«من مسقط إلى أرض فارس» ليحيى المعشري
يقدم كتاب "من مسقط إلى أرض فارس" للكاتب العماني يحيى بن سالم المعشري تجربة في السفر إلى مدن إيران، سجَّلها صاحب الفكرة وراوي الأحداث الذي اصطحب معه صديقين في الجولة الأولى، وصديقين في جولته الثانية.
يقول المؤلف في مقدمة كتابه الصادر حديثًا عن "الآن ناشرون وموزعون" في الأردن: "ما أكتبه ليس إلا حروف مسافر عابرة أسجلها من أرض الواقع، ولا أعتمد فيها على الغرائبية والعجائبية والفنتازيا، تحمّلت كتابتها كما تحمّلتُ حمل حقيبة سفري وقلمي ودفتري وأحلامي لأدوّن فيه ما يُرى وما يُسمع، محاولًا التعرف على ذاتي في المقام الأول وما تخفيه النفس من صبر ومشقة ومرونة في التنقل والتعامل مع من تلتقيه وتخفره".
ويتابع المعشري: "أمّا ما يأتي في هذا الكتاب فأنثر فيه مساحة بوح خاصة بتجربتي للسفر إلى الجمهورية الإسلامية الإيرانية الواقعة في قلب جنوب غرب آسيا، والمتنوعة في تضاريسها وطبوغرافيتها، بين الجبال والسهول والصحاري والغابات الكثيفة وتنوعها الأيديولوجي والثقافي والديني".
ويتحدث عن فكرة الرحلة التي أصر هو ورفيقاه أن تكون رحلة دون ترتيب، ولا مرشد سياحي، وإنما رحلة انطباعية تتكئ على الاستكشاف والمغامرة.
ويسجل المؤلف انطباعاته عن تلك الرحلة قائلًا: "رحلة إيران هذه أتت مختلفة في تفاصيلها ومواقفها التي تخللتها، اجتهدت من خلالها أن أضعكم في قلبِ الأحداث، الحدث النفسي الذي يرافق المسافر، والظروف الجغرافية في كل مكان، والحكاية المضمرة بين أوراق الريال والتومان، والأوضاع العالمية والتنقلات الخارجة عن إطار البرامج المسبقة والتنسيقات المعروفة، والوسائل المختلفة والطقوس الدينية والثقافية؛ متخذًا من هذا السفر رسالة سامية وهادفة يخرج منها المسافر محملًا بأثقال من المواقف في الأسفار، ولا يمكن أن تختتم الأسفار ولا تُطوى صفحاتها في زيارات عابرة فحسب، فما زالت بعض العبارات تسري في داخلي سريان الدم في الوريد، فأتحسّس كثيرًا من العبارات التي تجعلني أُشرع في الكتابة وتدوين ما أرى".
يقول المعشري في الفصل الأول المعنون "الأطعمة والمشروبات الإيرانية.. حكاية من التراث الفارسي": "في حقيقة الأمر نحن مجرد عابرين لا نملك إلا فهم القليل من كثير في المشهد الإيراني، وليست لدينا مفاتيح وأسرار تهافت الإيرانيين صغارًا وكبارًا، رجالًا ونساءً، على نوع معين من المأكولات أو المشروبات، وقد لا أتمكّن من فهم وتفسير حبهم لمشروب (آب هويج بستني) على وجه الخصوص، لكنني وجدته جديرًا بالتجربة كتجربتنا العديد من مشروبات وأطعمة المطبخ الفارسي، وهي لا تقل أهمية عن نظيراتها في المشهد الإيراني".
وبالجولة الرابعة والعشرين تنتهي فصول الجولة الأولى ليبدأ بعدها يحيى المعشري فصول الجولة التالية، ويفضِّل أن تتصل الجولات دون أن يجعل الكتاب جزأين، فيقول في الفصل الخامس والعشرين المعنون "تحت ظلال السياسة وحنين السفر": "استكمالًا لرحلاتي السابقة إلى الجمهورية الإسلامية الإيرانية، والتي كانت في مايو من عام 2024، وبعد انقضاء عامٍ بأكمله، عرضتُ على الرفاق مجددًا تكملة الجولة الإيرانية، ولتكن هذا العام في بداية فصل الربيع، كذلك، أي بعد انقضاء عيد النوروز (النيروز) مباشرةً، وهي الفترة التي تصادف الأسبوع الأول بعد عيد الفطر، ولا داعي للتأجيل كما فعلنا في المرة الفائتة. طرحتُ على الأصدقاء الفكرة ولم أكن أجد تفاعلًا مباشرًا عدا من الصديق فهد البلوشي، على حين غرة أومأ الجميع إيجابًا".
وفي ختام الرحلة يتحدث يحيى المعشري عن بلدة قلات الإيرانية التي اختتم بها جولته الثانية، قائلًا: "في طريق النزول، قررنا الاستراحة قليلًا في أحد المقاهي، كان الأطفال القرويّون يتناولون المثلجات وهم محلّقون حول حمار وُضِع عليه سراج جلدي، تتدلى من جوانبه حبال مهترئة، تتلألأ أعينهم بالدهشة والفرح حينما يمرون على الغرباء. طبعنا في وجوههم ابتسامة فيما يمضون تباعًا مع الحمير التي تعينهم على الطريق وقضاء حاجياتهم، فيما الحمير ترمش ببطء ولا تنفر، ولا تزمجر، وكأنها اعتادت أنّ تكون جزءًا من يومهم البسيط".
ويتابع المعشري في الفقرة الأخيرة من كتابه الذي يقع في 234 صفحة: "جلسنا نلعق البوظة على الطريقة الإيرانية، وهي ليست الأشهى والمغرية لنا بطبيعة الحال بقدر ذلك التناغم الذي نثره صوت المياه الجارية من الشلالات، وحولها تتحلّق الجلسات الشبابية والعائلية ودخان الأرجيلة يعتنق الأرجاء، ويتلاشى كما تتلاشى خطى أقدام الكبار والصغار والنساء التي تمرُّ علينا في قلات لتذكرنا أننا لسنا هنا إلا للحظات تمضي بسرعة، وتبقى قلات الشيرازية أرضًا شاهدة على فارس التي نراها على حواف الجسور وفي الطرقات".
