الاثنين ٢٩ أيلول (سبتمبر) ٢٠٢٥
بقلم مصطفى معروفي

الرجل التنوخيُّ والجارية العامرية

لما انتبه ابن خلدون إلى كثرة علماء المسلمين وفقائهم وأن غالبيتهم كانوا أعاجم، وأكثرهم من الفرس فهو في الحقيقة كان ينبه إلى أمر خطير جدا، وهو أن هؤلاء ربما لم يكن قصدهم بريئا تماما، وهو خدمة دين الإسلام وتعزيزه والدفاع عنه، وإنما ربما للدس عليه والكيد له، وهو ماحدث فعلا .والأمر نفسه هو ما حدث للشعر العربي، وخصوصا من طرف الموالي الذين تعلموا العربية وشعرها ونبغوا فيه،وبالتالي صاروا لنقمتهم على العرب يفسدون شعرهم ويدسون المثالب عليهم، وإنطاقهم بما لم ينطقوا به، وقد دون ذلك في كتب الرواة وتناقله الناس جيلا بعد جيل، ومما رواه هؤلاء قصة رجل من تنوخ بحي من بني عامر بن صعصعة،وهي قصة رواها المسعودي في كتابه الشهير"مروج الذهب"، أضعها أمام القرئ ليتأملها ويحكم عليها،يقول المسعودي:

"عن يزيد الرقاشي قال:

كان السفاح يعجبه مسامرة الرجال، وإني سمرت عنده ذات ليله، فقال يزيد أخبرني بأظرف ما سمعته من الأحاديث، فقلت يا أمير المؤمنين وإن كان في بني هاشم، قال ذلك أعجب إلي، فقلت: يا أمير المؤمنين نزل رجل من تنوخ بحي من بني عامر بن صعصعة فجعل لا يحط شيئا من متاعة إلا تمثل بهذا البيت:

لعمــــرك ما تبلى سرائــــــر عامر
من اللؤم ما دامت عليها جلودها

فخرجت إليه جارية من الحي فحادثته واّنسته وسألته حتى أنس بها. ثم قالت: ممن أنت متعت بك، قال رجل من عنزة.

قالت: أتعرف الذي يقول:

ما كنت أخشى وإن كان الزمان لنا
زمان سوء بـــأن تغتــــــالني عنزة
فلست من وائل إن كنـــت ذا حذر
ممن يظل كما قـــد ضلت الخزرة

قال لا والله لست منهم قالت: ممن أنت، قال من تميم، فقالت: أتعرف الذي يقول:

تميم بطرق اللؤم أهدى من القطا
ولوسلكت سبـــل المكـارم ضلتِ
ولو أن برغوثـــا على ظهر قملة
رأته (تميم) يـوم زحــف لولتِ
ذبحنا فسمينا فتم ذبيحنــــــــــا
وما ذبحت يوما (تميم) وسمّتِ
أرى الليل يجلوه النهــــار ولا أرى
عظام المخازي عن (تميم) تجلّتِ

فقال: لا ولله ما أنا منهم، فقالت: فمن أنت: قال من عجل. فقالت: أتعرف الذي يقول:

أرى الناس يعطون الجزيل وإنما
عطاء بني (عجل) ثلاث وأربعُ
إذا مات عجلـــــــيٌّ بأرض فإنما
يشق له منها ذراع وإصبــــــــــعُ

قال : لا ولله ما أنا من عجل بل رجل من بني يشكر فقالت : أتعرف الذي يقو :

إذا يشكريٌّ مس ثوبَك ثوبه
فلا تذكرنَّ الله حتى تَطهّرا

قال: لا والله ما أنا من يشكر بل من بني عبدالقيس قالت : أتعرف الذي يقول:

رأيت عبدالقيس لاقت ذلا
إذا أصابــــوا بصــلا وخَلا
باتوا يسلون النساء ســـلا
سلّ النبيط القصب المبتلا

قال: لا والله ما أنا من عبدالقيس بل من باهلة فقالت: أتعرف الذي يقول:

إذا ازدحم الرجال على المعالي
تنــــــحى الباهلي عن الزحـام
فلو كان الخليفة باهليــــــا
لقصَّر عــــن مساواة الكرام
وعرض الباهلي وإن توقى
عليه مثــل منديل الطعام

قال: لا والله ما أنا من باهلة بل رجل من فزارة فقالت: أتعرف الذي يقول:

لا تأمننّ فـــــزاريّا خلــوتّ به
على قلوصك واكتبها بأيسار

قال، لا والله ما أنا من فزارة بل رجل من ثفيف قالت : أتعرف الذي يقول:

أضــل الناسبــون أبا ثقيف
فما لــهــــم أب إلا الضـلالُ
خنازير الحشوش فقتِّلوها
فإن دماءهم لكــــــمُ حلال

قال: لا والله ما أنا من ثقيف بل من بني ثعلبة قالت : أتعرف الذي يقول:

وثعلبة بن قيس شر قوم
وألأمهم وأغــدرهم بجارِ

قال: لا والله ما أنا من ثعلبة بل رجل من غني قالت: أتعرف الذي يقول:

إذا غنوية ولدت غلاما
فبشرها بخياط مجيد

قال: لا والله ما أنا من غني بل رجل من بني مرة قالت: أتعرف الذي يقول:

إذا مرّيّة خضَبتْ يداها
فزوِّجْها ولا تأمن زناها

قال : لا والله ما أنا من بني مرة بل من بني ضبة فقالت: أتعرف الذي يقول:

لقد زرقت عيناك يابن مكَعبرٍ
كما كل ضبّيّ من اللؤم أزرق

قال: لا والله ما أنا من بني ضبة بل رجل من بجيلة قالت : أتعرف الذي يقول:

فما تدري بجيلةُ حين تُدعى
أقحطـــــــان أبوها أم نزار

قال: لا والله ما أنا من بجيلة بل رجل من الأزد قال : أتعرف الذي يقول:

إذا أزديّةٌ ولدت غلاما
فبشرها بمــلّاح مجيد

قال: لا والله ما أنا من الأزد بل رجل من خزاعة قالت : أتعرف الذي يقول:

إذا افتخرت خزاعةُ في قديمٍ
وجدنا فخـرها شــربَ الخمورِ
وباعت كعبة الرحمن جهـــرا
بزق بئس مفتخر الفخـــــور

قال: لا والله ما أنا من خزاعة بل من سليم قالت : أتعرف الذي يقول:

فمال سليم شتت الله أمرها
تنيك بأيديها وتعبي أيورها

قال: لا والله ما أنا من سليم بل رجل من لقيط قالت : أتعرف الذي يقول:

لعمرك ما البحار ولا الفيافي
بأوسع من فقاح بني لقيط
لقيط شر من ركب المطايا
وأنذل من يدب على البسيط

قال: لا والله ما أنا من لقيط بل أنا رجل من كندة قالت : أتعرف الذي يقول:

إذا افتخـــر الكنديُّ
ذواللجسة والطرة
فالســــبخ وبالخف
وبالسدل وبالحفرة
فدع كنـــدة للسنج
فأعلى فخرها عرة

قال: لا والله ما أنا من كندة بل رجل من خثعم قالت: أتعرف الذي يقول:

وخثعم لو صفرت بها صفيرا
لطارت في البلاد مـع الجراد

قال: لا والله ما أنا من خثعم بل من طيئ قالت: أتعرف الذي يقول:

وما طيء إلا نبيط تجمعت
فقالت طيانا مرة فاستمرت
ولو أن حرقوصا يمد جناحه
على جبل من طيء إذا لاستظلت

قال: لا والله ما أنا منهم، ولكني رحل من مزينة، قالت: أتعرف الذي يقول:

وهل مزينة إلا من قبيلة
لا يرتجي كرم فيها ولا دين

قال: لا والله لست منهم، إنما رجل من النخع قالت: أتعرف الذي يقول:

إذا النخع اللئام عدوا جميعا
تأذي الناس من وفر الزحام
وما نسبوا إلى مجد كريــم
وما هم في الصميم من الكرام

قال: لا والله لست منهم بل رجل من أود، قالت : أتعرف الذي يقول:

إذا نزلت بأود في ديار همو
فاعلم بأنك منهم لست بالناجي
لا تركنن إلى كهل ولا حدث
فليس في القوم إلا كل عفاج

قال: لا والله ما أنا من أود، بل رجل من لخم قالت: أتعرف القائل:

إذا ما انتمى قوم لفخر قديمهم
تباعد فخر القوم من لخم أجمعا

قال: لا والله ما أنا من لخم، بل رجل من جذام ، قالت: أما سمعت القائل:

إذا كأس المدام أدير يوما
لمكرمة تنحي عن جذام

قال: لا والله ما أنا من جذام قالت ممن أنت , ويلك أما تستحي أكثرت من الكذب. قال: أنا رجل من تنوخ وهو الحق , قالت أتعرف القائل:

إذا تنوخ قطعت منهلا
في طلب الغارات والثار
آبت بخزي من إله العلى
وشهرة في الأهل والجار

قال: لا والله ما أنا من تنوخ، قالت ممن أنت ثكلتك أمك. قال: رجل من حمير، قالت: أتعرف الذي يقول:

نبئت حميرَ تهجوني فقلت لهم
ما كنت أحسبهم كانوا ولا خلقوا
لأن حمير قوم لا نصاب لهم
كالعود في القاع لا ماء ولا ورَقُ

قال: لا والله ما أنا من حمير بل رجل من يحابر، قالت: أتعرف القائل:

ولو صر صـــــــــرار بأرض يحابر
لماتوا وأضحوا في التراب رميما

قال: لا والله ما أنا من يحابر بل رجل من قشير قالت: أتعرف القائل:

بني قشير قتلتم سيدكم
فاليوم لا فدية لكم ولا قود

قال : لا والله ما أنا من قشير بل من بني أمية، قالت: أتعرف القائل:

وهى من أمية بنيانها
فهان على الله فقدانها
وكانت أمية فيما مضى
جريء على الله سلطانها
فلا اّل حرب أطاعوا الرسول
ولم يتـــــق الله مــــروانها

قال: لا والله ما أنا من أمية بل رجل من بني هاشم، قالت: أتعرف الذي يقول:

بني هاشم عودوا إلى نخلاتكم
فقد صار هذا التمر صاعا بدرهم
فإن قلتموا رهط النبي محمد
فإن النصارى رهط عيسى بن مريم

قال: لا والله ما أنا منهم، بل من بني همدان، قالت: أتعرف الذي يقول:

إذا همدان دار يوم حرب
رحاها فوق هامات الرجال
رأيتموها يحثون المطايا
سراعا هاربين من القتال

قال: لا والله ما أنا منهم، بل رجل من قضاعة، قالت: أتعرف القائل:

لا يفخرنَّ قضاعيٌّ بأسرته
فليس من يمَنٍ محضا ولا مضرِ
مذبذبين فلا قحطانُ والدهم
وليس عدنانُ ،خلُّوهم إلى سقرِ

قال: لا والله ما أنا منهم بل من بني شيبان، قالت: أتعرف الذي يقول:

شيبان قوم لهم عديد
وكلهم مقرف لئيم
ما فيهموا ماجد حسيب
ولا نجيب ولا كريم

قال: لا والله ما أنا منهم بل أنا من رجل بني نمير قالت ك أتعرف القائل:

فغض الطرف إنك من نمير
= فلا كعبا بلغت ولا كلابا

قال: لا والله لست منهم، بل من تغلب، قالت: أتعرف الذي يقول:

عبدوا الصليب وكذبوا بمحمد
وبجبرائيل وكذبوا ميكالا

قال: لا والله ما أنا منهم، بل أنا من مجاشع، قالت: أتعرف القائل:

تبكي المغيبة من بنات مجاشع
ولها إذا غلمت نهيقُ حمار

قال : لا والله لست منهم، بل من كلب، قالت: أتعرف القائل:

فلا تقربن كلبا ولا باب دارها
فما يطمع الساري يرى ضوء نارها

قال : لا والله ما أنا لست منهم، بل رجل من تميم، قالت أتعرف القائل:

تيمية مثل أنف الفيل مقبلها
تهدي الرحى ببنان غير مخذوم

قال: لا والله لست منهم، بل رجل من جرم قالت: أتعرف القائل:

تمنيني سويق الكرم جرم
وما جرم وما ذاك السويق
فلما أنزل التحريم فيها
ولا غالوا به في يوم سوق
فلما أنزل التحريم فيها
إذا الجرمي منها لا يفيق

قال: لا والله لست من جرم بل رجل من سليم قالت أتعرف القائل:

إذا ما سليم جئتها لغدائها
رجعت كما قد جئت غرثان جائعا

قال: لا والله ما أنا من سليم وإنما أنا من الموالي، فقالت: أتعرف الذي يقول:

إلا من أراد الفحش واللوم والخنا
فعند الموالي الجيد والطرفان

قال: أخطأت نسبي ورب الكعبة، أنا من الخوز، قالت: أتعرف القائل:

لا بارك الله ربي فيكمو أبدا
يا معشر الخوز إن الخوز في النار

قال : لا والله ما أنا من الخوز، بل من أولاد حام قالت: أتعرف القائل:

فلا تنكحن أولاد حام فإنها
مشاويه وخلق الله حاشا بن أكوع

قال: لا والله لست منهم، بل أنا من أولاد الشيطان الرجيم، قالت: فلعنك الله ولعن أباك الشيطان معك، أتعرف الذي يقول

ألا يا عباد الله هذا عدوكم
وهذا عدو الله إبليس فاقتلوا

فقال لها : هذا مقام العائذ بك، قالت: قم فارحل خاسئا مذموما، وإذا نزلت بقوم فلا تنشد فيهم شعرا حتى تعرف من هم ولا تتعرض للمباحث عن مساويء الناس، فلكل قوم إحسان وإساءة، إلا رسول رب العالمين، ومن اختار الله على عباده وعصمه من خلقه. وأنت كما قال جرير للفرزدق؟

وكنتَ إذا حللتَ بدار قوم
رحلتَ بخزيةٍ وتركْتَ عارا

فقال لها: والله لا أنشدت بيت شعر أبدا.

فقال السفاح، لئن كنت علمت هذا الخبر ونظمت فيمن ذكرت هذه الأشعار، فلقد أحسنت وأنت سيد الكاذبين، وإن كان الخبر صدقا فيما ذكرته محقا فإن هذه الجارية العامرية لمن أحضر الناس جوابا وأبصرهم بمثالب الناس ".

ونسأل الله السداد في القول والعمل.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى