الكاتب ليس ملاكا
لا شك أن الكاتب سواء كان أديبا أو مفكرا يبقى في نهاية المطاف إنسانا يجوز عليه ما يجوز علي البشر من النقص و التوق المستمر إلى الكمال.
إننا كثيرا ما نرى الكاتب في كتاباته يطرح قضايا و مشكلات و يضع لها حلولا أو يطلب من القارئ سواء كان معنيا أم لا بوضع تلك الحلول، و أيضا كثيرا ما يتجلى لنا هذا الكاتب في صور متعددة، فهو تارة يرتدي جلباب الواعظ و أحيانا يرتدي عباءة المصلح و أحيانا يرتدي قميص الثائر و المتمرد و أحيانا يرتدي طيلسان القس إلى آخر هذه الصور التي توحي للقارئ بأن الكاتب إياه إنما هو إنسان فوق العادة، يحمل بداخله قلبا ملائكيا و روحا نورانية إلى درجة أن القارئ يتمنى من أعماقه لو التقاه و تعرف عليه.
بيد أن الكاتب لا يفصح دائما عن نفسه بالشكل الحقيقي في نصوصه، فهناك الكاتب الانتهازي الذي يلبس لكل حالة لبوسها، و يستغل كل فرصة مواتية لتحقيق مآربه و لا يبالي إن كان ذلك على حساب (مبادئ) يبشر بها في كتاباته، و لا يهمه إن تعرض للنقد من طرف قرائه، و هناك الكاتب الذي يفصل الكتابة فصلا تاما أو جزئيا عن ممارسته في الحياة اليومية، فقد نجد كاتبا يتعرض في شعره أو قصته للكذب باعتباره ظاهرة و آفة اجتماعية تنبغي محاربتها، في حين نجده هو نفسه يمارسها و بطرق متنوعة.
ثم هناك ذلك الكاتب الذي نراه وديعا في نصوصه حليما في ردوده بينما يتربص بالآخرين الدوائر ،إذ بمجرد ما يحتك بشخص لأول وهلة أو يرى منه شيئا يقرأه و يؤوله على كيفيته حتى يبادر إلى إظهار وجهه الخفي ذي الملامح القاسية و الأسارير المتجهمة،و في رمشة عين يتحول من ذلك الكاتب الوديع إلى ذلك الكاتب الشرس الفظ الطباع.
حسب تجربتي و اختلاطي بالكتّاب فإنه لا ينبغي أن ننظر إلى الكاتب نظرة تقديس و تنزيه، فهو يبقى أولا و أخيرا بشرا يتعرض للأخطاء و يمارسها بشكل عفوي أو بشكل متعمد لغاية من الغايات.
أقول هذا و أنا أعرف حالات صدم فيها القارئ لما رأى كاتبه المفضل يناقض نفسه بنفسه، فمضمون كتاباته و ما تبشر به في واد بينما سلوكه اليومي في واد آخر.
و أخيرا لنتأكد أن الكاتب ليس ملاكا، و لا ينبغي له أن يكون كذلك ما دام يأكل الطعام و يمشي في الأسواق.