الخميس ١٥ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠٠٧
بقلم جمال غلاب

مقاربة في المجموعة القصصية’, ’ما حدث لي غدا للقاص والناقد سعيد بوطاجين

ما يلفت الإنتباه، في هذه المجموعة القصصية، للوهلة الأولى هوعنوانها ـ ما حدث لي غداـ وحسب تقديري، أن القاص لم يختره إعتباطا وكأنه على يقين بأن حاضر المثقف الجزائري وربما حتى العربي، لا يختلف عن غده من تنفس للبؤس وانسداد الأفق وانقلاب سلم القيم الاجتماعية. ومن لا يعرف القاص ـ سعيد بوطاجين ـ فهوباستمرار متشائما من حياتنـــا العبثية، ومع ذلك يحاول دائما أن يتمرد عن وضعة ويحبذ من يشــــاركه هذا التمرد ؟ \r\n\r\n \r\n وقصد إضفاء مسحة من الفكاهة على هذا النص سوف أدرج تعليق الروائي "طاهر وطار " على هذه المجموعة القصصية بقوله :\r\n\r\n

سعيد بوطاجين يترجم البسمة إلى مفردات موجزة. لذلك ها هويخرج من بطنه لا ليرى الدنيا بل لتراه. لذلك لم يكن متعجلا في إصدار مجموعته القصصية ـ ومن نوادر القاص التي مازالت عالقة بذهني أنه ذات مرة لفت انتباهه جواب صديق له مفاده ـ قال أنا بخير ـ فرد عليه القاص مستفسرا ومتعجبا بقوله ـ من أين لك هذا...؟؟؟ ـ فعلى حد تقدير القاص من المستحيلات السبع أن تمس هذه النعمة المثقف الجزائري وفي الحيز العربي. ومن لا يعرف القاص الظاهرة. فهوقصير القامة ونحيف الجسم وباستمرار المرض يطحن عظامه الهشة. وذات مرة حضر ملتقى للأديب الروائي المرحوم " رشيد ميموني"" وحينها كان بالمنصة لعرض مداخلته يتوسط استاذين أطول منه قامة ووزنا فعبر على هذا النشاز بقوله عند تقديم نفسه ـ أنا مختصر رجل وفقط.

\r\n\r\n \r\n وبعد هذا التقديم الموجز أعود الى عرض وقا ئع المجموعة القصصية ـ ماحدث لي غدا ـ. إن المتمعن فيها يتملكه الشعور بالحيرة والقلق. بسبب ما يثيره القاص من حقائق موجعة. لم نتعود على مصارحة أنفسنا بها، حقائق لوتعرف طريقها الى حياتنا اليومية، وتتجذر في سلوكاتنا، ومعملاتنا، التي تعد عناصر مكونة لحركيتنا الاجتماعية لكان لحياتنا " معنى وقيمة " حضارية تفيا ن بالغرض المطلوب.\r\n\r\n \r\n وما صوره القاص بصدق من واقع مؤلم عن حياتنا بمجموعته القصصية يكاد يكون مرآة عاكسة لما يجري في الحيزات الزمنية والمكانية لمجتمعنا والتي تكاد تكون رداتها عبارة عن مشاهد مقززة سببت الكثير من معاناة القرف للقاص. اضافة الى البدائل التي يطرحها القاص قصد الانتقال من العبثية الى التمرد. العبثية التي استولت على مشاعرنا وتفكيرنا مما أثرت سلبا على سلوكاتنا الى الحد الذي لا يطاق ؟.\r\n\r\n \r\n لقد صور القاص المواطن الجزائري والعربي تصويرا رائعا بعبثيته " صار يضحك بلا فرح، ويبكي بلا دموع، ينظر ولا يرى، ينصت ولا يسمع، يتكلم ولا يقول شيئا " فتبعا لهذه الملاحظات التي رصدها القاص في مجموعته القصصية ـ ما حدث لي غدا ـ والتي تعبر عن واقع حياتنا المهلهل والمهتز باستمرار. فانه يكاد يجزم في تصويره بهذا الواقع بأن راهننا مريض . مرض الشعور بالعبثية والتناقض واللاجدوى وأعراض هذا السأم العارض الذي لا يرجع الى الفقر أوالبطالة أوسؤ الطالع. بل السأم الجذري العميق فكما يقول " يونسكو" ـ السأم الذي ليس له مادة سوى الحياة نفسها، وليس له سبب بعد ذلك، سوى وضوح بصيرة الحي ـ. \r\n\r\n\r\n يا ترى كيف يتعامل القاص مع هذا الواقع في مجموعته القصصية ؟ انه يحاول التغلب على هذا الواقع من خلال التمرد. لذلك لم يتوان في اعتنا ق حاسة التهديم وبإمكان القارىء تلمس مثل هذه العوارض على مستوى بنية النص القصصي. فجارفات التهديم نتحسسها في تقنيات الكتابة المغاير الذي وظفه. لقد استخلفه بتقنيات جديدة على مستوى الشكل والمضمون للنص القصصي. كعدم إعترافه بالحدود المرسومة للنص كونه يقف عند حدود المتعة والترفيه وتوسيع ملكات الخيال وتربية الذوق. بل القصة عند القاص ـ سعيد بوطاجين ـ نقد ذاتي للحاضر بحيث يدخلنا في حلبة المجادلات الفكرية والفلسفية الى حد التشكيك في كل تصرفاتنا وسلوكاتنا. بعيدا عن الأحلام والعواطف والمشاعر الرومنسية. وبعبارة أدق فهو لا يعترف الا بما هوممكن تحقيقه، وبما هوعقلي ويقبله المنطق. وثورته هذه يريد بها التمرد على جمود العادت والتقاليد والمفاهيم البالية التي ألقت بظلالها على العادات اللغوية التي يقال عنها بأنها موصلا جيد من موصلات التفاهم بين الناس.\r\n\r\nفمن وجهة نظر ما ناقشه القاص وعرضه بمجموعته القصصية وسعى بشكل سافر الى نقده. أدى بالفعل الى إحداث تغييرات جذرية على مستوى بنية النص ـ تحويرا وتقديما وترتيبا وتبديلا ـ وكأنه بذلك يريد أن يوحي لنا بأن موصل اللغة على طريقته الحالية رديء لتحقيق هذا التواصل والتفاهم. فهو يحاول أن يكشف لنا حقيقة في غاية الأهمية : أن اللغة التي نظن أننا نتواصل بها بالتفاهم قاصرة على تحقيق أي نوع من أنواع التواصل أوالتفاهم بل الكثير ما تؤدي بنا الى القطيعة ولا نتفاهم حتى لا يشعر الفرد أحيانا وكأنه في عزلة عن مجتمعه بعد أن انقطعت وسائل الاتصال بينه وبين الأخرين.\r\n\r\n اذن القاص على ما يبدو بعدما تأكد من عدم فاعلية اللغة بمواصفاتها الحالية لجأ الى ابتكار تقنية جديدة في الكتابة بامكان القارىء أن يكتشف مذاقها المميز . لكن من الصعب عليه أن يحدد التقنية الموظفة بها وصفا د قيقا وهوما شهد به الروائي اطاهر وطا ر "سعيد بوطا جين يترجم البسمة الى مفردات موجزة ... ـ \r\n\r\n \r\n وبقليل من التركيز، لاشك وأن القارىء سوف يقف، على ما سلف ذكره من ملاحظات من خلال العينات المأخوذة من النص القصصي : " ففي الأسا بيع الماضية، ستظل جيوبي محفوفة بالصدإ، وأبي لهب وأبيعطب ، وأبي نهب وأبي هرب ومشتقاتهم كما حدث في الشهور الآتية تماما " وما نستشفه من هذه الفقرة أن القاص قدم وصفة دقيقة لأمراضنا الاجتماعية بمنتهى الاختصار، وبأسلوب تهكمي ، فهويعلن عن افلاسه " بجيوبه المحفوفة بالصدإ. كدليل على عدم شعوره بحرارة النقود منذ زمن طويل . ويختصر ضعف القدرة الشرائية " بأبي لهب " والفساد المالي والتضخم والرشوة والمحسوبية " بأبي نهب " ورداءة الخدمات وتعطلات للأجهزة الكهرباء والماء والتخلف العام " بأبي عطب " والتهريب والسطوعلى المال العام " بأبي هرب ".\r\n \r\n\r\n\r\n وفي الفقرة الموالية القاص يتحصر على ما آل اليه الوضع من تعفن لا يطاق الى درجة موت الحياة في كل مناحيها. وقصد تجاوز هذه المحنة يجيب القاص بتهكم ـ أطفأت سيجارتي، وأشعلت أخرى، ثم رحت أتأمل عباد الله وهم يدخنون ويبتسمون ويتحدثون ويضحكون ويقولون السلام عليكم، وعليك اسلام. كيف حالك أنا بخير، والحق أني حسدتهم لأني لا أعرف ان كنت بخير أم لا ؟ كل ما أدركه أن فراغا غير منحاز، يرفرف في روح فراغ بمعاهد جامدة كالمزامير ".\r\n\r\n \r\n حياة كهذه بلا قيمة ولا معنى . أجبرت القاص على الدخول في دائرة الفراغ هذا الفراغ المقرف والذي يصف تفاصيل معاناته في الفقرة الموالية بقوله " بأيام العطل المثقوبة مثل كيس فرح، أضع وجها حقيقيا للزمان الجثة ووجها للأشعار الشرعية المطرودة، من تجاعيد اللغات اليابسة على جبهتهما . أنحت صلبانا وقوما من الذكريات والهذيان، وبين الذكريات والهذيان الرسمي أرسم صورة لنوح، وتحتها أكتب متهم لأنك أتيت قبل الأوان ثم خطوة خطوة أسير منحني الظهر لأقيس بؤس الأرصفة وأحلام العمارات الخاصة جدا. أحصي عدد المحركات الوثنية لأتلذذ بالنهارات التي تركلني وتوفر لي فرصة \r\nالمزاح والزهو المجاني كما هو ممتع آلا تجد ما لا يرضيك في شوارع غاصة بالثرثرة. وقطع القماش المتحركة هجست خفية. "\r\n\r\n \r\n ومن هنا تتأكد فرضية أن القاص ليس عبثيا ولا يفضل الخوض في العبثية. انما يريد الاطلال علينا من الحاضر " متهم لأنك أتيت قبل الأوان " فهو يريد أن يأتينا من المستقبل وأيضا البيئة الاجتماعية التي يريدها القاص هي الأخرى يريدها أن تأتيه من المستقبل. بيئة نظيفة من ترسبات الماضي وتعقيداته وسليمة من كل الأمراض الاجتماعية. \r\n\r\n \r\n لكن من أين الطريق الى الحياة التي تنطوي علىالمعنى ؟. ان الفقرالت السالفة الذكر، وأخرى لا يتسع المقام لها والتي تحمل في طياتها التهكم والإستهتار، من كل ما يحيط بالقاص من عبثية مقرفة والمجسدة في "" لا معنى "" الحياة كهذه المطبوعة بطابع التفاهة. يحاول القاص أن يحيك ضدها انقلابا شرسا بغية الانتقال من الحدود السلبية الى الحدود الإيجابية. مادام الانسان برأيه ينعم بحاسة الوعي . واذن فإنه لا مفر له من التمزق الذي ينتج عن ادراك العبث من جهة ورفضه له ووضع حد لهذا العبث بالتمرد. \r\n\r\n \r\n ويظل القاص ممزقا وحتى وان تمرد على العادات والتقاليد والمفاهيم البالية.، وأدوات التواصل الرديئة بينه وبين مجتمعه . يظل على حد اعتقادي ايجابيا ومع ذلك السؤال الذي يظل يطرح نفسه بالحاح هولماذا ؟ الجواب نجده في المجموعة القصصية ـ ما حدث لي غدا ـ والذي مفاده أنه يعمل بلا أمل ولأنه لا يستطيع الا أن يعمل كبقية أي جزائري وهكذا يجد القارىء القاص أنه مدفوع الى طرح سؤال هل في ذلك انقاذ حقيقي ؟ هل التمرد انقاذ ان لم يتجاوز نفسه الى مراسي النجاة ؟\r\n\r\n \r\n أخيرا بل أولا انه لمن السابق لأوانه أن نلم بمعرفة رسالة القاص من خلال عمل واحد أو اثنان أوثلاثة.... رسالة القاص أراها مشروعا لم ينته منه القاص بعد ؟وقد يبدو الروائي طاهر وطار والناشر لهذه المجموعة القصصية محقا بقوله ـ ها هوسعيد بوطاجين " يخرج من بطنه لا ليرى الد نيا بل لتراه. ولم يكن متعجلا في اصدار مجموعته القصصية. \r\n\r\n وأنا بدوري اقول أتمنى أن يؤل الأمر بالقاص الى ما ختم به مجموعته القصصية :\r\n\r\nيا ولـــــــــــــــــــــــدي \r\n \r\nلا تبك فدموع الصغر \r\n\r\nتمضي كالحلم مع الفجـــر \r\n\r\nوغدا تكبر يا ولدي \r\n\r\nوتطلب الدمع فلا يجـــــــــــــــــــري \r\n\r\nقد أرمى خلف الجدران \r\n\r\nوتحن لحبي وحناني، \r\n\r\nفانظر في قلبك ستراني، \r\n\r\nلن يقوى القيد على الفكر


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى