الخميس ٩ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٢٥
بقلم ميادة مهنا سليمان

حوار مع الكاتبة المغربيّة عائشة بناني

موجز السّيرة الذّاتيّة للضّيفة المبدعة:

عائشة بناني من مواليد مدينة فاس في المغرب. حاصلة على الإجازة في الحقوق.
 لديها عدّة مؤلّفات في الشّعر، والقصّة، والرّواية.
 فازت في العديد من المسابقات الأدبيّة.

تحيّة للمغرب الحبيب، وأهله، وأهلًا بكِ ضيفتَنا، بدايةً حبّذا لو أخذتِنا في نزهةٍ صغيرةٍ لنتعرَّفَ على مدينةِ (فاس) ببضعة أسطر.

فاس مدينة تتنفس التاريخ، كل زاوية فيها تبوح بسرّ، وكل جدار يهمس بحكاية، أزقتها الضيقة كخيوط من نور تنسج ذاكرة الأجيال، وأسوارها العتيقة تحفظ في صمتها أناشيد الزمن .

هي مدينة الروح من يدخلها يكتشف أن الماضي ما زال حيًّا بين حجارتها، وأنها لا تمنح زائرها مكانًا فحسب، بل تمنحه إحساسًا بالانتماء والدهشة معًا.

_ لو عادت عائشة إلى الطّفولة الآن، أيّ ذكرى لطقوس مغربيّة تختار أن تشاركنا إيّاها من ذكريات الأهل، أو المدرسة، أو الحارة؟

لو عدتُ إلى الطفولة لاخترت بيت جدتي، ذاك الذي كان يعج بالأحفاد والضحكات ،ما زالت رائحة الخبز الطازج تلاحقني، والمائدة التي تضم أصنافًا شتى دون غسالة أطباق أو أدوات عصرية ،كل شيء كان مرتبًا على نحو عجيب، وجدتي تتوسطنا كفراشة تنتقل بين الزهور، تمنح المكان بهجة ودفئًا، كنا نلعب ونمرح بلا هواتف ولا حواسيب، وكان العالم أبسط لكنه ممتلئ بالسعادة.

_لديكِ مجموعة قصصيّة بعنوان (نساء على ضفاف حلم) صدرت عن دار لوتس بمصر.

ما هي الضّفاف الّتي يسمح المجتمع الشّرقيّ للمرأة العربيّة بأن تمدّ أحلامَها عليها؟

وهل كنتِ جريئة في مجموعتك بطرح قضايا تهمّ المرأة الشّرقيّة؟

في مجتمعاتنا الشرقية غالبًا ما تُقيد أحلام المرأة العربية بمجموعة من التقاليد والأدوار الاجتماعية المتعارف عليها، فتظل تبحث عن ضفاف صغيرة تمتد إليها، لكنني أؤمن أن الأدب يمكنه أن يكون جسرًا لتجاوز هذه القيود.

في نساء على ضفاف حلم حاولت أن أفتح لها مساحات للتنفس والخيال، أُظهر صراعاتها بين الواجب والحلم، بين الخوف والرغبة في الحرية.

جرأتي لم تكن سوى محاولة لفتح نافذة صغيرة في جدار الصمت، أُدخل منها نسمة تقول ما تتردّد الشفاه عن قوله، لأمنح المرأة صوتها بين السطور.

فازت مجموعتك القصصيّة (أحلام الثّلاثين)

بمسابقة فارس للإبداع العربيّ، هل المجموعة مخصّصة للحديث عن قضايا فئة الشّباب؟

ماذا كتبتِ لهذه الفئة سواء في مجموعتك، أو غيرها؟

أحلام الثلاثين ليست موجهة للشباب فقط، لكنها تنبض بروحهم، حاولت أن ألتقط قلقهم، بحثهم عن الذات، ومطاردتهم لأحلام تتأرجح بين الممكن والمستحيل، في هذه المجموعة وغيرها، كتبت عن أحلامهم المؤجلة، عن الحب كملاذ، وعن الأمل كشاطئ أمان ، لأمنح صوتًا لجيل يعيش بين طموح كبير وواقع مثقل بالتحديات.

كما أنني أوليت اهتمامًا خاصًا بفئة الفتيان، فقد نشرت رواية لهم بعنوان "أكينان"، وأخرى بعنوان "أبطال الضوء " وصلت إلى القائمة القصيرة لمسابقة كتارا للرواية العربية 2025، وهناك مشروع جديد أعمل عليه حاليًا في الاتجاه نفسه، إيمانًا مني بأن الكتابة للفتيان ليست مجرد متعة، بل مسؤولية في مرافقة أحلامهم وتطلعاتهم.

_ بصفتك من أعضاء لجنة التّحكيم في مبادرة حكاياتنا للقصّة القصيرة، ما هي أبرز معايير نجاح القصّة القصيرة؟

نجاح القصة القصيرة لا يقاس بطولها بل بقدرتها على ترك الأثر، أن تكون مكثفة، مشحونة بالإيحاء، تقتنص لحظة إنسانية عابرة وتحوّلها إلى معنى عميق.

اللغة الشفافة، البناء المحكم، والمفاجأة التي تضيء في النهاية، كلها عناصر تجعل القصة القصيرة تنجح في أسر القارئ.

_ لديكِ ديوان شعر حديث عنوانه( رسائل صامتة)، كيف ترين الحركة الشّعريّة الحديثة في المغرب العربيّ؟

هل أصداء تقبُّل قصيدة النّثر يشوبها الجدل، أم تلقى قبولًا واسعًا لدى المغاربة؟

الحركة الشعرية الحديثة في المغرب العربيّ كبحر متحرك، تبحث دائمًا عن شواطئ جديدة للتعبير عن الذات والهوية. قصيدة النثرفي رأيي تلعب دورًا مهمًا في تحرير الشعر من القيود الشكلية، لتفتح الطريق أمام التجريب والجرأة،فهي تمنح الشعر مساحة للتنفس.

أصداء تقبّلها تتباين بين مرحّب ومتردد، لكن هذا التباين جزء من جمال التجربة التي تغيّر من منظومة القارئ والمتلقي.

_ ماذا عن الحركة النّقديّة في المغرب العربيّ، هل هي مُواكبة للكمّ الكبير من نصوص الأدب؟

الحركة النقدية في المغرب العربيّ تنمو تدريجيًا، لكنها لا تزال تحاول اللحاق بالزخم الكبير للنصوص الأدبية المتدفقة. هناك محاولات رائعة لفهم الشعر والسرد الجديد، ولتأطير التجارب المختلفة، لكن الطريق طويل لإيجاد توازن حقيقي بين الإنتاج الأدبي والنقد الواعي الذي يمنحه عمقًا وتأثيرًا.

_ بخصوص كتاباتك الأدبيّة، مَن كتبَ عنها من نُقَّاد الوطن العربيّ؟

وهل كتبتِ، أو تنوين كتابة النّقد الأدبيّ؟

أُتيح لي أن تُقرأ بعض قصصي على الهواء ضمن مسابقة قصص على الهواء التي تنظمها مجلة العربي الكويتية، حيث تبث القصص الفائزة عبر إذاعة مونت كارلو الدولية وتُعرض للنقد.

قصتي" نهاية كليوباترا الغامضة" تناولتها الناقدة المغربية رشيدة بن مسعود، بينما قُرئت قصتي "هي وهو" بعين الكاتب المصري الدكتور محمد منسي قنديل، كانت تلك اللحظات بمثابة مرآة أتأمل فيها كلماتي من زوايا جديدة.

أما عن نفسي فلست ميّالة إلى كتابة النقد الأدبي، أجد روحي أكثر قربًا من فعل الكتابة نفسه، حيث أترك الكلمة تنبض بحرّيتها بدل أن أحاصرها بميزان التحليل والقراءة الصارمة.

_ لنتحدّث عن الرّواية، ما هي نتاجاتك الأدبيّة فيها، وماذا حققتِ من فوز في مسابقاتها؟

في عالم الرواية كانت لي محاولات أعتز بها، فقد كتبت رواية «في طريق البحث عن دانيال» التي فازت في مسابقة ببلومانيا للرواية العربية، كما وصلت روايتي «جريمة في أميان» إلى القائمة القصيرة في مسابقة الخطلاء للرواية العربية، وما زلت أواصل المسير بمشروع رواية جديدة أعمل عليها حاليًا إيمانًا مني بأن الرواية ليست مجرد حكاية، بل فضاء مفتوح للتأمل وكشف خبايا النفس والواقع.

_ لا يمكن للكاتب، أو الشّاعر أن يكون محايدًا تجاه القضايا الإنسانيّة، وجميعنا نرى ما يحدث في غزَّة، ماذا كتبتِ للقضيّة الفلسطينيّة، أو في الأدب المقاوم عمومًا؟

لا أؤمن أن الكاتب يمكن أن يكون محايدًا أمام الألم الإنساني، خاصة حين يتعلق الأمر بفلسطين التي تمثل جرحًا مفتوحًا في الوجدان العربي ،كتبتُ عنها في قصائد ونصوص وجدانية، حاولت أن أجعل الكلمة شاهدة، وأن يتحول الحبر إلى شكل من أشكال المقاومة ،فالأدب المقاوم ليس مجرد شعارات، بل هو حفظ للذاكرة وفتح نوافذ الأمل في وجه القهر.
كما أنني كتبت مجموعة قصص قصيرة عن غزة وصمودها، وستكون ضمن مجموعتي القصصية القادمة بعنوان "متحف النساء المنسيات" إيمانًا مني أن الكلمة يمكن أن تصير ضوءًا صغيرًا في وجه العتمة.

في الختام، لا يسعني إلا أن أعبّر عن خالص امتناني للأديبة الراقية ميادة سليمان على هذا الحوار الثرّي الذي أتاح لي أن أطلّ على القراء من نافذة جديدة ،شكري موصول أيضًا إلى مجلة ديوان العرب التي تواصل عبر مسيرتها أن تمنح الكلمة أفقًا أوسع، وتظل جسرًا نابضًا بين المبدع والقارئ العربي.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى