الخميس ٥ حزيران (يونيو) ٢٠٢٥
بقلم ميادة مهنا سليمان

حواري مع الشّاعر الأردنيّ بكر عوض المزايدة

* موجز السّيرة الذّاتيّة للضّيف:

شاعر أردنيّ من محافظة الطّفيلة/ لواء

بصيرا.

بكالوريوس اقتصاد وعلوم إداريّة/ تخصّص الإدارة العامّة/ جامعة مؤتة.

حائز على جائزة تيسير السّبول/ فئة الشّعر/ المركز الثّاني مرّة عام ٢٠١٩

ومرّة عام ٢٠٢٤ في المركز ذاته.

حائز على المركز الأول في مسابقة النّخلة بألسنة الشّعراء/ جائزة خليفة الدولية لنخيل التمر.
مؤلّفاته:

مجموعتان شعريتان بعنوان

تقاسيم على أوتار الزّمن

و وجوه في مرايا القلب.

- ذكريات الطّفولة، كيف تتجلّى لكَ الآن، وماذا تحدّثنا عن البيئة الّتي احتضنت محاولاتك الشّعريّة الأولى؟

أولا وقبل البدء بالحديث عما سألتِ أتقدم منكم ومن موقع ديوان العرب بالشكر والتقدير على
هذه المقابلة وعلى إتاحة هذه الفرصة لنا للحديث عما يجول في خلجات النفس في حياتنا الشعرية.

أما عن سؤالك عن ذكريات الطّفولة.

* فأنا من مواليد عام ١٩٧٧ في محافظة الطفيلة /لواء بصيرا وهذه القرية الوادعة الهادئة الضاربة جذورها في ثرى التاريخ والتي تبعد عن العاصمة عمّإن ما يقارب ١٨٠ كم إلى الجنوب،حيث كانت مركزا حضاريا وعاصمة للآدومين في المشرق ويعني اسمها الدرع أو الترس والتي يبلغ عمرها التاريخي ٤٠٠٠ عام. وهي محصنة بتحصينات طبيعية جبلية من ثلاث جهات يتخللها الأودية ولها مدخل ومخرج واحد وفيها من الآثار ما يشهد على ذلك.

الأمر الذي أضفى عليها طابعا تاريخيا وطبيعيا وجماليًا ففي هذه البلدة كانت نشأتي الأولى ومرتع الطّفولة ومرابع الصِّبا وبوابة الأحلام.

وطبيعة العلاقة الحميمية مع أشجارها وأحجارها وجبالها وينابيعها التي تزيد عن ثلامئة عين ونبع ماء.

فكان لها الأثر الكبير في نشأتي وفي ملامح شعري حيث أنها بيئة ريفية قديمة أقرب إلى البداوة (شيئا ما ) في أساليب العيش من حيث التنقل وممارسة الأعمال الشاقة من رعي الأغنام وحراثة الأرض والحصاد ونقل الماء، وما زالت هذه الذكريات القديمة تسبر أغوار القلب وتجول في أروقة الروح مثل أغاني الأعراس وأهازيج الحصادين وحداء الرّعاةِ
كانت وسائل الحياة فيها شحيحة ومواردها قليلة وذلك لبعدها عن العاصمة.

وكل ذلك قادني إلى أن اكتب الشعر في مرحلة مبكرة من عمري تقريبا في السادسة عشر من العمر .ولي فيها عدة قصائد منها:

بُصرايَ لي فيكَ من عمري حكاياتُ
وفوق وجدكِ من وجهي علاماتُ
يغرّدُ الشِّعرُ من عينيكِ سيّدتي
فيعزفُ القلبُ ما تُملي العِباراتُ

- احتضن ديوانك (تقاسيم على أوتار الزّمن) 21 قصيدة شعريّة موزونة، بعضها في غرض الرّثاء، ما المضامين الأخرى لقصائد الدّيوان، وهل تفضّل تنوّع الأغراض الشّعريّة في ديوان واحد؟

*هذه المجموعة الشعرية كانت باكورة إنتاجي الشعري حيث جمعت فيه ما يقارب إحدى وعشرين قصيدة من القطع المتوسطة وتم نشره في عام ٢٠١٩ بدعم من وزارة الثقافة الأردنية واختلفت موضوعاته ما بين الرثاء ومكنونات الحب للوطن وعن الذات وقصائد أخرى تعبر عن وجع الرحيل وطول الغياب وذكر الموت وعن تضحيات الشهداء.

*أما عن سؤالك تنوّع الأغراض الشّعريّة في ديوان واحد..

من وجهة نظري المتواضعة إنه لا يوجد ما يمنع ذلك فهناك الكثير من الدواوين لكبار الشعراء تحتوي على مختلف الأغراض الشّعريّة من وصف ومدح ورثاء وما إلى ذلك من مواضيع. وأعتقد إنه يكون مشوق للقراءة والدراسة أكثر من أن يكون الديوان أو المجموعة الشعرية متخصصة في غرض واحد.

- للرّثاء نصيبه من أشعارك، مَن رثيت، وهل من شعراء قدماء تمثّلتَ تجاربهم الشّعريّة والإنسانيّة في الرّثاء؟

*بالنسبة للرثاء بدأت قصتي معه منذ أنْ فقدتُ والدي فجأة الأمر الذي كان له أثر كبير في نفسي وفي شاعريتي .وبعدها بثلاثة أعوام فقد أخي الكبير أيضا بلا سابق إنذار وهو في ريعان الشباب وتوفي وهو أخضر العود ندي الزهر وترك جرحا لم ولن يبرى ومما قلت في الرثاء:

للقبرِ ثوْبٌ وللأحزانِ أثوابُ
وللفِراقِ مفاتيحٌ وأبوابُ
وكل قلبٍ له طيفٌ يُعذِّبُه
وللسعادَةِ أحلامٌ وأسبابُ
وكلُّ نائِحةٍ شَكرى مدامِعُها
وأفجعُ الفًقْدِ من خلّاهُ أحبابُ

إلى آخر القصيدة ,,,,

وعن تأثّري بتجارب شعراء في الرثاء( لا) .. ليس هناك شاعرا معينا تأثرت به فأنا أكتب ما يجول في فكري وما يستفزُّ مشاعري ويثير عواطفي .ولكنني اقرأ كثيرا في هذا الباب من مختلف العصور على اختلاف الشعراء ويحتفظ أدبنا العربي بتراث ضخم من المراثي منذ الجاهلية إِلى يومنا الحاضر . و عادة ما يتفوق النساء على أكثر الرجال في أشعار المراثي، تفوقًا لا نجده في فن آخر غير هذا الفن؛ ذلك أن المرأة بتكوينها النفسي والعاطفي والاجتماعي هي أكثر استعدادًا، فعاطفتها أسرع انبعاثًا وأعمق شعورًا، وقدرتها على البكاء وبعث مكامن الشجى واللوعة لا تدانيها قدرة الرجال مثل الشاعرة المخضرمة (الخنساء).

وقد يرثي الشاعر نفسه أيضا مثلما فعل الشاعر مالك بن الريب.

والامثلة كثيرة في الشعر العربي.

- ديوانك (وجوه في مرايا القلب)، أيّ الوجوه ضمَّ، وهل من وجهٍ أنثويٍّ كان له نصيبٌ وافرٌ من أشعارك الغزليّة؟

* هذا الديوان أو المجموعة الشعرية على الأصح نُشر عام ٢٠٢٤ وقد ضم ما يقارب ٢٦ قصيدة ايضًا مختلفة الأغراض الشعرية من الرثاء والغزل والمدح والوصف وعنوانه هو أصلاً يقوم على أن الشاعر يتقمص وجوهُ الآخرين في مرآة قلبه فيكتب بها ما يشعر به الناس أو أن مرآة الشاعر تعكس إلى الآخرين وجوه حزينة أو سعيدة تبلورت لدى الشاعر ليقرأها الآخرون، و بالنسبة لوجود نصيب من شعري إلى أنثى معينة لا يوجد في حياتي أنثى إلا (أمي) و زوجي علمًا بأنني كتبتُ كثيرًا في الغزل إلا أنه من وحي الخيال، أو تعبيرا عن حالة عابرة.

 ضمن نشاطات مديريّة ثقافة محافظة الطّفيلة وبرنامج التّكيّف الثّقافيّ، شاركتَ بفقرة" الحياة زمن الكورونا".

هل ترى أنّ الكوارث والأوبئة أغنَيا السّاحة الأدبيّة، والثّقافيّة من خلال التّعبير عن المعاناة.

طبعًا أن لها عميق الأثر تتركه هذه الكوارث والأوبئة الطبيعة في نفوس الناس وما تحتاجه النفوس إلى ترميم وإصلاح ما بعد الكارثة لذلك أغنت هذه التغيرات الطبيعية الساحة الأدبية والشعرية بكثير من الكتابات والقصص التي تظهر دور المعاناة التي عاشها الفرد والمجتمع في هذه الفترات وأثناء حظر الخروج بسبب وباء كورونا الذي داهمنا عام ٢٠١٩ واذكر أنه تم إنشاء الكثير من المجموعات الأدبية على مواقع التواصل الاجتماعي والأمسيات الشعرية واللقاءات الأدبية وإنشاء المسابقات التى تعنى بموضاعات الوباء ولقد كتبتُ عدة قصائد في كورونا وكتابة سيرة ذاتية كاملة عن الأحوال أثناء وباء كورونا وعن تجربتي الشخصية مع هذا الوباء.

 أيّهما أجمل:

كتابة قصيدة من وحي تجربة شخصيّة

أم من وحي الخيال فقط؟

* كلاهما جميل. فكلاهما يقوم على الاستفزاز الداخلي في نفس الشاعر وابتزاز عاطفي يدفع الشاعر إلى الكتابة بطريقة لا شعورية أي تظهر القصيدة بسبب حالة نفسية خارجة عن نطاق المألوف والأمثلة على ذلك كثيرة في الشعر العربي مثل عينية ابن زريق البغدادي

التي صورت حال الشاعر ومعاناته بعد تركه بغداد . فمثلا التجربة الشخصية :لي قصيدة بعنوان (أوراق الخريف) وهي قصيدة تجسد تجربة شخصية مع المعاناة إثر اصابتي بخثرة قلبية ،فوصفت لحظاتها كاملة في هذة القصيدة.ومن أبياتهِا:

مرّ الخريفُ على روض الرياحينِ
فاصْفرّ عمري وضاقتْ بيْ شراييني
والريحُ باتَت إلى الأوراق تنثُرها
والرُّوحُ في غفلةٍ كادتْ تُجافيني

- هل مازال الشّعر ديوان العرب؟

* نعم، الشعر ديوان العرب كان ولم يزل فلولا الشِّعر لما عرفنا شيئًا عن تاريخ العرب أو عن حياتهم الاجتماعية وعاداتهم وتقاليدهم ونزعاتهم القبلية وحروبهم وأسفارهم وعن منازلهم، ولقد كان الشعر وسيلة لنشر الأخبار في مجتمعاتهم بمثابة الإعلام في الوقت الحالي وما كان الشاعر يذكر ذلك في شعره إلا وكانت موضوعاته تنتشر بين الناس انتشار النار في الهشيم.

- كيف ترى وضع النّقد في السّاحة العربيّة، والأردنيّة؟

* بداية يجب التطرق إلى مفهوم النقد بشكل مبسط قبل الولوج إلى الإجابة

فمفهوم النقد (كما تعلمين)هو دراسة الأعمال الأدبية وتحليلها وتفسيرها، وبيان أهدافها ومقاصدها وطرق معالجتها ومعرفة أساليب بنائها.

وقد كان النقد قديما خاصة العصر الجاهلي يقوم على التذوّق الفطري من خلال تذوق النص وإطلاق الأحكام عليه من حيث الجودة والرداءة والجمال والقبح دون تحليل أو تعليل.

ثم بعد ذلك بدأت طرائق العلم تدخل إلى النقد قليلا قليلا إلى أن أصبح في العصر الحديث يجمع بين النقد والبلاغة والاستفادة من النقد الغربي مع عدم اغفال صورة النقد العربي.

وأعود إلى سؤالك عن النقد على الساحة العربية والأردنيّة.

أعتقد أنّه انحصر دور النقد واضمحلّ بسب غزارة الإنتاج الإبداعي مما جعله لا يواكب الإبداع وتطوره على الساحة الثقافية، واعتقد إنه شيء طبيعي بسب هذا الركام الهائل من الثقافات والكم الكبير من المعلومات والتطور الفكري والتكنولوجي.
فما زال النقد بحاجة إلى مزيد من التطور واستخدام الأدوات العلمية الحديثة والفنية في نقد النصوص وتشريحها دون مجاملة لأحد. والنظر إلى النص باعتباره دوحة متفرعة وارفة الأغصان ليعرف غثها من سمينها وجميلها من رديئها ويبين مواطن القبح والجمال في النص بطريقة إيجابية تبين مواضع الخلل والزلل ولا يكون النقد تقنُّصا أو تصيّدا إلى الأخطاء.

- ما دور اتّحاد الكتّاب، ووزارة الثّقافة عندكم في تطوير العمل الأدبيّ؟

وهل يلقى المبدع الأردنيّ الدّعم الكافي؟

* نعم له دور فاعل من خلال نشاطاته الوطنية وغزارة الفعاليات التي يشهدها من خلال الندوات الفكرية والأمسيات الشعرية التي تقيمها، وكذلك مشاركة الاتحاد المهمة في المهرجانات الوطنية باعتبارها أحد دعائم رسالة الدولة الأردنية في شتى المجالات، والثقافة تعد جزءا لا يتجزأ منها.

وكذلك ساهمت وزارة الثقافة على مدى عقود طويلة في إثراء المعرفة لأجيال من الأردنيين من خلال برامج الإصدارات والنشر التي تشجع على القراءة، وإنشاء المكتبات العامة والمتخصصة، ولكن ما زالت جهود تعزيز وسائل اكتساب المعرفة وتشجيع القراءة محدودة مع عدم توفر مؤشرات مرجعية يعتد بها عن حالة القراءة في الأردن.

 دعمتَ القضيّة الفلسطينيّة بقلمك المقاوِم، فماذا ستختار لنا من قصائدك؟ هناك قصائد كثيرة في هذا الباب وخاصة بعد شن الحرب على غزة بآلة الحرب العمياء و الحياة المأساوية والمشاهد اليومية التي تطعن شغاف القلب وتذيب ما قد بقي من الروح دون رقيب أو حسيب والتي يعيشها إخواننا في غزة

سأختار قصيدة الفدائي
الفِدائيُّ
ضَمّدْ جراحكَ واعصبْ هامة الجلدِ
وامسحْ دموعَ الأسى عن وجْنَةِ الكمدِ
واجمعْ شتاتكَ من عين الضياعِ فقدْ
تكحّلتْ أعينُ الأَعْرابِ بالرمدِ
يدُ العروبةِ ما زالتْ مُلطّخةً
بالذُلِّ والعارِ لا تحنو إلى أحدِ
لم يبقَ في قلبهمْ للعزِّ معْتَصمٌ
فارفعْ أكفّكَ للرحمنِ بالمَددِ
أنتَ الفدائيُّ لا تركنْ الى أحدٍ
فنحنُ بعض غُثاءٍ فاضَ بالزَّبدِ
كلُّ الجراحِ وإنْ طالَ الزمانُ بها
تشفى من النَزْف ما عانتْ من الكَبَدِ
إلا الشهادةَ يبقى الجرحُ منتبهًا
يَضجُّ مسْكُا ويبقى بالدِّماءِ ندي
فجرِّد النفسَ من صفْو الحياةِ ودَعْ
حبلَ التّوهُّمِ وامسكْ دفّةَ الرّشدِ
وصافِحِ الوقتَ والآمالَ مُؤْتَزِرًا
ثوبَ الشهادةِ مطويًّا على الجَسدِ
وقفْ ببابِ الرّدى كالريحِ عاصفةً
مُسهَّدَ اللّحظِ يقظانًا على رَصدِ
وقمْ إلى النصرِ والأسحارُ ساهيةٌ
وطاول ِ المجد َ في العلياءِ واتّقِدِ
وانثرْ سنا الروحِ في وجهِ المُنى عبقًا
ولترتَوِ الأرضُ فيضًا من دِما الكَبدِ
فليس غيرُكَ يا ابنَ الأرضِ تنزفُها
وليسَ للقدسِ إلاّ أنتَ يا وَلدي


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى