السبت ١٤ حزيران (يونيو) ٢٠٢٥
بقلم علي الدكروري

ايام ونيسة

استيقظنا علي صوت صراخ امرأة..أصابنا الفزع فخرجنا بسرعة أمام المنزل فرأينا امراة نحيفة سمراء تبدو في الخمسينات من عمرها تجري نحونا وهي تصرخ بينما يطاردها رجل قصير وقد رفع جلبابه بإحدي يديه وبالأخري يحمل عصا كبيرة..دخلت المنزل وعندها توقف الرجل الذي كان يطاردها.

خرج إليه ابي وعندما رٱه ألقي ببصره للأرض فربت ابي علي ظهره ثم دخل معه البيت.

تناول الجميع الأفطار ولم يتحدث أحد في شئ..إلا حين قال لها أبي قبلي رأس زوجك ففعلت وبعد قليل صحبها من يدها وانصرفا.

أصبح الأمربعد ذلك مألوفا لنا فقد صار يتكرر مرة علي الأقل كل أسبوع.

ماكان يشغلني أن بين بلدهم وبلدنا مسافة كبيرة فكيف يركضان وهما في مثل هذا السن

ولماذا تأتي عندنا نحن بالذات.

علمت فيما بعد انها تقرب لنا من بعيد.

المرة الأخيرة التي طاردها فيها..كانت وهما يجهزان للحج ويومها قال أبي لهما..لعل الحج يصلح حالكما.

ولعل إصلاح حالهما قد حدث بموت زوجها عقب الرجوع من الحج فصارت تتردد علينا كثيرا وكانت أمي تعطف عليها
وكثيرا ما أرسلتني لها بالأرز والسمن واللحم فكانت تتأمل ما احمله وتلقيه جانبا ثم تقول لي بغضب أين السجائر؟

كانت الحاجة ونيسة هي المرأة الوحيدة في المنطقة التي ضربت شهرتها الٱفاق لأنها تدخن السجائر بشراهة ولاتخجل من ذلك.

وكانت تتشاجر مع اولادها ويتهمونها بسرقة الدخان فتثور عليهم وتقول أليس لي رأس مثلكم

كان كل مايسعدها ان أشتري لها علبة سجائر فقط ولاتهتم بالزيارة التي أحملها لها وحين قلت لأمي نحضر لها ماتريده فقط قالت حرام يابني..

أصبحت بعد قليل تزورنا وتجلس معنا بالأيام وكانت تحب افلام فانن حمامة وتبكي قبل أن يبدأ الفيلم وتقول يارب لا يؤذيها
أحد ولايستغلها أحد.

وتظل تبكي طوال الفيلم..كانت تقول ان فاتن طيبة وكسيرة الجناح وليس لها حظ مع أحد وحين تزوجت محمود ياسين في فيلم افواه وارانب قالت يارب يحافظ عليها ويحميها من الممثلين الأشرار.

أما حين كانت مرفت امين تنزل السلالم قالت الحاجة ونيسه هذه أجمل بنت في مصر فسقطت مرفت أمين من علي السلم فنظرت لنا الحاجة بحزن وقالت والله لم أحسدها يا أولادي

وظلت بعد ذلك لك كلما رأتها في فيلم تقول منذ سقطت وهي غير قادرة علي الكلام جيدا ولا علي الحركة.وغالبا نكتم الضحكات حتي لاتغضب منا.

كنا في موسم الحصاد والفلاحون يستخدمون مسلة كبيرة لخياطة اجولة الأرز وكانت المسلة ٱلة ضرورية في موسم الأرز وهي تشبه أبرة الخياطة ولكن حجمها أكبر بكثير.فقال لها أبي خذي المسلة وضعيها في مكان ٱمن حتي لاتضيع
حملتها الحاجة وظلت تطوف في البيت لتبحث عن مكان ٱمن.

اخيرا وجدت الحل حين رأت ثقبين في مقبس الكهرباء وضعت المسلة في احد الثقبين فأمسكت بها الكهرباء
وظلت ترتعد وأختي تراقبها ولاتدري ماذا تفعل ولحسن الحظ ألقت بها صدمة الكهرباء علي الأرض فجرحت وغابت عن الدنيا..صرخت أختي

فجرينا من كل صوب فوجدناها في حالة اغماء وحين أفاقت..اطمأن عليها أخي وناولها سيجارة و انفجرنا بالضحك.
اعتدنا علي وجودها بيننا بعد فترة وصرنا نحبها لكننا كنا نتوسل اليها ألا تدعو لأحد لأنها كانت تخطئ..وكانت تفجؤها الميم بعد قول يارب فتكررها فتنفي الدعاء.

تتلعثم فتقول يارب م م م م م يكرمك فيصير الدعاء يارب مايكرمك..

وكان ابنها يمزح معها فيقول لها هل انت راضية عنا ؟. فتقول نعم فيقول لها..اذن لماذا لاتدعين علينا؟

زارت بيت ابنها الجديد وتجولت فيه وهي تزغرد فقال لها هو ضيق قليلا يا أمي.

فقالت ليس ضيقا انه جميل اللهم ضيقها عليكم اكثر واكثر.

الشجرة التي زرعتها امام بيتنا كبرت وصار الأطفال ياكلون منها وكان توتها مختلفا وجميلا ويحكي الجميع عن حلاوته..
كانت تصلي بعد ان ينام الجميع رغم انها ظلت تحاول حفظ الفاتحة ولم تفلح وحين سألتها ماذا تقرأين في الصلاة قالت..اقول يارب..اليس هذا يكفي؟

قبل ان تموت طلبت سيجارة وأخذت نفسا عميقا لم تفاجئها الميم هذه المرة وهي تدعو عندما قالت يارب اغفر لي و ذهبت لكن أشياء كثيرة لم تمت بقيت الطيبة تمرح في البراح وبقي الأطفال يطوفون حول شجرة ونيسة..


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى