السرد الترابطي
أطروحة جامعية تسلط الضوء على «السرد الترابطي» كإفراز للتحولات التي يعرفها السرد الأدبي في ظل الثورة الرقمية.
ركزت الأطروحة التي قدمها الطالب الباحث خالد البراهمي، ضمن مسلك تكوين الفكر الأدبي والنقد الحديث بعنوان: "السرد الترابطي: قضايا وتجليات" على التحولات التي يعرفها السرد الأدبي في ظل الثورة الرقمية، وما أفرزته من أنماط سردية جديدة أبرزها السرد الترابطي، الذي يقوم على تفاعل القارئ مع النص وإسهامه في بناء المعنى عبر مسارات متعددة وغير خطية
واعتمد الباحث على السيميائيات التداولية لفهم آليات إنتاج الدلالة في النصوص الترابطية العربية والغربية. بحث جامعي يستكشف آفاق السرد الترابطي في الأدب العربي .وقد حرص الباحث على دراسة متون سردية ترابطية عربية وغربية، وفق معايير محددة، من أبرزها قدرتها على تجسيد مستويات الإنتاج الروائي وآليات بناء المعنى، بالنظر إلى زمن صدورها، ونوعية السرد، ومدى إسهامها في تقديم إجابات ممكنة عن الإشكالية المطروحة.
هذا الاستحقاق العلمي يندرج ضمن جهود كلية الآداب والعلوم الإنسانية التابعة لجامعة عبد المالك السعدي بتطوان في دعم الأبحاث المستقبلية، وتشجيع الطلبة على الابتكار والمشاركة الفاعلة في قضايا العصر. وقد شهدت تفاصيله الأربعاء 05 نونبر 2025 بمقر قاعة عبد الله المرابط الترغي، وناقشته لجنة علمية تألفت من: الدكتور أحمد هاشم الريسوني رئيسا، الدكتورة سعاد مسكين مشرفا، الدكتور محمد خالدي مقررا، الدكتور محمد العناز مقررا، الدكتور مصطفى العطار مقررا، والدكتور جمال الزمراني مناقشا..
وفي دراسته للمتون السردية الترابطية العربية، شمل البحث أعمال محمد سناجلة مثل (صقيع 2005، شات 2006، تحفة النظارة في عجائب الإمارة 2016، ظلال العاشق التاريخ السري لكموش، 2016)، والتي تمثل تجربة رائدة في الأدب الرقمي، إذ وظفت الوسائط المتعددة (الصوت، الصورة، الفيديو) لترسيخ معالم الرواية الترابطية، ما يجعلها نموذجا مثاليا لدراسة تحولات الكتابة السردية في البيئة الرقمية، لا سيما على مستوى الشكل والبنية وطريقة التلقي. كما تناول الباحث أعمال إسماعيل البويحياوي مثل (حفنات جمر 2014، شاشةCom. 2021)، اللتين تمثلان مرحلة متقدمة من تطور الكتابة السردية الرقمية في العالم العربي. وتبرز هذه الأعمال إمكانات اللغة والروابط في إنتاج سرد ترابطي مفتوح، يتيح تعدد المسارات وإعادة تشكيل المعنى مع كل قراءة جديدة.
الباحث لبراهمي ركز على تجربة البويحياوي كنموذج معبر عن الوعي الجمالي والتقني الجديد الذي يتعامل مع الفضاء الرقمي بوصفه مجالا للإبداع والتجريب، كما تتيح التجربة مقارنة غنية بين جيل الريادة الذي أسس لكتابة الأدب الرقمي العربي، وجيل الحداثة التقنية الذي يسعى إلى تطوير أشكاله ومضامينه عبر توظيف الوسائط الحديثة.
وفي السياق ذاته خصصت الدراسة جزءا من تحليلها لأعمال محمد اشويكة مثل (احتمالات: سيرة افتراضية لكائن من زماننا، 2006، محطات: سيرة افتراضية لكائن من ذاك الزمان، 2009)، نظرا لتوظيفها المتميز للروابط بوصفها علامات سيميائية تؤطر الفعل القرائي، وتقدم بنية سردية متعددة المسارات.
أما على صعيد المتون الغربية، فقد تم اختيارها لتقديم نماذج متنوعة للسرد الترابطي في الأدب الرقمي، حيث أبرزت رواية (Apparitions inquiétantes) لآن سيسيل براندنبورغر (Anne-Cécile Brandenburger) قدرة النص الرقمي الترابطي على دمج الأنساق السمعية والبصرية وإعادة تشكيل تجربة القارئ. وبالموازاة، أظهرت رواية (Novelling) لهازل سميث (Hazel Smith) كيف يمكن للوسائط المتعددة خلق سرد دينامي مفتوح يمنح القارئ دورا تفاعليا. كما تناولت الدراسة نصوصا توظف البعد اللعبي، مثل (Deviant: The Possession of Christian Shaw) لدونا ليشمان (Donna Leishman)، (Les 12 travaux de l’internaute) لسيرج بوشاغدون (Serge Bouchardon)، لتسليط الضوء على الإمكانيات التفاعلية للسرد الرقمي الترابطي وخلق فضاءات تشرك القارئ في إنتاج المعنى.
وبرأي الباحث خالد لبراهمي فإن اختيار هذه المتون العربية والغربية يتيح مقاربة التجربة الترابطية في سياقات متعددة، بما يثري الدراسة ويسهم في فهم أعمق لتحولات السرد الرقمي في البيئة العربية والعالمية. وقد شكل إشراف الدكتورة سعاد مسكين دورا محوريا في توجيه الباحث، وتحفيزه على الإبداع والانفتاح الفكري، مما ساهم في خلق بيئة أكاديمية ملهمة ومحفزة على تحقيق التميز. كما أشاد أعضاء اللجنة بالقيمة العلمية للأطروحة وإسهامها النوعي في تحديث الدراسات السردية العربية، معتبرين أنها تفتح آفاقا جديدة للبحث الأكاديمي في زمن التحول الرقمي.
وقد منحت اللجنة العلمية بعد نقاش مستفيض الباحث خالد البراهمي شهادة الدكتوراه بميزة مشرف جدا مع تنويه اللجنة بالإجماع، تقديرا لأهمية البحث وإسهامه المتميز في رسم معالم السرد الترابطي في الأدب العربي المعاصر، وإثراء المشهد الأكاديمي برؤية جديدة ومبتكرة.
