمام القطار ولكن دون جدوى فقد كان القطار بقمة الغيرة من الحبيب فقرر إلتهام الحبيبة بين العجلات فقد كانت أرضية الحمام متهالكة وأخذت سهير وآحلام الزوج المنتظر ينظر بساعته وداخله يغنى زمانها جاية كمان شوية..ولكنها لم تأت..وصارت الزوجة سهير آشلاء تتقاذفها فيما بينها عجلات القطار العذول ..!!!

و..آخر دموع الحبايب و الإنتظار على نار..كان قطار أنشاص..و45 حبيب مصاب .. وبجوارهم من يندب حظه و يقول كان بدرى عليك بدرى..!!!!
..ظللت أتخيل حال الحبايب بالقرن 21 وما حدث لهم..

ماذا حدث لمرفق حيوى كهذا ؟؟
وأين وعود الوزراء السابقين من تحديث وتطوير لمرفق السكة الحديد ؟؟
آهومسلسل متعدد الأجزاء ولا ينتهى من الحوادث وشلال من الدماء يجرى و لا ينتهى أبداً لمواطنين أبرياء ..؟

أم أن هذه وسيلة للحد من النسل؟؟
أم أنها طريقة جديدة من تكنولوجيا التسوق ..أوكازيون على أرواح المواطنين بطريقة قتيل وعليهم ثلاثة هدية؟؟
ارحموا شعب (كل.. ومل) من حكومات كل ما عندها وعود وتصريحات وحصانات وعبارات موت وهروب للفاعل ونائب الفاعل..
ومن الخيال للواقع فقد جاءنا من فترة مضت البيان التالى..من الوزير الحالى لوزارة قتل الحبايب..أقصد نقل الحبايب..تكلم فقال أنه تم إقراض هيئة السكة الحديد 8 مليارات من الجنيهات من البنك الدولى وصندوق الإنماء الكويتى..تهللت آساريرى وقلت ربنا يجعل بيوت المحسنين عمار فقد إنحلت مشاكل المحبين ..ولن يكون هناك إنتظار بعد الآن ..

لكن الفرحة لم تدم طويلاً عندما أعلن سيادته أن التسديد سيكون من الإيرادات..آى أن العبء سيكون أيضاً على نفقة الحبايب..فهم من سيدفع تكاليف التطوير وهم من سيدفع فوائد القروض..
وتعجبت من سياسة الضحك على الذقون هذه..ولكنى قلت بنفسى التفاؤل حلو..تفاءلى .. ووجدتنى أغنى يا ساعة بالوقت إجرى خلى التحديث والتطوير ييجى بدرى!!!! ولكنى أعتقد أننى سأبدلها عما قريب ..بأنا فى إنتظارك مليت..فكم من وعود وكم من تصريحات نسمعها من المسئولين ولكن تتوه بعد ذلك بحدث يطل علينا ليمحو من الذاكرة ما سبق سمعناه من تصريحات..والحقيقة كنا نظن ..أقول كنا نظن أنها آخر المهالك ..(واللهم نجنا من المهالك)..ولكن جاءت حادثة القطار الحاليةأغسطس 2006م..بتصادم بين قطارين قرب مدينة قليوب،شمال القاهرة وسقوط ما لا يقل عن 80 قتيل و200 مصاب تقريباً..والأعداد كل يوم بتزايد.
لتعيد للأذهان بذلك محرقة الهيئة العامة للسكك الحديدية بقطار الصعيد فى فبراير- شباط عام 2002 بالقرب من مدينة العياط..حيث قتل المئات من الركاب معظمهم حرقاً وإختناقاً عندما إندلع حريق كبير فى سبع عربات فى إحدى قطارات الصعيد وكان ذلك أسوأ حادث قطارات فى مصر.

..وما زالت الحبايب فى تآكل مستمر والشعب المطحون..كوارثه تتوالى..
وأتساءل كيف بقطارين على خط واحد وفى توقيت واحد وبهذه السرعة؟؟ دون مراقب مدرب ومختص فنى ..هل توكل هذه الأمور لمجرد عامل؟

والمثير للدهشة أنه من المعروف أن السكك الحديدية المصرية تعد من اقدم الخطوط في العالم. بدأ العمل بها في عام 1851

ولكنها وللأسف الشديد لا يتم صيانتها إلا بعد كل حادثة ولكن مع كل انقلاب قطار بركابه تنقلب الهيئة رأساً على عقب وتتم التحسينات الخارجية فقط لزوم التلميع الإعلامى إلى أن تحدث كارثة موت آخرى ..لتكشف المستور..
ومع أن النظام بالهيئة المصونة قد عدل الشهر الماضي ليسمح للقطاع الخاص بمشاركة الدولة في خدمات السكة الحديد، إلا أنه لا توجد أية بوادر تشير إلى أى تقدم ملحوظ.. سوى هذه الحادثة التى تعد بحق علامة على التطوير والإنجاز الحكومى والشفافية التى أصبحت من سمات النظام الحاكم..
و مما يدعو للعجب أن شبكة السكك الحديدية في مصر تتكون من 50 خطا، وتصل أطوال السكك الحديدية الي 9500 كيلو متر ويسير على الشبكة نحو 1300 قطار يومياً.. ولكنها فيما يبدو أعدت لتكون الطريق الأمثل إلى الجنة..

و ايضاً تعد مصر ثاني أكبر دولة في العالم في استخدام السكك الحديدية.. ولكننى أعتقد أيضاً أن الحكومة تجهزها للدخول فى موسوعة جينيس العالمية من حيث حوادث القتل والموت ..فقد إتضح .وإنه لشىء يدعو للعجب العجاب من تلك الإحصائية التى تقول بأن مصر شهدت خلال 6 أعوام ماضية 59 حادث قطار بمعدل 11 حادثا في العام نتج عنها 6000 قتيل و21 ألف مصاب، ..فأى نظام هذا وأى تخطيط ..؟
وكان السبب المعلن بكل مرة هو ضعف مصادر التمويل لتجديد شبكة القطارات، أو بسبب رداءة تجهيزات الآمان، ورداءة السكك الحديدية،أو ضعف التنظيم الذى يؤدى الى دخول قطارين فى نفس المسار.

هنا يتوقف القلم عن المضى فى السرد والتعرية لأنظمة يعف اللسان عن إعطاءها حقها فى الوصف المفروض أن توصف به .الموضوع ليس رص كلام ولا تصريحات

الحقيقة والأحداث تقول أرواح تقتل ودماء تسيل على القضبان كل عدة أشهر..
من المسئول يا حكام الزمان الأغبر؟
من المسئول عن محرقة الصعيد؟ ومذبحة سفاجا ممدوح إسماعيل ؟ومذبحة مسرح بنى سويف؟من المسئول عن مذبحة قليوب هذه؟ من؟ من المسئول عن كل مجازرنا ومذابحنا؟؟؟من؟؟؟
من يعوض أم عن ولدها أو زوجة عن زوجها أو إبنة عن والدها أو والدتها؟
المال لا يعوض فقدان من نحب.. وإن كان حتى ما تدفعونه كتعويض لا يرقى لمرتبة الحيوانات؟
يجب الوصول للجناة الحقيقيين ومحاكمتهم ولا تتوقف المحاسبة بكل كارثة عند السائق وعامل التحويلة؟

دماء هؤلاء الأبرياء فى رقبة وزير النقل وفى رقبة نظام بأكمله
أوقفوا حمام الدم هذا..
وأوقفوا أيضاً شلالات الكلام والتصريحات التى لا تتوقف..

كفاكم دماء..وكفاكم غلاء ..كفاكم جبايات على الطرق السريعة وكأنها رسوم للموت السريع على الطريق السريع..كفاكم فساد..والأهم كفاكم..كلام.. كلام و بس. وما نأخد منك يا حكومة غير الفساد و الكلام والغلاء والدماء وبس..وعزائى لشعب مستبيح الدم وأشياء آخرى.. ..


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى