الخميس ٢٥ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٠٨
بقلم سالم العامري

وداعاً يا أعزَّ صديق

رَمَقَ السماءَ مُعاتِباً، مُسْتَعْبِرا
ومشى يُغالِبُ دَمعَهُ المُتَحَدِّرا
 
وَمَشى يُوَدِّعُ صَحْبَهُ، وفؤادُهُ
بينَ الإقامةِ والرحيلِِ تَشَطَّرا
 
* ** **
يا راحِلاً عِندَ الغُروبِ مُشَيَّعاً
لِلِقاءِ اَهلِكَ، بالأسى، مُسْتَبْشِرا
 
مَهْلاً، يطولُ بِنا الوداعُ دقائِقاً
سِيّانَ بعدَكَ أن تَطولَ وتَقْصُرا
 
إن كانَ عِندكَ للفراقِ تَصَبُّرٌ
أفديكَ، هَبْ لي مِنكَ فيكَ تَصَبٌّرا
 
ارِني بعينيكَ الحياةَ نعيمُها
نَغَمٌ على شَفَةِ الجحيمِ تَفَجَّرا
 
* ** **
عَجِلًا تسيرُ، فهل مقامُكَ بيننا
قَدَرٌ، فِراقُكَ قَبْلَهُ قَدْ قُدِّرا
 
ودَّعْتَنا والشمسُ مِثلُكَ ودَّعَتْ
آفاقنا تَطوي النهارَ المبصِرا
 
ماذا تُراكَ وعَدْتَها فَتَعَجَّلَتْ
وَتَوَشَّحَتْ فَرَحاً وشاحاً احمرا
 
أم إنها عَلِمَتْ بأنكَ راحِلٌ
فَهَوَتْ تُقَبِّلُ خَطْوَكَ المُتَعَثِّرا
 
امْ قد تَلَتْ اَلَمَ النوى بِعُيُونِنا
فاسْتَبْدَلَتْ بِذُرى السَما وجْهَ الثَرى
 
تَبْكيكَ صَمْتاً، ثم ترقُدُ ليلَها
صَبْراً، وتنتظرُ الصباحَ لِتُسْفِرا
 
فَغَداً تَراكَ، زمانُكُمْ بلقائِكم
إلا مكانَ المُلتَقى، ما غَيَّرا
 
فَلو اصْطَبَرْتُ كصَبْرِها مُتَعَلِّلاً
ولو انتَظرْتُكَ ساهِراً، ماذا أرى
 
أأرى مكانكَ خالياً فيعيدُني
للاَمسِ اتْبعُ ما مضى مُسْتَذْكِرا
 
فَهُناكَ سِرْتَ، هُنا جَلَسْتَ، هنا
ضَحِكْتَ، بِعِفَّةِ المَلَكِ الطَهورِ، واطْهَرا
 
* ** **
ما كنتُ اعلمُ بالصَديقِ، فراقُهُ
كسْرٌ، واِنْ حاوَلْتَهُ لنْ يُجْبَرا
 
حتى ارْتَحَلْتَ، فَبانَ اِنَّ تَجَلُّدي
زَيْفٌ تَوَهَّمَهُ الخيالُ وصَوَّرا
 
فالحيُّ مذْ غابت عُيُونُكَ مُوحِشٌ
مُتَرَقِّبٌ طيفاً يَعودُ ليُزْهِرا
 
والليلُ بعدَكَ لا يطيبُ لسامرٍ
أيطيبُ لَيلٌ مِن حَديثكَ أقفرا؟!
 
عَجَباً دَخَلْتَ العُمْرَ صَفْوَ بَراءَةٍ
كالنورِ او كالعِطرِ او سِنَةِ الكرى
 
مابينَ فعلٍ صائِبٍ او دونَهُ
تَلْهو بأيامِ الشبابِ كما تَرى
 
أو موعِداً واعَدْتَنا لم تأتِهِ
مُتَعَلِّلاً والعُذْرُ منكَ تَعََذَّرا
 
اُغْضِي لمِا تأتي بهِ وَأراكَ في
إتْيانِهِ أخيَ الشقيقَ الأصْغَرا
 
ورَحَلتَ في عَجَلٍ كأنَّكَ طائِفٌ
ما جاءَ حتّى قيلَ مَرَّ وأدْبَرا
 
وتَرَكتَنا للذكرياتِ نُعيدُها
حُلُماً غَفا في العينِ لَيْلةَ إذْ سَرى
 
فَكَأنها كلُّ الحياةِ وإنّما
ما بيننا بالأمْسِ إلا أشْهُرا
 
* ** **
وإذا أرَيْتُكَ في الوداعِ تَجَلُّداً
وَحَبَسْتُ دَمْعي في الجُفونِ فما جَرى
 
وَضَحِكْتُ مِن سَوْطِ العذابِ فأنني
أكْبَرْتُ دمعي اَن يُضامَ ويُقْهَرا
 
ولقَدْ تَرَكْتُ العُذْرَ مُتَّكِلاً على
إني عَرِفْتُكَ بالضميرِ، الاَخْبَرا
 
يَزْدادُ فِعْلُ الدهرِ بي سوءاً فما
اَزْدادُ إلا رِفْعَةً وتَكَبُّرا
 
* ** **
دُنياكَ أهْوَنُ من إراقَةِ دمْعِنا
هَدْراً ونعْلمُ اَنهُ لا يُشْتَرى
 
لوْ قََدْ عَلِمْتُ الدمعَ يُرْجِعُ غائباً
لأسَلْتُ مِن حُمْرِ المدامِعِ أبْحُرا
 
ومَدَدَتُ جسراً للمنافي كلِّها
واليكَ من ضَوءِ العُيونِِ لِتَعْبُرا
 
إنْ كانَ مَقْسوماً لنا فَسَنلتقي
يوماً وإنْ طالَ المدى وتأخَّرا
 
وإذا الزمانُ أبَى فَحسْبيَ انني
ألقاكَ بالذِكرى ربيعاً اَخضرا

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى