الثلاثاء ٢ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٢٥
بقلم علي هيبي

مهرجان العقبة

على مدى ثلاثة أيّام منذ العشرين من تشرين الثّاني هذا العام 2025 وحتّى الثّالث والعشرين منه، ولأوّل مرّة يشارك في مهرجان العقبة الشّاعر الفلسطينيّ علي هيبي ضمن الأمسيات الشّعريّة وبأجواء ثقافيّة وبروح وطنيّة وقوميّة عربيّة غامرة، ووسط مناخ عاطفيّ وحاضن وحفاوة بالغة الأثر على جميع من شارك في المهرجان، ضيوفًا من الأقطار العربيّة ومحلّيّين من الأردنّ، ازدانت مدينة "العقبة" في جنوب الأردنّ برفرفة أجنحة الثّقافة والفنون والشّعر والتّراث الموسيقيّ والغنائيّ فوقها كما ازدانت بزرقة بحرها وشموخ تلالها ونظافة شوارعها وكرم ضيافة أهلها عامّة، وبخاصّة القيّمين والقائمين من الهيئات والجمعيّات على إعداد كلّ تفاصيل المهرجان، وبالأخصّ وزارة الثّقافة الأردنيّة وجمعيّة العقبة للثّقافة والفنون والتّراث، كما أسهم في الدّعم المعنويّ والمادّيّ "سلطة منطقة العقبة الاقتصاديّة" وشركة "كيمابكو" لصناعات الأسمدة والكيماويّات وشركة "تطوير العقبة" ورئيسها السّيّد حسين الصّفدي. ويشار إلى أنّ المهرجان ضمّ العديد من الفنون التّراثيّة موسيقى وغناء، وبخاصّة العزف على آلة "السّمسميّة" التّراثيّة العريقة والمنتشرة في مصر والأردنّ والسّعوديّة، وفعلًا شاركت من مصر فرقة "صوت البحر" من مدينة "بور سعيد" بقيادة الفنّانة العازفة فاطمة مرسي، وفرقة "شباب البحر" من مدينة "رأس غارب" من مصر أيضًا، وكذلك فرقة "ينبع" من مدينة "جدّة" من السّعوديّة، وفرقة "العقبة للفنون الشّعبيّة" بقيادة رئيسها الفنّان راجي الخوجة. وشارك عشرات الفنّانين التّشكيليّين، من الأردنّ الفنّانون: رائد قطناني، غسّان عياصرة المتخصّص بتدوير الموادّ، بسّام المجالي، د. آية الشّرايعة، آية عادل، لارا النّمر، عهود حسّان، كمال ياسين، صباح السّيوف قدّومي ومحمّد القدّوميّ. ومن فلسطين الفنّانة نجيّة ياسين. ومن العراق الفنّانة ازدهار أسامة. ومن مصر الفنّانة د. ماجدة علي. وقد شارك الدّكتور محمّد شبانة من مصر، ممثّلًا لأكاديميّة الفنون الشّعبيّة ورئيسًا للجنة التّحكيم في مسابقة "عازف السّمسميّة الأوّل في مدينة "العقبة"، وشارك الدّكتور محمّد غوانمة مدرّس الموسيقى في جامعة "اليرموك" في مدينة "إربد" عضوًا في اللّجنة ذاتها. أمّا الشّعراء الذين شاركوا في الأمسيات فهم: علي هيبي من فلسطين، محمّد مسعد الصّيادي من البحرين، سلّامة الصّالحي من العراق، مريم عبيدي من تونس، وشارك شعراء من الأردنّ: وصفي المزايدة، شوكت البطوش ومحمّد ياسين. ويشار إلى أنّ المحامي المهتمّ بالفنون السّيّد محمّد العسيلي مدير المهرجان كان راعيًا أصيلًا وكريمًا لكلّ تفاصيل المهرجان وكذلك سهر على راحة الضّيوف من فنّانين وشعراء وقيّمين، إذ لم يألُ جهدًا في تكريس كلّ وقته للمهرجان ومتطلّباته العديدة ولفقراته المختلفة على مدى أربعة أيّام، وقد عمل على الكثير من التّسهيلات لضمان وصول الضّيوف براحة واطمئنان، ففي يوم الأربعاء وفي ساعات ما بعد العصر حتّى ساعات المساء استقبل الضّيوف بحفاوة كبيرة للإقامة في فندق "مينا هوتيل" في وسط مدينة "العقبة".

يوم الخميس الموافق لِ 20/11/2025 كان يوم افتتاح المهرجان، وكان حافلًا بالنّشاطات والفقرات، وقد تمّ استقبال الفنّانين والشّعراء والجمهور والشّخصيّات الاعتباريّة في "البيت العقباوي"، وهو ديوان لكلّ سكّان العقبة وللفعاليّات المتنوّعة، ومعروف أنّ سكّان "العقبة" خليط من كلّ المدن والمحافظات الأردنيّة. وقد غطّى حفلة الافتتاح التّلفزيون الأردنيّ الرّسميّ والإذاعة الرّسميّة كذلك، وقد مثّل الإذاعة المخرج والإعلاميّ محمّد الرّحاحلة الّذي أجرى مقابلات مع كلّ المشاركين من فنّانين وشعراء وضيوف. ويجدر الذّكر أنّ الفنّان الممثّل أنس القرالّة كان عريفًا في حفلة الافتتاح وفي كلّ الأمسيات التّالية، وقد فعل ذلك بلياقة عريف ولباقة فنّان وحسن تقديم بلغة شاعريّة رقيقة تخاطب الوجدان. وكذلك شارك في حضور الافتتاح ممثّلون عن الشّركات الدّاعمة للمهرجان.

افتتح اللّقاء بتقديم جميل وكلمة شاعريّة من الفنّان أنس القرالّة، فقدّم السّيّد راجي الخوجة لقراءة ما تيسّر من الذّكر الحكيم، وكانت الكلمة الأولى لراعي الحفل السّيّد عبد السّلام عبيدات، عن جمعيّة "تطوير العقبة" فقدّم فيها احتفاء بالأردنّ والعقبة والتّراث وبصباح البحر والفنّ والإبداع في مهرجان العقبة الدّوليّ السّادس، الّذي أصبح محطّة سنويّة ينتظرها عشّاق التّراث والموسيقى والشّعر، إذ لم تعد العقبة وجهة سياحيّة جميلة فحسب بل أصبحت وجهة ثقافيّة أيضًا.

وجاءت كلمة السّيّد محمّد العسيلي مدير المهرجان، وفيها رحّب بالحضور وشكر الهيئات والجمعيّات والشّركات الدّاعمة، وبخاصّة وزارة الثّقافة وجمعيّة العقبة للثّقافة والفنون، وشكر كلّ من أسهم بالإعداد لهذا الحدث الثّقافيّ الكبير، وخاصّة "البيت العقباوي" الّذي استضاف احتفال الافتتاح ويدعم نشاطات وفعاليّات الجمعيّة، كما شكر الضّيوف من الأقطار العربيّة فنّانين وشعراء، ومن ثمّ تطرّق إلى فكرة المهرجان القديمة، ولذلك قال نحن نجدّد ما كان عند أسلافنا، وبخاصّة في موضوع التّراث الفنّيّ والغنائيّ، وقد أشاد ب"العمدة" الفنّان عبد الواحد أبو عبد الله النّموذج الأوّل لعزف "السّمسميّة" في الأردنّ، الّذي تمّ تكريمه في حفل الافتتاح كأيقونة العقبة، وكنموذج للحفاظ على التّراث العربيّ في ذاكرة الأمّة، وقد تمّ تكريم السّادة: حاتم كامل ومروان موسى ونبيل شعبان وهم من صانعي "السّمسيّة" في الأردنّ، وفي فقرة التّكريم أيضًا تمّ تكريم كلّ الشّركات والجمعيّات الدّاعمة للمهرجان: فكرّم كلًّا من محمود بسيوني عن سلطة العقبة الاقتصاديّة، جميل الكيّالي عن البيت العقباوي، طارق الكباريتي عن وزارة الثّقافة، خمّاش ياسين وياسر الشّوبكي، ضرار الجارحي ع شركة "كيمابكو"، سوسن الخلّاوي ورباب المزيون عن اللّجنة النّسويّة، وقد شارك في الفعاليّات والتّحضيرات السّيّد أيّوب الجوارحي نائب رئيس الجمعيّة محمّد العسيلي. وكانت الكلمة للدّكتور محمّد شبانة أستاذ الفنّ في أكاديميّة الفنون الشّعبيّة في القاهرة، عبّر فيها عن اعتزازه بالعقبة والمهرجان، وتطرّق إلى الوشائج الثّقافيّة بين مصر والأردنّ في موضوع الاهتمام بالتّراث والفنون الشّعبيّة عامّة، والسّمسيّة بالذّات صورة تعكس ذلك الاهتمام، ودعا إلى عقد مؤتمر يختصّ بالسّمسميّة فقط، ليرسخ هذا اللّون الموسيقيّ والآلة ويبقى مستدامًا، ونوّه بإقامة مسابقة "عازف السّمسميّة الأوّل في العقبة"، وقد كان د. شبانة رئيسًا للجنة التّحكيم فيها.

وفي القسم الفنّيّ والشّعريّ من الافتتاح قدّمت فرقة "صوت البحر" للتّراث وفنون السّمسميّة من بور سعيد المصريّة، بقيادة فاطمة مرسي مجموعة من المعزوفات والأغاني بمرافقة السّمسميّة والغناء والرّقص الشّعبيّ من محمود شحاتة وأحمد الشّرقاوي، كما شارك العازفون محمّد تاج الدّين والعازف الأردنيّ حسين أبو رياش. وكان للشّعراء دور بارز في الافتتاح فقد ألقى الشّاعر البحرانيّ محمّد الصّيّادي قصيدة باللّهجة الخليجيّة، فيها فخر ومدح للبلد المضيف الأردنّ والعقبة، من ديوانه "نداء النّشامى"، وكان الشّاعر قد قدّم بكلمة ذاكرًا الأردن الصّغير جغرافيًّا والكبير ثقافيًّا. وبعده ألقت الشّاعر العراقيّة سلّامة الصّالحي قصيدة عن العقبة بنغمة غزليّة رقيقة. وعن الفنّانين التّشكيليّين قدّمت الفنّانة العراقيّة ازدهار أسامة كلمة عن أهمّيّة الفنّ التّشكيليّ كأحد أدوات التّعبير عن ميول الإنسان ووجدانه وأفكاره، فالفنّ كما قالت ليس مجرّد ألوان ولوحات بل هو لغة عالميّة تجمع القلوب على التّجارب الإنسانيّة الصّادقة. وفي ركن جانبيّ من "البيت العقباوي" قام الفنّانون التّشكيليّون برسم لوحات من وحي المهرجان وإلهام الأجواء والمكان، ومن ثمّ عرضوها للجمهور الّذي حضر لمشاهدة الفعاليّات. ثمّ توالى العزف على السّمسميّة والغناء من فرقة العقبة للفنون الشّعبيّة وفرقة "ينبع" من للفنون الشّعبيّة من السّعوديّة.

وبعد استراحة وغداء أقيمت أمسية فنّيّة وشعريّة على "شطّ المتوسط" وكانت بعرافة الفنّان أنس القرالّة، فافتتح الأمسية بلباقة ولغة شاعريّة رقيقة تنسجم مع الأجواء الجميلة ومع معرض اللّوحات الفنّيّة الّتي رسمها الفنّانون المشاركون. وجاء دور الشّعر فكان الشّاعر البحرانيّ محمّد الصّيّادي أوّل الملقين، فألقى مجموعة من القصائد الوطنيّة والغزليّة، أمّا الشّاعرة العراقيّة سلّامة الصّالحي فألقت قصيدة من شعر الوجدان والحنين، أمّا الشّاعرة التّونسيّة مريم عبيدي فألقت بعض القصائد العاطفيّة من ديوانها "بعض من حكايا شهر زاد"، وفي هذه الأمسية تألّق الشّاعر علي هيبي من فلسطين فقد ألقى قصيدة وطنيّة كتبها خصّيصًا للعقبة، ذكر فيها أحوال الأمّة والبؤس الّذي تعيشه في خضم حرب الإبادة على غزّة، ثمّ قرأ مقطوعات كتبت من وحي الحرب على غزّة من ديوانه "غزّة أرضيّة" الّذي سيصدر قريبًا، واختتم فقرة الشّعر الشّاعر الأردنيّ وصفي المزايدة بقصيدة وجدانيّة جميلة. وتابعت الفرق الغنائيّة الاحتفال مع السّمسميّة، وافتتحت فرقة "صوت البحر" المصريّة بأغانٍ لفلسطين، وتلتها فرقة العقبة للفنون الشّعبيّة بأغانٍ شعبيّة وتراثيّة وفرقة "شباب البحر" من "رأس غارب"، من مصر، وفرقة "ينبع" من السّعوديّة.

وفي يوم الجمعة الموافق لِ 21/11/2025 قام القيّمون على المهرجان باصطحاب الضّيوف والفنّانين والشّعراء إلى جولة سياحيّة على طول السّاحل الجنوبيّ والوصول إلى الحدود مع السّعوديّة ومصر، ومن ثمّ قام المشاركون بزيارة "منتجع بيت العقبة" لصاحبه خمّاش ياسين، رئيس جمعيّة الغوص الأردنيّة وعضو مجلس إدارة غرفة تجارة العقبة، وبحفاوة كبيرة صاحب الضّيوف بجولة في المنتجع وشرح لهم عن النّشاطات والفعاليّات في المنتجع السّياحيّ، ومن هناك قام المشاركون بجولة بحريّة في خليج العقبة. وبعد استراحة قصيرة بدأت الأمسية الشّعريّة والفنّيّة في ساحة "الثّورة العربيّة" بعرافة الفنّان أنس القرالّة، وكان الشّاعر الفلسطينيّ علي هيبي صاحب قصب السّبق في الإلقاء في هذه الأمسية، فقرأ جزءًا من قصيدته الطّويلة "أيّتها الدّيار العامرة ابشري بالخراب" من ديوانه "أنا مع الحسين ولست مع يزيد"، وألقت الشّاعرة مريم عبيدي قصيدة "أمنيات" الوجدانيّة، وقرأ الشّاعر محمّد الصّيّادي من البحرين قصيدة من ديوانه "نداء النّشامى"، وألقى الشّاعر الأردنيّ، شوكت البطوش قصيدة باللّغة المحكيّة البدويّة، قارن فيها بين القديم والجديد في العادات الاجتماعيّة، أمّا الشّاعر الأردنيّ، محمّد ياسين فألقى قصيدة للعقبة وقصيدة بعنوان "فتيل الضّوء". وتابعت الفرق الفنّيّة نفسها مع السّمسميّة العزف والغناء الشّعبيّ.

وكان يوم السّبت الموافق لِ 22/11/2025 هو اليوم الّذي اختتمت فيه الفعاليّات، كانت الأمسية الثّالثة والأخيرة في "ساحة الثّورة العربيّة"، وكان العريف الفنّان أنس القرالّة الّذي واكب الأمسيات يومًا فيومًا، وفي هذه الأمسية شارك ثلاثة شعراء من الضّيوف: محمّد الصّيّادي من البحرين فقد ألقى قصيدة غزليّة من ديوانه "بنت الأصول"، وقرأت الشّاعرة العراقيّة سلّامة الصّالحي ومضات شعريّة قصيرة ورائعة، وكان ختام الإلقاء مسكًا في الأمسية الشّعريّة الأخيرة، فقد ألقى الشّاعر الفلسطينيّ، علي هيبي قصيدة بعنوان "نحو ظلال الصّحراء" من ديوانه "بوادٍ غير ذي زرع". وتابعت السّهرة الفرق الفنّيّة بالغناء والعزف.

وكان مسك الختام تكريم المشاركين جميعًا فرقًا فنّيّة وفنّانين تشكيليّين وشعراء بتقديم دروع وشهادات رمزيّة تقديرًا لمشاركتهم القيّمة في المهرجان على مدى أربعة أيّام، كما أعلن في هذه اللّيلة عن أسماء الفنّانين العازفين على آلة "السّمسميّة"، ضمن مسابقة "عازف السّمسميّة الأوّل في العقبة" الّتي شارك فيها 12 عازفًا من المحترفين و 15 عازفًا من الهواة، وقد أعلنت لجنة التّحكيم المؤلّفة من د. شبانة رئيسًا ومن د. غوانمة عضوًا فوز ثلاثة من المحترفين وثلاثة من الهواة، وقام العريف القرّالة بقراءة أسماء الفائزين ودعوتهم لتسلّم جوائزهم، ومن ثمّ دعاهم للعزف على "السّمسميّة". ويذكر أنّ السّيّد محمود بسيوني، ممثّل السّلطة الاقتصاديّة في العقبة، والسّيّد طارق البدور، مدير الثّقافة في العقبة قد قاما بتكريم المشاركين إلى جانب مدير المهرجان، محمّد العسيليّ. الّذي قدّم في الختام كلمة شكر وتنويه بنجاح المهرجان، ووعد بالعمل على التّحضير للمهرجان السّابع في العام القادم. وبهذه الأجواء الأسريّة الحميمة الّتي غمرت الجميع، وبروح جماعيّة وثّابة لمستقبل ثقافة عربيّة مشرقة، أغلق السّتار عن مهرجان العقبة السّادس لهذا العام.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى