وَطَنِيَ السَّجِينُ
الْيَوْمَ أَكْشِفُ بِالْحَيَاةِ مَنَاقِبِي،
فَشِلَتْ عَلَى وَطَنِي جَمِيعُ تَجَارُبِي.
فَشِلَتْ جُهُودِي بِالْحَيَاةِ وَأَخْفَقَتْ،
فَرَجَعْتُ أَحْمِلُ بِالدُّرُوبِ مَتَاعِبِي.
عَجِزَتْ بِلَادِي أَنْ تَصُونَ كَرَامَتِي،
وَتَصُونَ عَهْدِي وَالْوَلَاءَ بِجَانِبِي.
فَاتَتْ بِيَ الْأَحْلَامُ يَا أَمَلِيَ الَّذِي
قَدْ كُنْتَ مَأْمُولِي الْوَحِيدَ وَخَائِبِي.
طُمِسَتْ عَلَى وَجْهِ الْحَيَاةِ هُوِيَّتِي،
وَظَلَّلْتُ أَغْرَبَ مِنْ كَيَانِي الْغَاصِبِ.
يَمْنِيٌّ "وَكُــلُّ مَشَاعِــــرِي يَمَنِيَّةٌ،
بِعَظِيمِ صَبْرِي وَاحْتِدَامِ مَصَائِبِي.
بِنَزِيفِ جُرْحِي وَاغْتِيَالِ سَعَادَتِي،
وَنُحُولِ جِسْمِي عن مَلَامِحِ شَاحِبِ.
يَمْنِيٌّ وَفِي الرَّمَقِ الْأَخِيرِ مَجَاعَةٌ،
وَفَتِيلُ نَارِ الْحَرْبِ جَوْفُ ذَوَائِبِي.
بَلَدِي الَّتِي جَارَ الطُّغَاةُ بِسَفْحِهَا،
وَسَطَوْا عَلَى عَيْشِي بِهِبِ رَوَاتِبِي.
وَطَنِي الَّذِي مَاتَ الْعَزِيزُ بِذِلِّهِ،
قَهْرًا وَحَاصَرَهُ لُصُوصُ مَنَاصِبِي.
وَطَنِي الَّذِي أَوْصَى بِهِ جَدِّي أَبِي،
بَعْدَ الْوَصِيَّةِ يَا أَبِي قَدْ ضَاعَ بِي.
أَرْضِي وَإِنْ جَارَتْ عَلَيَّ عَزِيزَةٌ،
أَمَا أَنَا بِالْعِزِّ ذُلِّي وَأَصْبِ
قَدْ عِشْتُ فِي دُنْيَا الْبَسَاطَةِ كَادِحًا،
مُنْذُ الطُّفُولَةِ وَالشَّبَابِ وَشَائِبِي.
مَا جِئْتُ أُشْعِلُ فِي الْبِلَادِ عَدَاوَةً،
كُرْهًا وَأَحْصُدُ بِالسِّلَاحِ مَكَاسِبِي.
مَا صِرْتُ فِي حُكْمِ اللُّصُوصِ قِيَادَةً،
لَتَزِيدَ بِالْأَطْمَاعِ فِيَّ مَطَالِبِي.
مُنْذُ خَرَجْتُ إِلَى الْحَيَاةِ وَلِي بِهَا
حَظًّا تَعِيسًا لَا يَلِيقُ بِوَاجِبِي.
وَالْآنَ أَخْتَزِلُ الْحَقِيقَةَ دُونَمَا
زَيْفٍ، وَأَشْرَحُ كَيْفَ تَمَّ تَجَاوُبِي؟
يَا حَضْرَةَ الْوَطَنِ السَّجِينِ بِدَاخِلِي،
هَلْ أَطْبِقُ السَّجَّانُ فِيَّ سَرَادِبِي؟
هَلْ يَفْتَحُ الْقُضْبَانُ صَدْرِي كُلَّمَا
قَلْبِي بِأَقْفَاصِ الْمَكِيدَةِ نَاشِبِي؟
هَلْ يَقْرَعُ السِّنْدَانُ فِيَّ حَدِيدُهُ،
وَيُفَكُّ أَسْرِيَ بِالْحَيَاةِ وَصَالِبِي؟
هَلْ حَقَّقَ الْحَرْبُ الطَّوِيلُ مُرَادَهُ،
ثَأْرًا بِقَتْلِي كَيْ يُثِيرَ نَوَائِبِي؟
يَا لَلْهُوَانِ أَضَعْتُ عُمْرِي كُلَّهُ،
وَأَنَا أَخُوضُ رَحَى سِنِينَ تَحَارُبِي.
هَلْ يَا سُؤَالُ عَنِ الْجَوَابِ سَأَكْتَفِي،
بِصِدَاكِ حَوْلَ حَدِيثِيَ الْمُتَضَارِبِ؟
بِالْقَوْلِ لَا أَحَداً سِوَايَ يَدُورُ فِي
فَلَكٍ بَعِيدٍ عَنْ مَدَارِ كَوَاكِبِي.
فَإِلَى مَتَى سَأَضِلُّ أَصْرُخُ خَائِبًا،
يَا لِلضَيَاعِ فَقَدْتُ كُلَّ مَرَاكِبِي؟
وَطَنِيَّتِي الْحَمْقَاءُ تَلْعَنُنِي كَمَا
لُعِنَ الْحُضُورُ عَلَى لِسَانِ الْغَائِبِ.
إِنْ لَمْ يَكُنْ لِي فِي الْبِلَادِ مَكَانَةً،
أَحْيَاءَ بِهَا فَلَدَى الْغِيَابِ مَآرِبِي.
وَعَلَى الْغَرَابة أَبْتَغِي وَطَنًا بِهَا،
خَيْرًا مِنَ الْوَطَنِ الَّذِي يَنْهَارُ بِي.
وَالشَّوْقُ مَاذَا الشَّوْقُ يَا وَطَنَ الرِّدَى،
وَأَنَا بِقُرْبِكَ قَدْ فَقَدْتُ أَقَارِبِي؟
وَالْآنَ أَسْرَحُ بِالضَيَاعِ وَأَمْتَطِي
ظَهْرَ الرِّكَابِ لِأَسْتَرِدَّ رَحَائِبِي.
