الخميس ١٣ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠٢٥
مار جريس…
بقلم رانيا مرجية

الفارس الذي يفضح خوف العالم

في اللدّ،
هذه المدينة التي تُبقي رأسها عاليًا
حتى وهي تُركَل تحت الطاولة،
يعود مار جريس كل عام
لا ليبارك البيوت،
بل ليُعرّيها من الخوف.
لا يعود كقدّيسٍ ناعم،
ولا كبطلٍ من كرتون،
بل كصفعة…
صفعة تعيد للمدينة وجهها
بعد أن حاولوا كثيرًا
أن يمسحوه.

1. اللدّ ليست مدينة… اللدّ اختبار

اللدّ لا تحتفل بمار جريس،

بل تختبر نفسها من خلاله:

هل ما زلنا نقف؟

هل ما زال فينا نبضٌ

يقاوم كل ما يريد لنا أن نتشقّق؟

هل ما زلنا قادرين

على أن نسمّي الأشياء بأسمائها

دون أن نرتجف؟

النساء هنا

لا يشعلن الشموع من أجل الفرح،

بل من أجل الحقيقة.

لأن الحقيقة في اللد

تُطفأ كل يوم

وتُضيء كل يوم

ولا تموت.

2. الفارس الذي رفض أن يركع… فقتلوه

مار جريس لم يصبح أسطورة لأنه قتل التنين،

بل لأن التنين حاول قتله ولم ينجح.

كل سلطة تخاف كلمة “لا”،

وهو قالها صريحة،

مجرّدة،

بلا غلاف ولا تردّد:

لا أعبد الظلم،

ولو وضعتم العالم تحت قدمي.

قال “لا”

فقُطّعت أطرافه،

وعُذّب حتى انكسر العذاب نفسه،

وبقي واقفًا.

وما زال واقفًا.

ولولا وقفته تلك

لَمَا كان هذا العيد

ولا كانت هذه المدينة

ولا كان هذا الضوء.

3. التنين… ليس مخلوقًا أسطوريًا بل نظام كامل

التنين في كتب الأولاد

وحشٌ يُنفث النار.

أما التنين في حياة الكبار

فهو حكومة،

وخرائط،

ومكاتب تُصدر قراراتٍ باردة

تخصّ مدنًا ساخنة،

وشعوبًا لم تعد تحتمل

إعادة تشكيلها كل عشر سنوات.

التنين

هو كل يدٍ تمتد لتمحو اسمًا،

أو تُغلق كنيسة،

أو تهدم بيتًا،

أو تغيّر هوية.

التنين

هو هذا العالم المتواطئ

الذي يقول لك “كن شجاعًا”

بينما يبيعك بأسهل سعر.

4. في العيد… تتكلم اللدّ بصوتها لا بصوت الأسطورة

في اللدّ،

حين يمتلئ الشارع بالناس،

تُحاصر الحقيقةُ كلّ الأكاذيب.

لا يعود العيد احتفالًا،

بل إعلانًا جماعيًا

أن المدينة لا تستسلم.

الصلوات تُرفع…

لكنها ليست دينية فقط.

هي صلوات من النوع الذي يفهمه البشر

حين تضيق أعمارهم:

“يا رب…

أبقِ لنا القدرة على أن نعيش

دون أن نخون أنفسنا.”

5. النهاية التي ليست نهاية

بعد العيد،

تعود الساحة فارغة،

لكن شيئًا في الهواء يبقى

مثل أثر معركة

لم تُكتب في الكتب

ولم تشهدها الكاميرات.

شيءٌ يشبه الهمس:

أن مار جريس لم ينتصر بالسيف،

بل بالوضوح.

وأن اللدّ

لا تريد معجزة

بل تريد أن تتذكّر

أنها قادرة على خلق معجزتها بنفسها.

وهذا

هو أخطر ما يمكن أن تملكه مدينة:

الوعي بأنها لا تحتاج أحدًا

ليُنقذها.

الوعي بأن إنقاذها

يخرج من صدور أهلها،

من عيونهم،

من غضبهم،

ومن قدرتهم العجيبة

على الدفاع عن الحياة

حتى وهم واقفون

على حافة الموت.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى